مصر بوصلة الحراك بمختلف تجلياته في بلاد العرب اضاعت عقاربها المسار، لتمضي نحو المجهول، بين تعنت الفرقاء وصراع التوجهات والطوائف بلد تضيع والحقيقة تضيع وتكال الاتهامات و فزاعة الارهاب يرفعها البعض ليبرر احقيته في تسلم دفة القيادة، وفتاوى التقوى وضرورة تطبيق شرع الله على ارضه يوظفها البعض ليبرر انه من يملك الصواب، وبين هذا وذاك فصيل حائر ينتظر عودة جيوش بونابرت لتولد نهضة اخرى ويصحوا الضمير، وفصيل يجتر نظرية المؤامرة ويحمل امريكا وإسرائيل وزر قتل الاخ لأخيه وحرق الجثامين باسم السياسة والدين وشعارات المصلحة العليا للوطن، رغم اننا لا يمكننا الجزم ببراءتها مما حدث وما سوف يحدث، في مصر الكل متهم والكل مذنب والكل بريء والكل مظلوم ومغتصب حقه وحاضره ومستقبله، والكل يحب نفسه اكثر مما يحب مصر ويحب مصر اكثر مما يحب نفسه، الكل يحلل ويحرم وفق هواه والكل يدعي انه مستقل وسيد قرار نفسه والكل تابع وينفد ما يمليه الاخرون عليه داخل مصر او خارجها، هنا ضاعت الحقائق ولا مكان للتنازلات والكل مستعد ليجلس الى طاولة النقاش لأجل مصلحة البلد او ليحرق البلد، بعيدا عن توقع نتائج الطاولة خارج مصلحة كل طرف.
لم يكن المشهد في مصر سوى بانوراما لما هو محتمل الحدوث في باقي دول الحراك العربي بعدما افرز الربيع كما يسميه البعض نتائج عكسية خيبت توقعات مهندسيه ومنظريه، فكان لابد من خطط بديلة وانقلابات جديدة تحت مسميات انقاد الثورة او تصحيح المسار وانقاد البلد ومحاربة الارهاب والحفاظ على هيبة بقايا الدولة من الانهيار والسقوط، مع اختلاف بسيط يقتضي تبادل الادوار بين طرفي المعادلة الشعب والنظام، ثار الشعب على النظام ليسقط مبارك، وثار النظام ومعه بعض من الشعب ليسقط مرسي. حقق العسكر وحماة المعبد القديم مدعومون بالمتحكمين في دواليب الدولة العميقة استثناءا ربما يضاف الى ما توصلت اليه النظريات السياسية المعاصرة عندما تنتفي القواعد ولا تقبل المرحلة الانتقالية وصفا ابعد من الارتجالية ويبقى المجهول وجهة يتيمة كلما فكرنا في القادم،
في مصر كغيرها من البلدان التي اجتاحتها رياح هذا الخريف المسمى خطأ ربيع واسقط الانظمة وخلق بلدان نبحث فيها عن ابسط السلع السياسية التي تمنح الشرعية،الامن، تفادى الكل ان يطرح بعض الاسئلة المهمة، هل حقا كانت الشعوب العربية ولعقود من الزمن عاجزة عن الثورة؟، ام انها استيقظت فجأة واقتنعت ان الانظمة التي تحكمها كانت ديكتاتورية دون علمها، وأنها تستحق اكثر من هامش البوح الذي منح لها او انتزعته وأنها تحتاج الى مساحة اكبر للتعبير؟، هل حقا نحن العرب كنا قاصرين لمدة عقود وكنا نخضع للوصاية تقرر فيها انظمة قمعية بوليسية مصيرنا دون ان نعلم بذالك؟ام اننا كنا نعلم لكننا بدافع الخوف او التدجين لم نكن نقوى على الصراخ او التمرد؟، هل الغرب بمنظماته وحكوماته وديمقراطيته التي تغرينا و نسمع عنها كما يسوقها لنا اعلامه كان اكثر وعيا بواقعنا منا؟ وبلغ قصورنا وربما غباءنا ان يعرف الاخرون واقعنا اكثر منا وينظرون لنا؟، وإذا كان هذا صحيحا ما الفرق بين هذا الغرب الذي منح الحق لنفسه ان يقرر عوضا عنا و بين حكام وأنظمة كانت تحكمنا لعقود وقيل لنا انهم كانوا يقررون مصيرنا عوضا عنا وربما بتوجيه من الغرب نفسه وهو الذي ارادنا ان نصحوا اليوم كما يقول لنلتحق بقافلة الشعوب المتحررة فعليا وليس مجازيا كما كنا من قبل ودائما على حد زعمهم ما دامت معايير التحرر والاستعباد هم من يحددونها وليس نحن؟
لم تطرح هده الاسئلة في حينها، وتم حشد الجماهير في ميدان التحرير والكل ينتظر ان يلتحق مبارك ب بن علي وتتحقق نسخة ما سمي ثورة الياسمين على ارض الكنانة. لم يكن دالك عشوائيا او عفويا كما اراد البعض ان يقنع الرأي العام ولم تكن طوابير الانتظار امام المخابز هي السبب ولا سكن المقابر وغرف السطوح هي السبب كما صرح البعض ولم تكن معركة الكرامة التي لم تحسم بعد في مصر كما في غيرها من بلدان العرب هي السبب، كالعادة صدق الشعب ما قدم له من اجابات عبر قنوات الاعلام وتم توجيه الرأي العام لطرح المزيد من التساؤلات التي ستخدم مخططات اصحاب المصالح وفق متطلبات ومستجدات المرحلة. خرج الخبراء الذين كانوا يهتفون بحياة الزعيم لسنوات خلت ليقارنوا ثروته وفق تقديراتهم وثروة القادة الرموز السابقين، فاثبتوا بما لا يقبل الشك للبسطاء ان مبارك كان يختلس من اموال الشعب ويقبل الهدايا ويكدس ثروته على حساب معاناة سبعون مليون كادح مصري،
نهاية سريالية بعد شعار عاش الريس رفع الجمهور في الميادين شعار ارحل والشعب يريد اسقاط النظام، راوغ النظام الدعوة فاسقط الرئيس وبقي هو ليدير ازمات المرحلة وفق مصالحه، الاعلام الذي كان يعدد بالأمس انجازات الرئيس السابق ينبش في زلاته وينشر غسيله ربما ليذكر الشعب بغبائه ومدى غبنه وجبنه طوال عقود كان يهتف فيها بحياة الريس وليسجل النبهاء في صمت مدى نفاق هذا الاعلام ولتسقط عنه ورقة التوت الموصوفة زورا بالحياد والمصداقية ويفضح زيف ادعاءات الحقيقة التي كانت شعارا يوظف عند الحاجة ليس إلا، اقنع الظرفاء من اختلطت عليهم الاوراق بنسبية الحقيقة وان لكل زمن حقيقته الجديرة بالنشر ويجوز ان تكون بالأمس او حتى في المستقبل القريب مجرد افتراء وتهمة عقوبتها الاعدام،
اعلن مبارك انه زاهد في الكرسي بعد اصرار جماهير الميدان على رحيله، وأكد جمال سليمان على ان فخامة الرئيس قرر التنحي حفاظا على مصلحة البلد واستجابة لرغبة ما سمي ب شباب الثورة وقرا النبهاء في صمت خلف السطور رغبة شيوخ النظام والمنطقة و الغرب، تم تشكيل حكومة تصريف الاعمال لتشرف على الانتخابات،حتى هذه اللحظة الكل يحتفل ويؤكد على ان ارادة الشعب اقوى من دكتاتورية الزعيم وان توريث الحكم في هذا الزمن الموصوف وهما بالربيع لم يعد ممكنا، اشاد الغرب كالعادة بهذا الانجاز وراهن الكل على شفافية الصناديق،
