قبل حوالي العقدين من الزمن نشر العالم الفرنسي المشاكس والعبقري جون بيير كرتيان Jean Pierre chreacute;tien كتابا متميزاً وملفتا للانتباه وغريبا من نوعه تحت عنوان:quot; لقد أضعنا نصف كوننا Nous avons perdu la moitieacute; de notre Universquot; أصاب الوسط العلمي بالحيرة والذهول لكن هذا الوسط اختار الصمت وتجاهل هذه الأطروحة العلمية الصارمة والجادة والفريدة من نوعها وهي أطروحة تعتمد على حقيقة علمية تقول أن الكون المرئي عند ولادته كان يتكون من مادة ومادة مضادة، وكان ينبغي ان يتساويان في كل شيء، وبالتالي يعدمان أحدهما الآخر عن تفاعلهما ولكن خللاً ما حدث، وكان مقدار المادة الملموسة التي نعرفها ونتكون منها قد تجاوز على نحو طفيف جداً مقدار المادة المضادة التي لا يعرف أحد أين هي الآن، في حين قال العالم الفرنسي جان بيير كرتيان ان هناك كون آخر تكون بالتوازي وفي نفس الوقت مع كوننا المرئي ولكن من المادة المضادة وبالتالي فإننا نعرف اليوم نصف الكون الأصلي الذي ولد من الانفجار العظيم Big Bang أما النصف الآخر فهو ضائع أو مفقود. واليوم، وبعد مضي حوالي العشرين عاماً ما يزال أهم لغز في الكون المرئي، يحاول العلماء حله، ويخلق مشكلة علمية عويصة، هو الكون المفقود l'Univers manquant، أو الجزء المفقود من كوننا المرئي.

يعتقد العلماء اليوم بشأن هذه المشكلة الفلكية والكونية أن هذا الجزء من الكون غير المرئي وغير القابل للرصد والقياس لم يختف كلياً بل إن جزءاً كبيراً من كتلته هو الذي اختفى. والحال أن العلماء المتخصصين بالمادة الكونية يرون في الحساب النهائي للمكون المادي للكون أن هناك نسبة ضئيلة من الجاذبية، وهي إحدى خصائص المادة، هي المرصود حالياً فكل شيء في الكون المرئي، وكل ما رصدته وحسبته أجهزتنا وتلسكوباتنا وكومبيوتراتنا العملاقة من مادة، لا يشكل في الحقيقة سوى نسبة تقل عن 5% من المكونات الإجمالية الأساسية للكون المرئي، وهناك أشياء وماهيات مرصودة على نحو غير مباشر تؤثر في حركة وتطور الكون، و غالبا ما يلجأ العلماء لتفسير هذه الحقيقة الى وجود مادة سوداء la matiegrave;re noire لتفسير المادة المفقودة في حين تفاعلات المادة السوداء مع الواقع المادي المرئي للكون ضعيفة وتكاد تكون معدومة لذلك لم يحسم الكثير العلماء أمر أو حقيقة وجود المادة السوداء علمياً بل هي لحد الآن في نظرهم مجرد فرضية علمية ولم يتمكن أي مختبر من انتاج المادة السوداء مختبريا فضلا عن اكتشافها بشكل قطعي وحاسم ومع ذلك يتمسك عدد كبير آخر من العلماء بوجودها الافتراضي لأنها تقدم التفسير الوحيد الممكن للمادة المفقودة في الكون المرئي. المشكلة إذا ما تزال قائمة ويعتقد علماء آخرون أن مشكلتنا تكمن في فهمنا للثقالة أو الجاذبية la graviteacute; ومن أجل فهم واستيعاب لماذا يبدو الكون المرئي ويتصرف وكأن هناك كم كبير من المادة يفوق بكثير ما هو مرصود منها اليوم، يميل بعض العلماء الى ما يعرف في علم الفيزياء بنظرية تعديل ديناميك نيوتن -Theacute;orie de modification de Newton Dynamics أو la dynamique du Newton modifieacute; أو MOND كبديل للمادة السوداء ومن بينهم العالم ستاسي ماكغوث Stacy McGaugh. اجتاز علم الفلك مرحلة تطور تدريجية استمرت حوالي الألفي عام وهي فترة زمنية لا تقارن بما أمضاه أسلافنا منذ بداية الوعي البشري وهم يراقبون النجوم ويجعلون