قد يتهمني البعض بالتحزب أو بالدعاية لحزبه و هذا أمر طبيعي quot; اقصد الاتهام quot; رغم أن ما ساتحدث عنه في سياق المقال لن يكون دفاعا بمعنى الدفاع بل هو قراءة سياسية لحزب بات يشغل الكثير من الاوساط السياسية الاقلمية و العالمية قياساً لعمره و أسس واقعاً سياسياً معيناً لشعب لم يكن له واقع بالأصل و أوجده كعنصر من معادلة سياسية في الخارطة الاقليمية و الدولية لا يمكن القفز عليه على الاقل في سورية، سواء على المستوى السياسي أم الوطني أو القومي أو حتى القانوني و جعل من سياساته و مفاهيمه الخاصة و بصرف النظر عن الخلاف و الاختلاف معها واقعاً عملياً يعيشه شعبه و بارتياح نسبي واضح بل أكثر من ذلك أصبح هذا الحزب قوة سياسية و اجتماعية و تنظيمية مؤثرة على الحركة التي تديرها الاقوياء فقط. و تزيد حجج الدفاع هذا الحزب إذا تعمقنا في قراءة الحالة السياسية الكوردية السورية خاصة و السورية عامة حيث تعاني من الانكسار السياسي و الوطني بسبب عدم وجود نهج سياسي فكري يستطيع مواكبة الانسان و تكوينه النفسي و الأخلاقي و المتغييرات في محيطه، في الوقت ذاته يزداد الحزب تنظيماً و قوة رغم الحروب المعلنة و من العديد من الجهات.

و من هنا يُطلب من أي متابع للظواهر المغايرة للسائد خاصة و إن كانت بهذا القدر الكبير و الملفت للنظر الاقتراب منها بشكل بحثي محايد بعيداً عن الأنا الانتمائية بين الذات الثقافية و الاجتماعية و يقرأها بتفاصيلها لا أن يأخذ ما يدعم أناه الانتمائية المختلفة أو غريزته في الكره و الحب.... و بداية البداية و قبل أن أطرح اسئلتي على القارئ الكريم و أجوبتي و على ضوء قراءاتي لهذا الحزب الجديد القديم أود أن أطرحها بناء على ما أملكه من المعرفة في هذا السياق.

* كيف استطاع هذا الحزب و في فترة قياسية أن يمتد هذا المد الافقي الاجتماعي و الجماهيري و العامودي عبر نشر ثقافة قومية ديمقراطية و مشروع سياسي نفذ أو ينفذ فعلياً على الارض....؟؟؟

* ما هي العوامل التي ساعدته في ذلك...؟؟ هل هي بالفعل قوة السلاح..؟؟ أم دعم النظام له كما ينطر له المختلف معه قومياً و وطنياً و حتى كوردياً و هو اتهام غير مبني على أساس عملي أو نظري بل مجرد اجتهادات تحليلية لممارسات أو مشاهد هم عنونونها بما يخدم توجهاتهم و تشبع غريزتهم الانتمائية...؟؟؟

* أم فكره السياسي و الانساني المغاير للسائد الكلاسيكي و الذي أسس له الزعيم و المفكر الكوردي عبدالله اوجلان..؟؟؟

* هل هناك عوامل أخرى لم نكتشفها...؟؟

سنحاول الاجابة على الاسئلة بقدر من البساطة في التحليل تفادياً للتعقيد و التنظير الذي يتعب القارئ في زمن التعب.

إن حزب الاتحاد الديمقراطي هو امتداد أو نتاج حزب العمال الكوردستاني الذي تأسس في 1978 في القسم الشمالي لكوردستان كان هذا الحزب امتد و ما زال يمتد بين الجماهير و الشعب كفكر و كقوة جماهيرية منذتأسيسه، ليصل هذا الامتداد إلى أوجه عكس التوقعات التي رسمها المناهضين و المخالفين له...!! و لعل في ذلك أسباب كثيرة أهمها في شخصية عبدالله اوجلان قائده و زعيمه الاستثنائي بفكره و فلسفته المقترنة مباشرة بسلوكياته على عكس الآخرين ممن شابهه أو اشترك معه ببعض الخصوصيات ليس على المستوى الكوردي فحسب بل على المستوى العالمي و السياق التاريخي لحركة المجتمعات البشرية و لن أدخل في هذا الجانب لأن ذلك بتطلب أدوات دراسية خاصة لشخص خاص و لعل من الاهمية أن نذكر أو ندعم كلامنا بمثال من الامثلة الكثيرة عن هذا الزعيم و القائد لدى الكثير أبناء الشعب الكوردي في الاجزاء الاربعة من الوطن الكوردي و المعلم و الاستاذ و المفكر لدى بعض المجموعات من القوميات الاخرى كالعرب quot; يمنيين، سوريين، سودانيين، ليبيين quot; و الارمن و السريان و الالمان و الروس و الامريكيين و الايطاليين و الامازيغ ليتخذوا من فكره السياسي و الانساني نهجاً في ممارساتهم. و هذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن عبد الله اوجلان الذي اختير بين الـ 100 شخصية الاكثر تأثيراً في العالم هو انسان غير عادي بل ثقافة و فلسفة قد تتجاوز حدود الجغرافية فيما لو تحققت لها شروط الانتشار.

إن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي هو و رغم استقلاليته التنظيمية و السياسية هو وليد فكر هذا الزعيم و استمد قوته الجماهيرية و التنظيمية من نهج عبد الله اوجلان و حزبه حزب العمال الكوردستاني الذي احتل مراتب متقدمة جماهيرياً في ايران و سورية و تركية و العراق و العالم و أصبح قوة يحسب له الحساب في مراكز القرار الدولي ليتقدم عليه قياساً بالحالة و الظرف التاريخي في تحقيق مالم يحقق الحزب الام نفسه و يتقدم عليه بالانتصارات و المكتسبات على الارض الواقع بالرغم من التعقيدات البالغة الخطورة جراء الحرب الدائرة في سورية.

