يشاع في اوساط مجتمعاتنا بان الحورية التي كنا نحلم بها في طفولتنا وفتوّتنا من خلال القصص التي سمعناها من اهلنا بأنها المرأة الجميلة الساحرة ذات الطلعة البهية والصدر الفاتن العارم والبطن البيضاء التي تفوق البدر بياضا وتكويرةً، وكثيرا ماظهرت في احلامنا حينما ابحرنا في مفاتن جسدها فتظهر عارية تشاركنا وتبيت معنا في سريرنا وهي تتمثّل في اقاصيص امهاتنا وجدّاتنا

قبل بضعة ايام قرأت تغريدة ملفتة للنظر على موقع تويتر للشاعر الشعبي المصري الذائع الصيت احمد فؤاد نجم الذي كتب قصيدة quot; مصر يامّا يابهية، يمّ طرحة وجلابية quot; يؤكد بان quot; الجهاد quot; سينتهي في عقول التكفيريين بعد ان يقتنعوا بان النصف السفلي لجسد الحور العين عبارة عن سمكة quot; فكيف يتمّ مراودتها والأخذ بعناقها والانبهار بشميم عطرها، لكنني أشكّ كثيرا بانهم سيعدلون عن قرارهم في السعي الى الجهاد، لم ولن يقتنعوا وربما يصرّون على ابقائها عشيقة وخليلة لهم وتظلّ تهجس في مخيلتهم وتمرّ في خاطرهم ماداموا يدبّون في هذه الارض.
وليعذرني الشاعر نجم بان اختلف معه فهؤلاء الطامعون الى الجنّة المتخمون بالغباء والجهل يتصورونها ماخورا ومهجعا يحثّون الخطى للقاء صديقاتهم الحور العين هناك، فهم يتعجّلون نسف انفسهم لينتحروا وسط الناس أملاً في لقاء قريب عاجل، فهذه الاجناس من المخلوقات لايهمهم سواء كان جسدها كلّه او نصفه سمكة او دابّة او حتى تمثالا جامدا، ألم يتذكر شاعرنا احمد فؤاد فتيانَنا كيف كانوا يطأون أتان الحمير والنعاج ويبيحون حتى مطارحة الغرام بالزوجة الميّتة وممارسة نكاح الوداع معها وهل نسيتَ ايها العزيز يوم كان شبابنا ينزلون الى الغيط ويسبحون في الترعة وحينما يتأجج فيهم جماح الليبيدو ينحون نحو السفح ويعملون ثقبا في الغِريَن الرطب الناعم الملمس ويدخلون اعضاءهم التناسلية في ذلك الثقب ويبدأون بالرهز والنوْد حتى يصلوا الى ذروة الشهوة قاذفين ماء الحياة في هذه الاطيان الرطبة بدلا من ان يقذفوها في الارحام التي جبلت على احتواء اعضائهم التناسلية كما اراد خالقها.
وبعيدا عن مخيلة اوائلنا السلف الذين بالغوا كثيرا جدا في إضفاء الاوصاف على جميلاتنا الحور العين بشكل مهول باعتبارهنّ طيبات الريح وليّنات الجسد ورائعات الريق وإنهن خلقن من العنبر والكافور والزعفران والمسك العاطر وإذا برز سِوار معصمها للعيان أطفأ نورَ الشمس والقمر وان نخاعَ عظْمها يتراءى للملأ من وراء لحمها وجلدها بسبب شفافية جسدها الكريستالي الناصع ؛ مما لم نقرأ ماتخيلوه لا في القرآن الكريم ولا في السنّة النبوية وانما مجرد هوس المخيال الغارق في الاوهام الى حدّ التجاوز والانفلات الى مابعد آفاق الميتافيزيق العابرة لكل ماوراء الطبيعة.
