لوعدنا قليلا إلي الوراء في تاريخ الدولة العثمانية وسلاطينها الذين حكموا الإمبراطورية خلال الفترات المتعاقبة من حكمهم على البلدان والشعوب المختلفة في المنطقة، كثيرا ما وجدت في أفكارهم الخبرة والمهارة والتكتيك الذي أکتسبوها من خلال سياستهم آنذاك وعلى اثر هذا يتم كيفية التعامل مع الواقع السياسي تجاه شعوب اليوم، هذا ومن يتابع سياسة حكومة أردوغان وحزبە كيف انهم يتوجهون نحو الأفكار والمخططات الإستراتيجية المدروسة في عملهم، والتجنب إلى الاعتراف بحقوق الشعب الكوردي عكس وجهة نظر الكثيرين کما يظهر للعيان سوء تعاملهم وعدم اعترافهم بالهوية الكوردية داخل الدولة التركية، كذلك هو الحال مع الاتفاقية الأخيرة بأنها لن تنجح أن كانت خارجة عن المنافع الترکية أو تعارض أيديولوجيتها ومفهومها القومي، لأنه سياسة الدولة الترکية معروفة في الاتفاقيات التي تخص البلد لذا يجب أن تكون مصالحها القومية فوق جميع الاعتبارات بعکس الآخرين.
أذا أمعنا النظر في سياستها من خلال السنوات الأخيرة وكيفية التعامل مع الجانب الكوردي وتغيير المسار بين ليلة وضحاها وكيف تحولت إلى سياسة أمر الواقع عبر التكتيكات الجديدة وإنها تختلف عن سياساتها السابقة من حيث لغة الحوار والتعامل، وعلی الرغم بأن الكورد وعلی مر العصور الماضية قد تعرضوا إلي الكثير من الويلات والحروب والدمار والخراب وتهمش حقوقهم القومية علی أيدي السلاطين العثمانية وهذه حقيقة يجب أن لا ينکر، وکل هذه الويلات والمآسي وإنكار الهوية القومية للكورد عبر التاريخ وان يأتي اللحظة التي تتغير على وجه السرعة يا تری ما هو السر؟
لأنه في حقيقة الأمر اسم أو كلمة الكورد كانت ممنوعة دستوريا جملة و تفصيلا كما كانت يجب أن لا تذكر في أية مناسبة بل أنها لم تكن موجودة في القاموس التركي إلي يومنا هذا، بل وحسب أقوال الأتراك أنفسهم دفن الشعب الکردي وكردستانيتهم في قبر کمال أتاتورك أثناء وفاتە من حيث لا رجعة له أي انه يعني الخبر واضح لدی الجميع، ومنذ ذلك التاريخ ممنوع لفظ كلمة quot; الکرد quot; حسب دستور وقوانين الدولة التركية، والمجتمع الكوردي في نظرهم ليس بمستوی المواطن من الدرجة الخامسة والسادسة بل كانوا على مقولة الأتراك بأنهم بأتراك الجبل لا أكثر، ودونت هذه الطريقة الشوفينية في مخيلة الأتراك وفي عقلية أجيالهم لحد هذا اليوم. وعلی هذه الأساس عندما لفظ بكلمة کوردستان السيد أردوغان أثناء لقائه بالسيد مسعود البارزاني رئيس إقليم کوردستان أمام شاشات الفضائيات في مدينة دياربكر في قلب عاصـمة کوردستان الشمالي أصبحت ضجة كبيرة ومكان الشجب والغضب من قبل غالبة الشعب الترکي، هذا وإضافة إلى ذلك هو حديث السيد رئيس الوزراء عن الأيديولوجية الجديدة والإصلاحات الضرورية في البلد والحديث عن الأخوة الترکية الكوردية لبناء الدولة الترکية الجديدة وضرورة التعايش الأخوي وفتح صفحة جديدة أمام التاريخ والعالم مع الشعب الكوردي في المستقبل، لکن هنا السؤال التي يطرح نفسە؟ يا تری هل سوف تطبق هذه الإيديولوجية ما هو السبب وعلی أية أساس قبل تحقيق جميع بنود الاتفاقية المزمعة بين الطرفين يتم الإعلان في وسائل الإعلام ولا يزال أنها في بداية الطريق؟ خاصة لحد يوم أمس لم تكن هناك شيء اسمه الكورد في ترکيا حسب مفهومهم وما هذا التغيير المفاجئ؟
هنا تفرض مجموعة من الأسئلة المحيرة نفسها على الفرد الكوردي داخل کوردستان وخارجها هل هذه التنازلات من قبل السيد أردوغان أو بالأصح الإصلاحات تجاه القومية الكوردية هو حقيقة وهل انه جاد فعلا لنشر فكرة المساواة والأخوة بين الشعبين في الدولة الواحدة، أم السبب هو ازدياد الضغط المفروض من قبل إقليم کوردستان وتحركها السياسي والدبلوماسي مع دول العالم خاصة من الناحية الاقتصادية واكتشاف الكم الهائل من النفط الكوردي تأثر بشکل أوسع وجعلت تركيا إلى التفکير بمستقبل أجيالها لأنه حسب تقرير منظمة quot; أوبك quot; العالمي سوف تكون إقليم کوردستان من بين الدول العشرة الأوائل للتصدير النفط مستقبلا نستطيع القول أن هذا التكتيك تتعلق بالسياسة الترکية الجديدة تجاه الأقليات لکسر شوکتهم ولکن بطريقة مختلفة عن قبلها في الماضي وبالأخص مع الثورة الكوردية الحالية والکفاح المسلح من قبل حزب العمال الكوردستاني منذ أواخر القرن الماضي والتي أصبح محل استياء العالم وخاصة الدول الأوربية.