إن معادلة ربط القول بالفعل هي من أصعب المعادلات التي تواجه ليس السياسيين فحسب بل المرء أياً كان و كان هذا الحزب قد اتخذ من هذه المعادلة نهجاً عمل عليه بشكل فعلي و لو بشكل نسبي تجاوز الـ 50 % و أبدع في اساليب العمل الجماهيري و استطاع أن يأكل الكتف من مكانه الصحيح لا بل و عمل على التبشير لثقافة اجتماعية و سياسية و تربوية مغايرة للمفاهيم التي تبنتها الحركة السياسية الكوردية و الشرق أوسطية عامة انطلاقاً من السلوك الاسروي إلى المجتمعي، فكانت المرآة عنواناً لثورة تبناه عبر نزعه و بزمن قياسي قياساً باالمفاهيم الاسلامية و الشرقية الاستبدادية التي تحد من تطور القكر الاجتماعي التي ترسخت عبر قرون مضت حتى كادت المرآة جزءاً أساساً و ليس مكملاً للحراط الثوري و التاريخي الكوردي عبر مشاركتها في جميع المؤسسات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و المدنية و حتى العسكرية و القيادية لتكون رئيس الحزب و قائدة عسكرية، هذه ظاهرة تاريخية مدهشة و جديرة بالاحترام و القراءة فيما لو اعتبرنا هذا الحزب جزء من الشرق الذي قمع و ما زال المرأة، بهذا السلوك الاخلاقي و الاجتماعي جذب هذا الحزب نصف المجتمع، عدا القوة العقائدية التي امتلكها و جعل منها الركن الاساس في التنظيم إضافة إلى التراتبية في التعامل من الزمان و المكان و كان في ذلك ذكاءً سياسياً من الحزب ليكون بذلك صانعاً للحدث و محركاً لها على عكس الاحزاب الاخرى التي كانت الاحداث تصنعها و أحياناً تسير مع الحدث و أخرى يؤثر فيها الحدث و يكون تابعاً حتى لو كان ذلك ضد قناعاته بسبب عدم امتلاكه لادوات المقاومة التي تحد من تأثير الحدث عليه.

إن هذه العناصر مجتمعة جعلت من هذا الحزب قوة جماهيرية حقيقية تصنع الحدث بما يتلاءم مع مصلحة الجماهير فقد قرأ الثورة في سورية بكل عناصرها و التزم الحياد و انتهج السلم و الحوار طريقاً لحل الازمة الوطنية و حُورب و أُتهم لكن النتيجة كانت أنه على صح قياساً بما أثببته الاحداث و أكثر من هذا جىّب شعبه و مناطقه من أثار الحرب المدمرة التي دمرت الوطن.

إن اعتماده على الشعب و انطلاقه من رؤيته الكوردية للثورة بالدرجة الاولى و التي جاءت بناء على معرفته التاريخية و العلمية بمكونات سورية السياسية و الاجتماعية بما فيها النظام و التأثيرات الاقليمية على هذا المكونات جعلت منه منتصراً في معظم ما أقدم إليه من بناء المؤسسات التعليمية و التربوية و الخدمية و القانونية و السياسية ليقدم بالنهاية مشروعه في الادارة الانتقالية المشتركة و يكون موضع قبول و اهتمام ليس فقط لدى أبناء الشعب الكوردي بل لدى معظم أبناء المكونات الاخرى من غير الكوردية.

إنه فكر ذكي و استغلال ذكي ناجم كما قلنا عن أن في نيته الفكرية دائماً أن يصنع هو الحدث و يستغل اللحظة المناسبة التي قد لا تأتي.

رغم الحقيقة العلمية و السياسية السورية التي تنفي حجة فرض الفكر و الرأي بالقوة على الجماهير و الشعب إلا أن هذا الاتهام كان موجوداً و هو موجود اليوم لكن فرض الامر بالقوة و تعريفها و الدلالات التي تشير إليها هي غير متوفرة في وقائع تعامل الـ ب ي د مع ألآخرين، فالحزب لم يدعي إمتلاكه أية قوة عسكرية و حتى إن امتلكها و جعل من نفسه قوة امر واقع في ظل الفوضى و الحرب و وضع قوانين انتقالية و نظم الجتمع و علاقاته فهذا أمر طبيعي لا يجعل من أحد أن يطلق على ذلك فرض القوة خاصة و أن المجتمع بأمس الحاجة إلى قوة تنظمه في ظل غياب تام لقوة تقوم محله. إن حاجة المجتمعات إلى الادارة حتمية تاريخية و قانونية... و الامر الاكثر قانونية أن تنقد هي القوانين و تشرع بما فيه فائدة للمجتمع و يتناغم مع عناصر اللحزة التي ننتمي إليها لا أن نتهمها و نحاول افشالها. إن الاحداث و الوقائع أفرزت وحدات حماية الشعب و قوات الاسايش و كانت من أهم الضرورات و أولها و قد يكون حزب الاتحاد الديمقراطي قد بدأ بها لكن فيما بعد أصبحت واحدة منها قوة عسكرية تحمي الشعب و مدنه وقراه و الاخرى هي قوة مدنية تحمي المواطن من الكثير من الاعمال التي تسيء الانسان والمجتمع.

إن هذه الوقائع و المعطيات يجب أن تحرض الآخرين على الاقل تلبية لحاجة معرفية أو حتى فضولية التعرف على هذا الحزب. و بالتالي الابتعاد عن العقلية الاتهامية.