بعد انتهاء زيارته الاخيرة الى المنطقة صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن الفلسطينيين والاسرائيليين اقرب الى السلام من أي وقت مضى، ولكن لم ترشح أي معلومات من اجواء المفاوضات بأن هناك أي تقدم ما حصل ومن الممكن البناء عليه، ولكن التقدم يبدو من وجهة النظر الاسرائيلية والامريكية هو الرهان على قبول الطرف الفلسطيني التنازل للطرف الاسرائيلي الذي يصر على مواقفه المتعنتة في مجمل القضايا.
هنا يجري الحديث عن الأمن الذي توليه إسرائيل أهمية كبرى، ولا تعير القضايا الاخرى كالقدس واللاجئين أي إهتمام، لأن اسرائيل تريد تأمين حدودها بعد أي اتفاق مع الطرف الفلسطيني، وتريد دولة الاحتلال ان يعمل الفلسطينيون على حماية هذه الحدود كما تفعل باقي الدول العربية التي تقوم بهذه المهمة تحت مسميات مختلفة، ومنها الحفاظ على معاهدات السلام أو الخوف من اجراءات عقابية من قبل دولة الاحتلال أو الولايات المتحدة في حال سمحت هذه الدول بأي مقاومة وهجوم على دولة الاحتلال من داخل حدودها.

المتتبع للمفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية والتصريحات والمواقف التي تصدر عن المسؤولين الاسرائيليين منذ عشرين عاما اي منذ بدء هذه المفاوضات يلاحظ ان دولة الاحتلال تسعى الى اقامة دولة فلسطينية مسخ مرتهنة وتابعة لها في كافة المجالات، ومن الممكن فرض منع دخول اشخاص غير مرغوب بهم الى الدولة الفلسطينية من وجهة النظر الاسرائيلية حفاظا على أمنها، ناهيك عن الاقتصاد الذي سيفُرَض عليه التعامل مع الاقتصاد الاسرائيلي وترويج البضائع الاسرائيلية.

أما الامن الذي يشكل القضية الاهم لدولة الاحتلال التي بالتأكيد ستفرض كل ما من شأنه حماية أمن مواطنيها وحدودها، حتى ولو تطلب الأمر الدخول الى اراضي الدولة الفلسطينية في حال تعرض المصالح الاسرائيلية لأية خطر، لأن اسرائيل تطالب بدولة منزوعة السلاح ليكون بمقدورها التدخل وقتما تشاء والدخول إليها دون مقاومة، وترفض اسرائيل انتشار أي قوة دولية في غور الاردن بهدف ابقاء سيطرتها الأمنية عليه.

ويبدو ان اسرائيل مصرة ايضا على انها لن توقع اي اتفاقية مع الجانب الفلسطيني ما لم تحصل على موافقة من الطرف الفلسطيني بالتنسيق الامني، والتنسيق أيضا في مسائل اقامة العلاقات مع الدول الاخرى، وليس هناك أدنى شك بأن دولة الاحتلال ستكون مسيطرة على الجو بواسطة الطائرات وعلى البحر بواسطة سفنها التي تجوب الشواطئ كما يحصل الان على شواطئ غزة، وسيبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى البر ستبقى اسرائيل مسيطرة بواسطة العملاء واجهزة التنصت، بمعنى اخر لن تكون هناك اي سيادة وطنية فلسطينية على الارض التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية.

ان التفاؤل الذي يتكلم عن وزير الخارجية الامريكي ليس له أي أساس وخاصة ان الطرف الفلسطيني لا يشاركه هذا التفاؤل، ويبدو ان فترة التسعة أشهر التي حددت للوصول الى اتفاق سلام لن تكون كافية وبالتأكيد سيُطلَب من الطرفين تمديد هذه المدة من اجل اتاحة المجال لحل كل القضايا العالقة وهي كثيرة، وكل قضية من الممكن ان تفجر المفاوضات وتفشلها.

ولكن الضغوط الامريكية والاسرائيلية وحتى الاوروبية مستمرة على الطرف الفلسطيني الذي لا يملك أي أوراق قوية بسبب تخليه عن أي مقاومة تذكر لهذا الاحتلال الذي لا يفهم لغة التوسل والتنازل دون مقابل، ولكن يُطلب من الطرف الفلسطيني التنازل عما تبقى من الاراضي الفلسطينية، وكل مرة يزور كيري المنطقة يؤكد على أمن إسرائيل، وينسى أن الدولة الفلسطينية الوليدة الضعيفة والمنزوعة السلاح هي التي تحتاج الى الأمن، وليس دولة الاحتلال المدججة باحدث الاسلحة، وعلاوة على ذلك ما تملكه من السلاح النووي الذي يبدو ان العرب يريدون التعايش معه ولا يشعرون بخطره على المنطقة.

ان الامن والسلام الذين يتحدث عنهما كيري لن يتحققا دون نيل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة وعودة لاجئيه الى بيوتهم، ولن يقوم الامن الاسرائيلي على على حساب الشعب الفلسطيني لصالح دولة الاحتلال التي تبقى في مقدمة اهتمامات الولايات المتحدة، إن ما تسعى إليه إسرائيل هو انشاء دولة فلسطينية هزيلة تابعة ومرتهنة لها، ولكن هذا النوع من الحلول لا يلبي طموحات كل الفلسطينيين، ولذلك سيجابه ويقاوم، لانه يحقق المصالح الاسرائيلية فقط، وليس المصالح الفلسطينية.

تسعى دولة الاحتلال الى اقامة دولة فلسطينية بإدارة إسرائيلية منزوعة السلاح ودون سيادة على برها وجوها وبحرها، والتنسيق الامني سيكون من الامور الاساسية لنجاح اي اتفاق مستقبلي بين الطرفين، وسيكون ممنوعا على الطرف الفلسطيني الانضمام للمنظمات الدولية خوفا من مقاضات المحتلين على جرائمهم، وإلا ستنقطع المساعدات عن هذه الدولة الفلسطينية الضعيفة التي ستعيش على المساعدات الخارجية واهمها الامريكية والاوروبية.