باعتقادي الشخصي يجب علی الشعب الكوردي ان يكون حذرا في قضية كهذه لأنها تحتاج إلي المزيد من الدقة والدراسة والتركيز، هنا نسأل هل السيد أردوغان يستخدم هذه الورقة مرة أخری من اجل خدع الكورد أسوة لسياساته السابقة لأنه يفكر الأتراك أن حزب العمال الكوردستاني بشكل خاص والشعب الكوردي بصورة عامة تنتظر بفارغ الصبر تغيير الخارطة السياسية في ترکيا المستقبل والشرق الأوسط بأكمله وهذا حسب رؤية الصحيفة البريطانية quot; گارديان quot; بأن هناك تغيير واسع وشامل في المستقبل لديموغرافية الشرق الأوسط وسوف تكون علی حساب الكورد و شعبە لأنه أکثرية دول المنطقة منشغلين بالحروب والأزمات الداخلية وقد يستفاد بالتالي الشعب الكوردي وقوميته الحصول علی حقوقه التاريخي المشروع من هذه الأزمات، وذكر أيضا بأن حكومة الأسد في سوريا تحاول بکل ما في حوزته من الأجراء للحوار مع الكورد هناك لمنع القتال والحرب بينهم ويحاول في نفس الوقت تشجيع الكورد في ترکيا للحصول علی حقوقهم القومي وتحقيق حلمهم التاريخي هناك.
أما من الجانب الترکي تجهز حكومة أردوغان بالمقابل مجموعة حزب أنصار الإسلام وقوات quot; داعش quot; بالسلاح لکسر شوکة الكورد في سوريا ولمنع قيام حكم ذاتي داخلي لهم، وهناك أراء أخرى تقول کل ما جرت أخيرا من أجل دعاية انتخابية وحزبية لکسب أصوات الناخبين الكورد كي يفوز في الدورة الانتخابية القادمة وكما تقول المثل الشعبي هذه المرة أتى أردوغان متنكرا بصوف الخروف، يدعی بأنە خروف لکن في الحقيقة انه ذئب من الداخل، وهناك رأي أخر ضعيف إلي حد ما يقول بان أردوغان يأخذ الموضوع بالجدية مع الشعب الكوردي بالفعل، والسبب تعود إلى أن العالم بأكمله قد تغيرت تجاه حقوق الأقليات والشعب الكوردي أيضا جزء منە.
وتحتاج هذه العملية إلي المزيد من التحليل والتفسير من قبل السياسيين والمحللين الكورد وعليهم عدم التسرع في مثل هذه المواضيع كي لا يقعوا في فخ التاريخي في المستقبل لأنهم في مسٶولية تاريخية أمام شعبهم، لهذا يجب عليهم الحذر بجدية تامة في الموضوع أکثر من الجانب العاطفي والتأمل إلى التوقعات ومثل ما يقول الفنان الكوردي شفان برور إنني أری الجدية في الموضوع هذه المرة من السيد أردوغان وبرأي الشخصي هذا خطاء واضح وتسرع في الأمور لأن حسب تصريحات المسٶولين والأعلام الترکي إن حكومتهم لا تنظر إلى القضية بجدية وأنها غير مهتمة وذكرت بعض الجهات متحججة بأن هذه الاتفاقية بين شخص السيد أردوغان ورئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني والحكومة الترکية غير معنية بذلك، كما ذكر أيضا أن حزب العمال الكوردستاني قد ينسحب ١٥ بالمائة من إجمالي عناصرە من الجبال وهذا أمر مخالف للاتفاقية بين الطرفين وغير مقبول، صرح السيد أردوغان أخيرا أن هناك أطرافا سياسية لا ترغب بإنجاح مشروع هذه العملية.
أخيرا وليس أخرا أتمنی أن يكون هذه المرة لم تكن تكتيكا او خداعة کالمرات السابقة ولم تكن دعاية حزبية أو انتخابية من أجل مصلحة ذاتية بعيدا عن الفكر القومي الراديكالي الضيق والتفكر بمصلحة الشعبين لمنع الاقتتال بين الطرفين، وان يأخذ زيارة الرئيس مسعود البارزاني رئيس إقليم کوردستان إلي دياربكر بمحمل الجد وان يتفوق جميع التوقعات والاحتمالات ويسجل في التاريخ على طبق من ذهب وان يثمر ويقوي هذه الزيارة العلاقات بين القوميتين الكوردية والتركية وان يتحقق الحلم الكوردي التاريخي في المستقبل القريب.
برلين