وزاد بعضهم من الاوصاف الى مالا يحتمله حتى الخيال نفسه فقال احدهم ان هذه الحورية لو بصقت في سبعة بحور مالحة الاجاج لصار الماء عذبا سلسبيلا زلالاً واذا حرّكت يديها يتناثر من تحت إبطيها اللؤلؤ وإذا اقبلت يُرى كبدُها واحشاؤها لرقّة ثيابها وشفافية جلدها ولو عرَقتْ إبطاها لأسكرت كل من في السماوات والارض من طيب رائحتها، كل هذه الاوصاف اقتصرت على الحور العين نساء الجنّة اللائي يقدّمن الخدمات الجنسية للانتحاريين الشهداء فما بالك لو تم وصف سيدتهنّ ملكة الحور المسماة quot; العيناء quot; التي هي الانموذج الامثل والقدوة الارقى بينهنّ التي اختيرت حصرا للشهداء والصدّيقين والنخبة الفاضلة الخاصة من المؤمنين.
غير اننا نصدم حقا حين نعود الى معاجم اللغة ونبحث في اصل ومعنى كلمة الحور؛ فالحوَر الذي يصيب العَين التي سميت باسمها تلك المخلوقات المنتشرات في رحاب الجنان هو ميل حدقة العين عن موقعها الصحيح وانحراف عن مكانها في وسط العيون مما نطلق عليه quot; العوَرquot; الخفيف المنحرف قليلا أو العوَّار كما سمّته شاعرتنا الخنساء وهي ترثي اخاها صخرا :
قذىً بعينيك ام بالعين عوّارُ........ أم ذرّفت ان خلت من اهلها الدار
ومثلما قال شاعرٌ آخر وهو يضمّن شطرا من قصيدة جرير الشهيرة الغزلية في العيون :
ان العيون التي في طرفها حوَرُ........ذات العيون التي في طرفها عوَرُ
فالحُور العين وفق هذا المعنى لم يكنّ الفاتنات الساحرات الباهرات الجمال طالما ان عيونهن بهذا الانحراف والعور مهما كان الميل قليلا ؛ ففي المعجم الوسيط نلحظ ان الحور تعني النقص والهلاك، كما نقول : الباطل في حور أي : في نقص وتراجع. والحُور ايضا تعني : البقَر وجمعها : أحوار، ولا ادري ماهو وجه الشبه بين البقرة والحور العين وربما ان ماتدّره البقرة من حليب ابيض صافٍ ورائق وشهيّ يماثل تماما بشَرة الحوراء البيضاء الناصعة الناعمة خاصةً اذا عرفنا ان معظم حسناوات العالم يغتسلن بالحليب في غرف الحمّام ليكون جِلدهنّ أملس شفّافا خاليا تماما من التجاعيد شبيها بملمس جِلد الحور العين.
ويخطيء من يظنّ ان الحوَر في العين يضفي جمالا وسحرا على احداق العيون فلا يوجد اجمل من العيون الثابتة المستقيمة النظر التي وضعها الخالق في مكانها المرسوم لها وهو الله المصوّر البديع المتقن صنعته وانما عزا البعض من المفسرين على quot;جمالية الحوَرquot; ماهو الاّ لتطييب خاطر من يعانين من هذه الظاهرة المعيبة وترضيةً لهنّ وعدم خدش مسامعهنّ كما قالوا بشأن الحوَل الذي يصيب العين ويشوّه الرؤيا ويضلّل الصور وعدُّوه من سمات الجمال في العيون جزافاً وميْناً
هل عميت أبصاركم ايها المتفيقهون المخادعون لأنكم لم تحسنوا قراءة لغة العيون التي تغنّى بها الشعراء ردحا طويلا وتاهت بصيرتكم في مزالق الشهوات وعهرتم جنة الله السامية العفيفة الطاهرة ولوّثتموها بالرجس والفحش والخلاعة وبوهيميا الجنس ورحتم تهيمون في عيوب الحوَر والعوَر والحوَل وضحّيتم بأرواحكم وحياتكم ومزّقتم اشلاءكم وسط الناس أمَلا في لقاء حوراء او حورية بسيقانها السمكية وأوهمتم أنفسكم الامّارة بالـهوس والعتهِ الجنسي وعلوتم ظهور الدواب شهوةً فحقّ عليكم ماقال شاعرنا العربيّ جرير :ألستم خير من ركب المطايا؟!