بعيدا عن كل أشكال وصيغ السجال و النقاش و كيل الإتهامات ، فإن ثمة حقيقة ستراتيجية واحدة لا تتحمل التأويل تقول بأن الوحدة أو الإتحاد الخليجي هو النهاية الطبيعية لمسيرة دول مجلس التعاون الخليجي الذي إنبثق في مايو 1981 في مبادرة ستراتيجية من دولة الكويت تحديدا و التي كانت دبلوماسيتها خلال العقود الماضية و بقيادة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد هي المجس و النابض الحقيقي و الديناميكي لملفات المنطقة و شجونها و شؤونها ! ، و إذا كان البعض في دول الخليج العربي مازال يشعر بعوامل و أسباب يتصور أنها تعيق طريق الإتحاد الخليجي الشامل فهو بعيد عن الواقع في تصوراته.
لقد كانت ولادة مجلس التعاون الخليجي قبل 32 عاما من الزمان قد مرت بمخاض عسير و تعقيدات إقليمية ودولية في زمن كانت فيه التناقضات و التجاذبات السياسية وحالة الصراع و الحرب الكونية الباردة التي كانت قائمة على وشك الوصول لنهايات حادة و صعبة مع وصول الرئاسة الأمريكية للرئيس السابق رونالد ريغان الجمهوري و إدارته التي طرحت سيناريو و مخطط ( حرب النجوم ) و الشروع في الإجهاز النهائي على الكتلة الشرقية الشيوعية ( السوفياتية ) وإخراجها من مسرح التاريخ وهو ماحصل في نهاية عقد هذه الإدارة بعد سقوط جدار برلين وسقوط أحد أهم رموز العهد الشيوعي وهو الرئيس الروماني نيقولاي تشاوسيسكو في أعياد ميلاد عام 1989 وإستمرار الإدارة الجمهورية بعد ريغان بعد إنتخاب نائبه جورج بوش الأب للرئاسة مدشنا عصر التغييرات الكبرى و مطلقا ما يسمى بالنظام الدولي لجديد بعد هزيمة الإحتلال العسكري العراقي لدولة الكويت في فبراير 1991 ومن ثم إختفاء الكتلة الشيوعية وخروجها تماما و نهائيا من حلبة الصراع! ، لقد خاضت دول الخليج العربي مراحل صعبة من الوجود و التحرك السياسي المعقد خلال مرحلة الحرب العراقية/ الإيرانية الطويلة ( 1980/1988 ) و التي كانت أصداء مدافعها وصواريخها تسمع في الكويت.
كما كانت بقاياها و مخلفاتها تطال دول المنطقة بشكل عام سواءا من خلال حروب ضرب الإمدادات النفطية أو العمليات الإرهابية التي كان النظام الإيراني يقف خلفها كما حدث في الكويت أعوام 1983 و 1985 ( محاولة إغتيال الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد في يوم ذكرى تأسيس مجلس التعاون 25/5/1985 ) و عملية خطف الطائرة الكويتية ( كاظمة ) و 1987 ( المواجهة في الشارع الكويتي مع خلايا حزب الله ) و1988 ( خطف الطائرة الكويتية الجابرية ).. وصولا لغزو العراق للكويت عام 1990 الذي أنهى حقبة حاسمة من تاريخ التوتر السياسي في الخليج العربي و كان حدا فاصلا بين مرحلتين ، لولا الموقف الخليجي الموحد و المتحد من قضية غزو وضم و إلحاق دولة الكويت بالعراق عسكريا ما كان ممكنا تحرير الكويت و ماكان بالإمكان كسر كل مرتكزات المخخطات الإقليمية المشبوهة التي كانت ترسم سيناريوهات للغزو و الضم و الإلحاق و تفرض تصورات شيطانية لمستقبل المنطقة تمكنت حكوماتها من تلافيها و تجاوزها بسبب التعاون و التنسيق الخليجي الذي لم يصل لمستوى الطموح الوحدوي لكنه كان على حافاتها ، والدعوة السعودية الأخيرة بتفعيل ملف الإتحاد الخليجي و الإسراع في إنجاز مقارباته هي بكل تأكيد قراءة صحيحة و منطقية و عقلانية للتاريخ في ضوء ما يجري من أحداث تقسيمية مروعة في الشرق الأوسط ، و مايدور من مخططات مشبوهة ومن إعادة رسم لقوى و خرائط و تكتلات خطرة تتفاعل بسرعة فيما دول التعاون الخليجي لم تزل تسير ببطء السلحفاة نحو إنجاز الهدف الرئيسي لمجلس التعاون وهو الوحدة أو الإتحاد في مواجهة التفاهمات الدولية على مستقبل و امن شعوب المنطقة ، كل من يحاول وضع العصي في دواليب الوحدة الخليجية لا ينظر بجدية لطبيعة المخاطر الأمنية المحيطة بالمنطقة ، المحاطة بسلسلة من ألأخطار و التكتلات تبدأ من محور ( دول حلف نوروز ) الطائفي و التي تهدف في نهاية المطاف لإبتلاع دول الخليج العربي بشكل متدرج من خلال الدعاية الطائفية و لا تنتهي عند محاولات بقايا الأنظمة الفاشية تقسيم دولها على أسس طائفية طلبا للبقاء كما يفعل النظام السوري المجرم...!
لابديل عن خيار الوحدة أو الإتحاد و تطوير التعاون الخليجي إذا أريد لدول المنطقة أن تظل على الساحة الدولية ، مملكة البحرين في فوهة البركان و كذلك الحال مع دولة الكويت التي تواجه اليوم بحروب فشل داخلية مصحوبة بمحاولات لإحياء الفتن و الصراعات و تفس المخاطر تنطبق على المملكة العربية السعودية ودورها الإقليمي الكبير ، كما أن دولة قطر تجابه بمحاولات عدائية و مواقف تشويهية واضحة المعالم و الأهداف ، أما دولة الإمارات فهي مستهدفة بشكل لاتخطيء العين الخبيرة قراءة دلالاته ، دول الخليج العربي تقف اليوم أمام الإختبار و الخيار المصيري الحاسم ، فإما وحدة خليجية حقيقية تقلب المائدة على كل سيناريوهات التقسيم و التفتيت و التشظي.. و إما نقاش بيزنطي حول جنس الملائكة ستكون نهايته الخسران المبين.... ولا خيار ثالث بين الأمرين!!... إنه الإختيار التاريخي الصعب و الحساس...