ربما لان الشعب فقد الثقة في كل التوجهات السياسية الموجودة في البلد، وربما لان الجماعة المحظورة التي اشتغلت زعاماتها لعقود في الظل وتخرج جل مفكريها من زنازين الناصرية وعايش فاعلوها هموم البسطاء الكادحين من ابناء هذا الشعب كانت الاكثر تنظيما والأكثر شعبية ومصداقية وأهلها اشتغالها في المجال الاجتماعي والإنساني والدعوي بكثير من الاحترافية المشهودة لتكون الامل المنتظر وقارب النجاة في هذه المرحلة، وخصوصا بعدما انجبت ما سمي بثورة الياسمين في تونس حكومة ملتحية وتسلم فيها المقهورون والمنفيون والمقموعين بالأمس دفة الحكم اليوم، ربما قدر هذا الحراك ان يعيد مستضعفي الامس الى مراكز القوة في هذه البلدان، لكن ما لم تفكر فيه التيارات التي تمثل تجربة الاسلام السياسي في نشوة النصر او ربما حتى في خضم التفكير في ثقل المسؤولية الجديدة الحكم اذا اعتبرنا حسن النية المسبق هو هل بإمكان التوجهات اليمينية واليسارية القديمة التي كانت تحكم ان تستسلم بسهولة، لمجرد ان شعوبا تعرفها جيدا لعقود وتتقن جيدا اساليب تدجينها وتظليلها وتوجيهها كما تشاء وكثيرا قمعها حسب الظروف خرجت الى الشوارع ورفعت شعار ارحل في وجهها،وتتخلى عن امتيازاتها وتسمح في نفوذها وتتنازل عن الحكم لقوى كانت حتى الامس القريب توصف حسب رأيها بالرجعية ومتهمة بالحنين المزمن الى الماضي التليد وبالمتاجرة بالدين واحتكاره واعتماده كورقة يانصيب قصد الفوز بالمقاعد ليس إلا،
غادر الرئيس قصر الاتحادية وتبادل من سكنوا الخيام في الميدان مع قوات الشرطة والجيش التي تحرس المكان وتحرس اشياء اخرى ستتضح فيما بعد سماها الزعماء القدماء الجدد هيبة الدولة والمصالح العليا للبلد باقات الورد ايدانا بنجاح المهمة وبداية شهر عسل لن يدوم طويلا بين الشعب والنظام الذي ضحى بالرئيس حتى لا يسقط، كان لابد من البحث عن شهادة دولية لتكتمل شرعية التجربة ويستصدر لها مرسوم ولادة تحث اسم ثورة، اقيمت الانتخابات في حينها وكانت النتيجة متوقعة قياسا على تجربة تونس، عاد المظلومون والمقهورون الى الواجهة وربما لينصف الشعب جماعة الاخوان سلمها الحكم انطلاقا من صناديق الاقتراع، وصفق الغرب بحرارة مع بعض الريبة المضمرة من نوايا الوافد الجديد لان صناديق الاقتراع في مصر استرجعت شفافيتها بعدما احتكرتها ضبابية الداخلية والجيش لعقود، انتخب الدكتور مرسي والدي سنعرف فيما بعد انه هرب من السجن ليترشح في الانتخابات ويفوز بالرئاسة، ربما في خضم فرح انتصار ما سمي بالثورة وانشغال الامن يتلقي ورود الشعب لم يسمح الوقت بتصفح شهادات حسن سيرة المترشحين لقيادة البلد بعد سقوط الرئيس المخلوع وربما اسقط النظام في تلك اللحظة عن كل المساجين والمعارضين جميع التهم وأصدر لهم حسن سيرة تخول لكل منهم الحق ان يقدم نفسه كزعيم محتمل لدرجة ان مطربا صرح في برنامج تلفزي بقدرته على جمع عدد التوكيلات وزيادة ليتقدم للرئاسة،