منها آلهة لهم. واليوم أوضح لنا العلم بما لا يقبل الشك أنها مجرد تراكمات هائلة لكتل من الغازات والأغبرة الكونية تتفاعل لتولد نجوماً وإن الكثير مما نراه متألقا وناصعا ومضيئا في السماء ليس بالضرورة نجوماً بل هي كواكب بعيدة ومجرات بعيدة، وقد وفرت لنا مسيرة العلم الطويلة والشاقة فهماً أفضل وأدق علمياً للكون المرئي ومكوناته الحقيقية ولكن ما يزال هناك الكثير جداً مما نجهله أو لم نفهمه لحد الآن من أسرار وألغاز الكون المرئي. إن نظرية تعديل ميكانيك نيوتن MOND هي نظرية ديناميكية كلاسيكية تفسر الانحرافات والفروقات والبون الشاسع في الكتلة في الأنظمة النجمية كنظامنا الشمسي دون الحاجة للجوء للمادة السوداء أو الطاقة المعتمة eacute;nergie sombre وللقيام بذلك تعمل نظرية تعديل ديناميك جاذبية نيوتن MOND على إدخال ثابت كوني constante universelle جديد بخصوص طبيعة بعد التسارع الكوني la dimension de l'acceacute;leacute;ration فبموجب هذه النظرية فإن الكتلة أكثر فعالية في التواء وثني وانحناء الزمكان la dimension de l'acceacute;leacute;ration الذي تحدثت عنه النسبية العامة la relativiteacute; geacute;neacute;rale لآينشتين من الثقالة أو الجاذبية الكونية العامة فهناك الكثير في عالمنا المادي لا يعير اهتماماً ولا يتأثر بالجاذبية النسبية التي نقيسها ونعرفها. يمكن اعتبار MOND بمثابة تعديل للثقالة أو الجاذبية أو تعديل للقصور الذاتي de l'inertie من خلال قطيعة في تعادل الكتلة الجامدة أو ذات القصور الذاتي والكتلة الثقاليةmasse gravitationnelle وإن التعديل المذكور يحدث في حالات تسارع ضعيفة جداً أما في حالة تعلو على درجة التسارع الحرجة l'acceacute;leacute;ration critique، وهي إحدى خصائص هذه النظرية، فإن الأمور تبدو طبيعية وإما في حالة أدنى من درجة التسارع الحرجة l'acceacute;leacute;ration critique فسوف لن يكون بوسع النسبية العامة أن تعمل وتكون صالحة مما يعني أن نظرية تعديل ديناميك جاذبية نيوتن MOND ونظرية النسبية العامة la relativiteacute; geacute;neacute;rale تطبقان على أنظمة متباينة ومختلفة والنظامين يجتمعان باعتدال وهدوء من أجل دالة تحريف في المكونات وفق نمط محدد من المعادلات الرياضياتية. والجدير بالذكر أن نظرية MOND لا تحل كافة المشاكل وهي تعمل لصالح مجموعات رياضياتية des groupes matheacute;matiques وتتضمن مفاهيم رياضياتية أكثر تعقيداً من المألوف في عالم الرياضيات مثل الكينونات les entiteacute;s المعروفة باسم الحقول أو المجالات المعتمة champs sombres والتي تعمل بطريقة تشبه طريقة المادة السوداء بغية تعديل معدل الجاذبية أو الثقالة الحالية في الكون المرئي. ولذلك يعتقد كثير من العلماء أن نظرية MOND لا تحل المشاكل بقدر ما تخلق المزيد من المشاكل. فتعديل أي جزء جوهري في النسبية العامة سيكون بديهياً قوي المفعول وذو تداعيات خطيرة. ولكن ذلك لا يقل خطورة من مليء كون غير باريونيك أو كون غير مقياسي l'univers non ndash; baryonique بمادة سوداء باردة مكونة من جسيمات جوهرية جديدة مجهولة الماهية لا نعرف إن كانت موجودة حقاً. والحال أن هناك شيء جوهري مفقود أو مجهول في كوننا المرئي، سواء أكان MOND أو مادة سوداء أو أي شيء آخر، وعلينا القيام بدراسات معمقة وضرورية لتحديد ماهية وحقيقة هذا الشيء المفقود.

[email protected]