بعد اكثر من شهرين من اعلان نتائج الانتخابات النيابية لاقليم كردستان التي جرت في الحادي والعشرين من ايلول (سبتمبر) الماضي والاتحاد الوطني الوطني الكردستاني يحاول جاهدا التخلص من صدمة هبوط مستوى شعبيته الى المرتبة الثالثة بعدما كان مع حليفه الحزب الديمقراطي يتحكمان في السلطة منذ عام 1992 تخلله اكثر من اربعة اعوام من الحرب الاهلية.
تلك النتائج كانت بمثابة مفاجأة للاتحاد حيث كان يتوقع فوزا كبيرا وقد اتخذ عبارة quot;سنفوزquot; شعارا لحملته الانتخابية، فحين كان يتمتع بـ(29) مقعدا برلمانيا من اصل (59) مقعد حصل عليه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال الدورة السابقة لبرلمان كردستان تراجع الان الى المرتبة الثالثة بـ(18) مقعدا بعد حركة التغيير التي جاءت ثانيا بـ(24) مقعدا فيما جاء الحزب الديمقراطي اولا بـحصوله على (38) مقعدا.
رغم ذلك لم يقف الاتحاد الوطني موقف المتفرج بل قرر اجراء مراجعة شاملة لمعرفة وايجاد الاسباب التي ادت به الى هذه الحال وكان اعترافه بالخسارة على مرارته وقبوله قرار الناخبين حتى قبل اعلان نتائج الانتخابات رسميا دليلا واضحا على ذلك. ويتفق معظم كوادر الحزب العليا على ان الاسباب وراء هذا التراجع لا تكمن في غياب جلال طالباني الامين العام للحزب والرجل القوي على الساحتين الكرستانية والعراقية بسبب وضعه الصحي ولا في القرارات التي ادت الى تشويه صورة الحزب امام الناخبين وظهوره كتابع لاحول له ولاقوة امام حليفه الحزب الديمقراطي فحسب، كقرار تمديد ولاية مسعود البارزاني رئيس الاقليم لعامين الذي تراه المعارضة مخالفا للقانون وعدم حسم موضوع اعادة مسودة الدستور الى البرلمان لتعديله بعدما كان الحزب الديمقراطي يصر على طرحه الاستفتاء العام. بل يرون ان هناك اسبابا جذرية اخرى منها ان السياسة العامة للحزب اصبحت غير مجدية ولاتتماشى مع متطلبات العصر وتحتاج الى تغيير شامل يبني على اساسه اسلوبا جديدا في التعامل مع الواقع ويتخذ منحى حديثا في بناء علاقاته السياسية داخليا وعراقيا واقليما. فضلا عن ذلك هناك اجماع على انه بات من الضروري اتخاذ تدابير واجراءات جدية لمحاربة الفساد المستشري الذي يهدد اركان الحكم الناشيء.
والاجدى من ذلك ان هناك اصرارا منقطع النظير لتخطي الكبوة التي مني بها الحزب والتفكير في معالجة سريعة لاسبابها وذلك ليس بالصعب نظرا لان الاتحاد الوطني مر خلال الاعوام الثمانية والثلاثين من نضاله بحالات مشابه واحيانا اكثر سوءا تكمن في النهاية من التغلب عليها والنهوض من جديد. وانطلاقا من هذه الرؤية تم خلال البلنيوم الذي انعقد في العاشر من تشرين الاول (اكتوبر) الماضي اقرار تمديد شرعية القيادة الحالية للحزب حتى انعقاد المؤتمر الرابع للحزب في الحادي والثلاثين من كانون الثاني (يناير) القادم املا في تدارك الوضع والنهوض بالحزب من جديد عن طريق الخروج بقرارات وتوصيات تنقذه من الارباك الذي تعرض له بعد انتخابات برلمان كردستان واتخاذ الخطوات اللازمة استعدادا لخوض عمليتي انتخابات مجلس النواب العراقي وانتخابات مجالس المحافظات في اقليم كردستان في الثلاثين من نيسان (ابريل) القادم وان كان هناك مصاعب جمة تعترض طريق انعقاد المؤتمر اكثرها فنية.
هذا الاصرار يقابله تشاؤم حول قرب انفراج الازمة التي المت بالحزب وهو نابع من عدم تلمس نية تبشر بان القيادة في الاتحاد (المكتب السياسي والمجلس القيادي) ستتحمل مسؤولياتها وستتخذ اجراءات ضد المقصرين وتستبعد من كانوا سببا وراء تراجع الحزب. فماقام به الحزب من نقل عدد من مسؤوليه وتبادل مناصبهم في نظر اصحاب هذه الرؤية لا يمثل الا محاولة خجولة لتخفيف الضغوطات الكبيرة التي يعاني منها الاتحاد ولن تسعف الحزب.
بخلاف ذلك فالمنطق يقول ان قوة الاتحاد ومكانته السياسية وتأثيره على الساحتين العراقية والكردستانية وحتى اقليميا لا تقاس بعدد اصواته في الانتخابات او مقاعده في البرلمان، حيث يملك تاريخا مشرفا ومشرقا في الحركة التحررية الكردية في العراق واساسا اقتصاديا قويا ومقومات لايتمتع بها كثير من الاحزاب الكردية من المستحيل تهميشه او الاستهانة به في عملية تشكيل الحكومة المقبلة في الاقليم وهو مايؤكد عليه مسؤولو الحزب الديمقراطي في تصريحاتهم. الا ان ذلك لا ينفي ان نتائج الانتخابات قد غيرت المعادلة السياسية وخلطت الاوراق وصعبت كثيرا من مهمة تشكيل الحكومة القادمة التي تكاد الاحزاب الفائزة تجمع ظاهرا على ان تكون حكومة موسعة.
* صحفي كردي