اصبح الكل يحلم بمدنية الدولة،تجرا الرئيس المنتخب وحاول ان يمارس صلاحياته احال رئيس الاركان على التقاعد وعين وزير الدفاع ولم يكن يعلم انه يخدم اجندة عودة الجيش الى السياسة هذا اذا خرج منها أساسا، توالت الازمات وظهرت طوابير المنتظرين امام محطات الوقود نفد السولار في السوق وأصبح الكهرباء يغيب ويحضر حسب مزاج سادة الرأسمال وهم من يحركون نبض الشارع بجهاز التحكم عن بعد، فمنهم من يصرح بعدم قدرة قيادات الجماعة المتهمون بطاعة اوامر المرشد على قيادة البلد في هذه المرحلة، ومن هم من يروج لقمع حكم الاخوان للأقليات الدينية بعد حرق الكنائس وعدم الامساك بالجناة وإلصاق التهمة بالجناح المتطرف في الجماعة، اعيد النظر في عقود الغاز مع اسرائيل واخرج البعض فزاعة اتفاقية كامب ديفيد وان الحكومة الملتحية ستمارس سلطتها على اكبر مساحة ممكنة من صحراء سيناء، تحضيرا لتهمة الجهادية والإرهاب ستلصق مستقبلا بقبائل الصعيد الموالية لحكومة الاسلاميين،عادت الحياة الى معبر رفح لتكسر جمود الحصار وليتم البعض الترتيب لتهمة التخابر مع حماس في الخفاء يتم توظيفها لاحقا لإسقاط شرعية الصندوق، في خضم هذه الفوضى اتيوبيا تحضر لبناء سد على احد منابع النيل مما يهدد الامن القومي لمصر ووجدت الحكومة المتهمة بضعف الكفاءة وقلة الخبرة وتلقيها الاوامر من مرشد الجماعة امام اول ازمة استراتيجية حقيقية وفي طريقة التدبير عن عمد لان هامش الخطأ في مثل هذه الامور معدوم نقل التلفزيون المصري اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة السيد الرئيس لمناقشة الازمة فكانت التدخلات كارثية بكل المقاييس غاب عنها صوت العقل على حساب اصوات تطالب بتوجيه ضربة عسكرية لاتيوبيا، هل هي خطة لكشف مدى ضحالة الوعي السياسي لدى من انتخبهم الشعب لقيادة البلد تم الاتفاق عليها مسبقا بين الاعلام والجيش ورجال المال وبين النظام الذي لم يسقط تمهيدا لما سيأتي فيما بعد؟ تم الترويج للخرافة بين القيادات وعامة الشعب وان مرسي بعثه الله ليصحح المسار وانه منتصر لا محالة على الظالمين، اغرق الخطاب السياسي والرأي العام بمزيج غريب بين الغيبيات والأحلام، لإبعاد الاغلبية عن نقاش حقيقي خلف الابواب المغلقة يرسم خارطة طريق للبلد لا وجود فيها لمكون سياسي اسمه جماعة الاخوان المسلمين ويمهد لعودة الجيش والشرطة والأمن المركزي الى مراكز القيادة من جديد،
في الذكرى السنوية لما سمي بالثورة حانت لحظة الحسم، تحركت المعارضة واتخذت موقفا معروف مسبقا انه سيدخل البلد في المجهول، تحرك مهندسو المرحلة المقبلة لتخرج حركة تمرد التي تم الترويج لها على اساس انها شبابية خرجت من الجماهير التي خاب ظنها في حكومة الاسلاميين بعد خيانتها لمبادئ الثورة كما يقولون وتنكرها للأهداف التي لأجلها تم اجبار الرئيس السابق على التنحي، وكأنهم يقولون انتهت التجربة وفشل الرئيس المنتخب في الاختبار ولابد من عزله، كانت الخطوة غير محسوبة وتفتقر الى النضج ساعد في انزالها استعجال الوجوه القديمة في العودة الى مراكز القيادة باستغلالها لأخطاء الحكومة الفتية في تدبير الشأن