في الانتخابات الاخيرة لبرلمان اقليم كوردستان تكبد الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي يتزعمه السيد جلال طالباني رئيس جمهورية العراق خسارة فادحه لا تتناسب وسمعته النضالية ادت الى استنكار شديد من قبل قاعدته الجماهيرية وشبه انتفاضة ضد قيادة الحزب من قبل قواعده التنظيمية التي حملة القيادة وزر هذه الخسارة والتراجع الملحوظ في شعبية الاتحاد مع ذلك يبقى الاتحاد الوطني الكوردستاني رقما صعبا وقوة كبيرة على الساحة السياسية في اقليم كوردستان فخلال العقود الثلاث الماضية شكل القوة الرئيسة في مواجهة النظام الدكتاتوري الحاكم في بغداد وقدم ضحايا اكثر من أي طرف اخر في المقاومة الوطنية الكوردية وكان اول من طرح مشروع الفيدرالية كحل للقضية القومية الكوردية داخل العراق والأسباب التي دعت الى حصوله على هذه النتائج هي غير ما يقال عن غياب مؤسسه السيد جلال طالباني رغم دوره المؤثر وإنما في الواقع تكمن في بناءه التنظيمي وبرامجه للمستقبل.
تاريخيا تشكل الاتحاد الوطني على اساس شبه جبهوي ثم اندمجت هذه الاطراف عصبة شغيلة كوردستان واتحاد ثوريي كوردستان والخط العريض الجماهيري في حزب واحد عام 1992 لتشكل الاتحاد الوطني الكوردستاني الحالي الذي كرس ايضا في نظامه الداخلي موضوعة المنابر المختلفة التي يوحدها الخط العام.
هذه التركيبة خلقت الاجواء الملائمة لنمو مراكز القوى بالإضافة الى موقف السكرتير العام من هذه المراكز الذي كان يلعب دور صمام الامان ومفتاح التوازنات.
هذا الواقع، واقع وجود مراكز القوى، انسحب على عموم التنظيم ومكاتبه الاساسية مما خلق انقساما حادا في صفوفه وفي اسلوب عمله وبالتالي على مجموع ادائه العام وزاد من عزلته الجماهيرية ان القيادة المعتقة التي مضى عليها اكثر من عشرون عاما ظلت تراهن على امجاد الماضي والكفاح المسلح في الوقت الذي كان العالم والعراق والإقليم والشارع الكوردي يتغير بسرعة ولم يعد الخطاب الحزبي المفعم بالأمجاد الماضية يتجاوب مع متطلبات الحياة اليومية لمواطني كوردستان وأصبحت القيادة المتصارعة فيما بينها في واد والقاعدة الجماهيرية العريضة في واد اخر هذا بالإضافة الى انتشار الفساد والمحسوبية في الوقت الذي كان الاتحاد الوطني الكوردستاني معروفا بالنقاء والطهر الثوري.
صراع مراكز القوى وانعدام برنامج وطني شامل لمواجهة استحقاقات المستقبل يلبي حاجة ومطاليب الجماهير والقاعدة الحزبية ادى اولا الى اكبر انشقاق كبير في صفوفه وتأسست حركة التغيير بقيادة الشخص الثاني في الاتحاد الوطني الكوردستاني واحد اهم مؤسسيه السيد نوشيروان مصطفى الذي لم يجد حلا اخر للوضع الذي ال اليه الاتحاد غير الخروج وتأسيس حركة التغيير التي تركت ما يسمى بالشرعية الثورية خلفها واعتمدت الشرعية القانونية والدستورية وحل التناقضات بالطرق السلمية وتبني مطاليب الشارع الكوردي.
اما النتيجة الاخرى فكانت الخسارة الفادحة التي مني بها الاتحاد في الانتخابات الاخيرة والتي ادت الى تحديد نهاية كانون الثاني القادم من قبل منظمات الحزب ومؤتمره المصغر كموعد اقصى لعقد مؤتمر الحزب العام ومعالجة وضعه السياسي والتنظيمي هذه المعالجة التي يمكن اختصارها في فقرتين اساسيتين:
الاولى : التخلص من مراكز القوى وتجميد صراعاتها باختيار قيادة جديدة معروفة بحياديتها وعدم انغماسها في الصراع الداخلي ومن جيل الكوادر الشابة ومن بينهم سكرتير عام الاتحاد بدلا مما يسمى بالقيادة الثلاثية الحالية وإعادة بناء الحزب ومكاتبه الرئيسة على اساس مؤسساتي وحسب الكفاءة بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية ومن ثم اعادة كاملة للهيكل التنظيمي للاتحاد على اساس وحدة صفوفه ومحاربة التكتل.
الثانية : هو وضع برنامج وطني عصري منفتح ومرن يتفق مع مصالح الشارع الكوردي ويلبي طموحاته المشروعة ويعزز من الجبهة الداخلية ويتفق مع المصالح الاستراتيجية للشعب الكوردي وقدرته على التصدي الى جانب القوى الوطنية الكوردستانية الاخرى لاستحقاقات المستقبل والتغيرات الحادة التي تشهدها المنطقة.
ان مستقبل الاتحاد الوطني ومسألة استعادته لشعبيته وجماهيريته مرهونة بما سيفرزه المؤتمر المقبل وبدون اجراء هذه التغييرات الاساسية بدون تجاوز مرحلة الصراع الداخلي ومراكز النفوذ والقوى فانه من الممكن ان ينقسم الاتحاد الى ثلاث او اربع تنظيمات لا حول ولا قوة لها وبالتالي ستكون هناك نهاية مؤسفة لحزب طبع قرابة اربعة عقود من تأريخ الحركة الوطنية التحررية الكوردية بطابعه الخاص سواء على مستوى الاقليم او على مستوى العراق.