تعرض مسيحيو العراق منذ أكثر من عشر سنوات إلى حملات اضطهاد وتهجير وحرق للكنائس، مما أدى لتقلص عددهم بدرجة مرعبة. وهو ما سبق وأن كتبنا مرارا في إدانته والتحذير من مخاطره على النسيج الوطني العراقي وعلى وضع حقوق الإنسان والحريات العامة والشخصية، ومنها الحرية الدينية. وقد أكدنا في سلسلة مقالاتنا على أن مسيحيي العراق، شأنهم شأن الصابئة المندائيين، هم أهل العراق الأصليون وكانوا فيه قبل دخول مسلم واحد لأرض العراق. كما أكدنا على الدور المسيحي الرائد في العراق الحديث.
يظهر أن حملات التطهير مستمرة، ومن ذلك ما يجري في سهل نينوى. وهو ما دفع بلفيف من المثقفين والنشطاء الديمقراطيين العراقيين إلى إعارة الأمر أهمية خاصة، ولهذا الغرض انعقد مؤخرا في أربيل مؤتمرquot;أصدقاء برطلةquot;. وبرطلة ناحية من نواحي أقضية محافظة نينوى. وقد حظي المؤتمر برعاية حكومة إقليم كردستان والأحزاب الديمقراطية الكردستانية ، ومنها حزب الاتحاد الوطني، ممثلا في شخص عقلية السيد رئيس الجمهورية، الذي نتمنى من أعماق القلب عودته سالما لمحبيه.
وفي خطاب الصديق الدكتور كاظم حبيب، الموجه للسيد عمار الحكيم، معلومات مذهلة عن دور الأحزاب الشيعية في عملية التطهير الديني في سهل نينوى. فهي تصرف الملايين لبناء الحسينيات والجوامع في قلب مدن ونواحي مسيحية لصالح طائفة الشبك، وهم من الشيعة. وقد خلقوا وضعا يجبر الآخرين على التخلي عن الاحتفال بأعيادهم الدينية والقومية لأنها تصطدم دوما بطقوس عاشوراء، بل حدثت مصادمات بسبب ذلك. وراحت منظمة بدر تلصق شعاراتها على جدران كنيسة برطلة، مثلما فعل رعاع المليشيات في البصرة بعلم حكومة المالكي، الساعي لولاية جديدة ينتظر ضوءها الأخضر خلال زيارته القريبة القادمة لإيران . كما نقرا أن قنصل إيران يزور ناحية برطلة مرتين أو ثلاثا في الأسبوع، ويحمل معه الأموال الوفيرة لتعطى لمن يرغب في شراء دور هناك أو بناء حسينياتـ وإقامة المواكب الحسينية. وتدخل السفير الإيراني لعرقلة تأييد مؤتمر برطلة من جانب الكرد، فعجز. وهو تدخل فاضح في الشأن العراق ومساهمة في عمليات التطهير الديني الجارية، كما الدور الإيراني في عمليات التطهير المذهبي في بغداد ومحافظات جنوبية ووسطى. إن هذه الممارسات التي تقوم بها الأحزاب والمليشيات الشيعية المدعومة من إيران في سهل نينوى تجري أمام أنظار حكومة المالكي وبعلمها، وعلما بان زعيم لواء بدر هو وزير النقل، الذي يسمح للطائرات الإيرانية بحمل السلاح للأسد عبر الفضاء العراقي. فالعراق تحول لضيعة إيرانية بالتمام، فكيف لا يفوز المالكي بولاية جديدة! ويظهر أن عمليات شراء دور ودكاكين المسيحيين بأسعار خيالية تجري في بغداد أيضا.
إن الدفاع عن حقوق طائفة الشبك لا يتم بالهجوم على حقوق وأملاك الآخرين. وفي مؤتمر برطلة مقترحات وتوصيات عملية لضمان حقوق الطرفين من دون التجاوز على المسيحيين، الأصحاب الأصليين.
كان المسيحيون العراقيون بحدود المليونين، وهم اليوم اقل من ربع المليون بفعل حملات الاضطهاد والقتل والحرق، التي شارك فيها أيضا وحوش القاعدة التكفيريون. والواقع أن مليشيات الأحزاب الشيعية وممارسات الحكومة الطائفية تلتقي تماما مع التكفيريين. وإيران هي دوما لاعب فعال في الوسط: ضد السنة وضد المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين وضد الشيعة الديمقراطيين وكل وطني شيعي يدين التدخل الإيراني، وهي مع القاعدة عندما تقضي المصلحة ذلك. النظام الإيراني، الذي يسحق حقوق الأقليات في إيران ويدوس على الحريات وحقوق الإنسان الإيراني، يتحمل المسؤولية الكبرى عما يجري في العراق من حملات وممارسات التطهير الديني والمذهبي، ومن سحق للحريات ولحقوق الإنسان العراقي، ومن حملات قتل وتعذيب وخطف للاجئين الإيرانيين العزل، المعارضين لنظام الفقيه. وبالمناسبة، نرى أن من الضروري عقد مؤتمر للدفاع عن هؤلاء اللاجئين والمطالبة بعودة المخطوفين الثمانية، ومنهم سبع نساء، وضمان سلامة سكان ليبرتي وأشرف والعلاج الطبي الناجع للمضربين منذ أكثر من ثلاثة شهور، والتوجه لدول العالم والأمم المتحدة لحل قضيتهم في الدول الديمقراطية التي تفتح لهم أبوابها. وكما كتبت أكثر من مرة، فإن حقوق الإنسان لا تتجزأ، حتى ولو كان ضحية التعسف والغدر والقمع من لا يتفق معهم بعضنا سياسيا.
إنني كعراقي ديمقراطي، أثمن عاليا جهود اللجنة التحضيرية لمؤتمر أصدقاء برطلة، وهم من المثقفين الديمقراطيين البارزين، وأحيي الدعم الذي قدمته للمؤتمر حكومة الإقليم وحزب الاتحاد الوطني وبقية الأحزاب الديمقراطية الكردستانية. وآمل أن تنجح الجهود الخيرة لتنفيذ توصيات المؤتمر بما يحمي من تبقى من مسيحيينا الأعزاء على أرضهم وأرض أجدادهم، وبما يعزز النسيج الوطني العراقي، وبالضد من جميع أعداء الوحدة الوطنية وأعداء الحرية الدينية وحقوق الإنسان. وتحية حارة لمواطنينا المسيحيين في برطلة وسهل نينوى ولجميع مسيحيي العراق.