الداخلي والسياسة الخارجية،موقف مرسي من ازمة سوريا ودعمه للجهاديين، استقبال احمد نجاد رئيس ايران في مصر لأول مرة بعد قطيعة استمرت لعقود بين الدولتين ومحاولة البعض اشعال الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة في حضرة الرئيس، لقاء الرئيس المصري مع رئيس روسيا، تدخل الرئيس وبصفة رسمية في قضية خلية الاخوان المسلمين بدولة الامارات العربية المتحدة،كل هذا بدا وكان الدكتور مرسي وحكومته لا يفهمون جيدا في سياسة التحالفات الدولية، اضافة الى دعم حماس بشكل مطلق ونشاط المعبر والأنفاق بين غزة ومصر مما جعل البعض يلوح بفزاعة الامن في سيناء وعمق مصر،
اختصر البعض الشعب كله في حركة سميت تمرد وبدأت حرب التوقيعات بين مؤيدي الرئيس وشرعية الصندوق وبين من يريدون اعادة المشهد الذي حدث في نفس الميدان قبل عام لينتهي برحيل الرئيس، بلغ الاستقطاب ذروته واتهامات العمالة والتخوين توزع جزافا وعجزت الحكومة على جعل قيادات المعارضة التي تدعم الحركة الجديدة القديمة يجلسون على طاولة المفاوضات للخروج بالبلد من منطقة الازمة والشلل التي لم تراوحها مند سنة من الاحتجاجات والإضرابات واحتلال الميادين، وكالعادة لم يطرح السؤال الاهم من يمول المتظاهرين طوال ايام السنة رغم ان الجواب معروف مسبقا، لكن لتوجيه النقاش فقط الى وجهة يمكن ان تجعلنا نقف على الاجوبة الصائبة اصبحت الاحتجاجات في البلد مهنة من لا مهنة له. فقرر الجيش ان يمنح الرئاسة 48 ساعة لإقناع المعارضة التي اقتنعت بما تريد وربما ما تم تلقينه لها وفق دورها في الخطة بالجلوس الى طاولة الحوار، ولم يمنح الجيش المهلة نفسها للمعارضة لتخلي الميادين وتقدم بدائل عملية عوض التظاهر، كما هو متوقع تم عزل الرئيس ونقله الى مكان مجهول وسلمت البلاد ظاهريا لحكومة يقودها رئيس المحكمة الدستورية، فغير الاعلام جلده للمرة الثانية او بالأحرى نزع عنه قناع المرحلة فهاجم جماعة اخوان المسلمين وحكومة مرسي، وهاجم المتمسكين بشرعية الصندوق المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة،
طالت الازمة اكثر مما توقع الجيش وكانت حسابات المعارضة خاطئة وبدا الشك يتسلل الى حلفاء الامس من جدوى عزل الرئيس المنتخب خصوصا بعد صمود انصاره امام المضايقات وأمام الهجمة الاعلامية الشرسة التي قادتها قنوات مصر ومولتها انظمة الخليج المسكونة بفوبيا الاخوان والإرهاب، تعالت الاصوات التي تشكك في شرعية التفويض الذي طلبه وزير الدفاع السابق والحاكم الفعلي الحالي من الشعب لإعادة الجماعة الى جحرها وخفت بريق الثورة ليعوض في اكثر من منبر بالانقلاب وأصبحت المنحة التي يعطيها العم سام للجيش مهددة بالتجميد او الزوال. وللمناورة اخذت السعودية المبادرة وأعادت توجيه بوصلة عقود تسليح جيش مصر ناحية الشرق، وتمت عملية مونتاج تنقصها الاحترافية لعمليات الجيش في سيناء وتفجير الانفاق وإعادة غلق معبر رفح كإشارة لمن يزال محتارا بين وصف ما حدث بحماية الثورة او الانقلاب بان امن حدود الابن الشرعي في ايدي امينة، وان الجيش لم يتخلى عن المهمة المقدسة ابعاد شبح الجهاديين والمقاومين والإرهابيين حسب عرفهم عن حدود اسرائيل، بعد كل هذه الاجراءات حان الوقت لإرجاع قيادات الاخوان الى الزنازين ثانية ودالك بعد حرق وقتل المعتصمين وتحضير لائحة اتهامات تخفف من وقع الكارثة وتجعل المجتمع الدولي يتقبل ما حدث في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة كخسائر لابد من وقوعها لاسترجاع الثورة من بين ايدي الاخوان الذين حاولوا سرقتها كما ستصرح الخارجية الامريكية لحسم النقاش والإجابة الملتبسة عن السؤال : هل هو انقلاب ام ثورة؟
دخل مرسي المحكمة ليحاكم على قتل المتظاهرين والتحريض على العنف وهو المدان وجماعته وبدون محاكمة بسرقة الثورة في نظر من اشادوا بشفافية الصناديق التي منحته الشرعية ليحكم، وخرج مبارك من نفس المحكمة وفي يده صك براءته من قائمة طويلة من الاتهامات ظهرت بعد عزله في انتظار ان تفتح لائحة اخرى تعيده الى قفص الاتهام في انتظار سماع كلمة اسفين يا ريس، عاد جون كيري الى القاهرة ليقوم بمحادثات ثنائية مع نظام كان الكونجرس حتى الامس القريب يناقش هل هو انقلابي ام شرعي ولم يسال عن مكان احتجاز الرئيس السابق ولا سير محاكمته، وكان الوازع الحقوقي الذي تتشدق به حكومته رغم كوارث ابوغريب وكوانتاناموا يتعطل عندما يتعلق الامر بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل بالشرق الاوسط، وعند عودة وزير الخارجبة الى بلاده سيحمل معه الخبر اليقين ويعلن بكل ثقة ان الرئيس السابق وجماعته حاولوا سرقة ثورة الصغار التي انجبها صراخهم في الميدان، ولولا لطف الله وتبصر وزير الدفاع وحلفاءهم الليبراليون من المعارضة لزحف الجهاديون والسلفيون ورثة سر التطرف من وصايا حسن البنا وسيد قطب على مصر ليصبح امن اسرائيل في خطر،
في مرحلة استخراج مرسوم جديد لما حدث من الخارجية الامريكية تحت مسمى استرجاع وانقاد الثورة، يجري البحث عن زعيم بمقاييس محددة سلفا، ولإسكات صوت الشارع وانقاد الاقتصاد من السكتة القلبية تطوعت كل من الامارات والسعودية والكويت بضخ الاموال لسد العجز الحاصل وإعادة نفس الحياة لمالية البلد بعدما اصبحت مهددة بنضوب مواردها نتيجة الاضطرابات المستمرة، لكن لسوء حظ هذا النظام الذي راوغ شعار السقوط مرتين، مرة بإسقاط مبارك ومرة اخرى بإسقاط مرسي وجماعة الاخوان المسلمين، تغيرت قواعد اللعبة في المنطقة ودخلت امريكا في قصة غرامية سرية مع ايران بعد فوز الاصلاحيين كان الوسيط فيها سلطان خليجي بسبب التوصل الى اتفاق حول الملف النووي سرعان ما ظهرت الى العلن وتوجت بالإعلان عن شهور من العسل اغضبت السعودية وحلفائها في الخليج لتعلن ان مساعداتها لمصر مرحلية ولن تكون دائمة وبالتالي اصبح لزاما على الحكومة الانتقالية وعلى الزعيم المقبل ايا كان ان يحضروا انفسهم لسيناريوهات مشابهة اطاحت بسابقيهم، وان شبح التمرد لم يذهب بلا رجعة من ميادين مصر كما يظن البعض، وان حلم الاستقرار ما يزال بعيدا عن ارض الكنانة رغم التمنيات لان ما يحدث في المنطقة برمتها لا يبشر بنهاية قريبة للازمة، ربما لضمان الحد الادنى من الاستقرار ولتدارك ما يمكن تداركه اصدر رئيس الحكومة الانتقالية القانون المنظم للتظاهر رغم ما فيه من منح صلاحيات مطلقة للأمن والجيش ورغم مؤاخذات الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية منها والمحلية إلا ان ظروف المرحلة تقتضي نوعا من الحزم بعدما اتضح ان الاعتماد التام على الحلفاء ليس خيارا صائبا،
ربما لم تنضج بعد شروط التغيير في كثير من البلدان التي شهدت ما سمي بالربيع العربي، ومهندسوا الخطط الموضوعة اذا صح ان هناك خطط لما يحدث وسوف يحدث لم يقرءوا جيدا معطيات الواقع ولم يدرسوا هامش ردات الفعل الغير متوقعة كما يجب، مما احدث هذا الانفلات والفوضى التي تبدوا في الظاهر وكأنها مستعصية عن اعادة الترتيب والتنظيم وفق ما وفره المناخ العالمي من تقنيات الاتصال والتواصل والإعلام وتعقيدات القراءات الحقوقية لكل ما هو سياسي وامني بعيدا عن الاخذ بعين الاعتبار الظرفية الاستثنائية التي تستوجب معاملة استثنائية، هل من العدل ان نتحدث عن حرية التعبير وحرية التظاهر والمعارضة والموالات في بلدان ما تزال تعيش فيها الانظمة بعيدا عن الشعوب، في بلدان ما تزال تبحث عن الحد الادنى لتضمن شكل ما يسمى الدولة خارجيا وفي الداخل شبه مؤسسات غير مستقرة همها الاول ان تحارب السقوط وليس لديها الوقت لتقوم بدورها في التدبير.
ارغم الشعب مبارك على الرحيل واسقط جزء من الشعب ومعه الجيش وما تبقى من الدولة مرسي بعد سنة من انتخابه، والآن حكومة انتقالية واستمرار حالة التقسيم، طرف يعارض ويتظاهر ويحتل الميادين يطالب بعودة مرسي وشرعية انتهت، وطرف يريد ان تستمر القافلة ويتسلم السيسي مقعد الرئاسة. وطرف ثالث يساير وينتظر ان يحصل على نصيبه من كعكة السلطة تحت مسمى معارضة موجهة، والسواد الاعظم اسمه مصر تطحنه الازمة وتخنقه طوابير الخبز اكثر من ذي قبل وتستقبل مقابره سكان جدد ويتقاسم مع باحثين جدد اكثر من ذي عن مأوى بطيبته المعهودة غرف السطوح وليس لديه الوقت ليفكر في ازمة الغاز ولا السولار ولا انقطاع الكهرباء و لا نياشين منظمات حقوق الانسان ولا رضى او عتاب الغرب او امريكا، هذا الاخير الصامت كل يتاجر باسمه ويتشدق ويتبجح في الدفاع عنه وعن مصالحه، ننتظر ان يظهر بين هؤلاء وهؤلاء حقا من يعرفه وينتمي اليه ليعود السلام الى شوارع بلد الكنانة ونتحدث عن التغيير ولنقول مرحبا باليات التقييم الجديدة التي يضعها الغرب ليصنفنا في خانة شعوب متحضرة ودول تنتمي الى الراهن، وربما حينها لن تحتاج مصر الى منح تتبعها املاءات وكتيبات توجيه تحرر هناك لنسير بها ما هو موجود هنا والاهم من هذا لن تضطر ان تؤجر جيشها لحراسة حدود بلد اخر وفق اتفاقيات حققت السلام وباعت الارض والكرامة معا،
المغرب