أثار الأستاذ أحمد أبو مطر في مقاله الأخير تساؤلات مشروعة عن الدورين لإيراني والسوري في الهجمات والجرائم التي تنسب عادة للقاعدة وحدها، والجارية والمتصاعدة في العراق وسورية تحت أسماء ولافتات عدة.

تساؤلات مشروعة، ومقاربة تستند لما نعرفه عن العلاقات الوثيقة بين قاعدة بن لادن والظواهري وبين النظامين الإيراني والسوري. وقد أصبح معروفا للعالم ما ألحقته هذه العلاقات الإجرامية والمصلحية من تخريب، ومن مسيل دم ومصادمات طائفية عندنا في العراق. وجاءنا الجنرال كيسي بحقيقة مرعبة عن أن إيران كانت وراء تفجيرات مراقد الإمامين الشيعيين في سامراء، والتي أعلنت القاعدة في حينه المسؤولية عن تنفيذها، وكان غرض الشريكين إثارة حرب طائفية، وهو ما وقع. فإيران تخطط وتقدم التسهيلات الفنية والمالية والمعلوماتية وحتى البشرية، والقاعدة تساهم في التنفيذ وتتباهى بغزواتها الدموية.
تصوروا كيف أن نظاما يتاجر باسم أئمة الشيعة، ولاسيما الإمام الغائب، هو الذي يرى في تفجير المراقد ما يناسب حساباته التخريبية والطائفية في عراق ما بعد صدام. وكم تساءلنا، ومرة بعد مرة، وبعد تواتر عمليات التفخيخ الجماعية في بغداد وخارج بغداد، والتي تنسب للقاعدة وحدها، عما إذا كانت القاعدة هي من يحكم العراق، ويدير قواته الأمنية والمسلحة التي تتجاوز المليون وما فوق، وعما إذا كانت لها إمكانات تخطي كل مراكز التفتيش وهي بالآلاف، ولاسيما كيفية وصولها لأهداف حساسة جدا ومحمية للغاية-[ كما حدث في دمشق أيضا]. كيف يمكن للقاعدة[ المفترض أن الحكومات تحاربها] وحدها تنفيذ هذه العمليات الجماعية، ويوما بعد يوم، ومن أين لها هذه القدرات والإمكانات المالية والفنية والمخابراتية والاختراقية مع أن حكومة المالكي كانت تعلن من وقت لآخر عن إلحاق خسائر كبرى بالقاعدة.
وقد أحسن الأستاذ أبو مطر بالاستشهاد بتصريحات السيد وزير الخارجية العراقي عن مقابلته لبشار الأسد ومفاتحته بوجود عناصر القاعدة المسؤولة عن عمليات العراق في داخل سورية، ومع الأسماء والعناوين. ومما يستحسن تكرار ذكره أيضا تواجد قيادات وكوادر من القاعدة في إيران لسنوات طويلة بعد سقوط دولة طالبان، ومنهم سيف العدل، المسؤول العسكري للقاعدة، والمتهم بهندسة جرائم 11 سبتمبر. ومن يجهل أيضا كيف أن الإرهابيين، ومن مختلف الجنسيات العربية وغيرها، كانوا يتوافدون على سورية، ومنها يعبرون للعراق بتسهيلات من السلطات السورية. وهل ننسى أن المالكي نفسه اتهم النظام السوري قبل أعوام وهدد بالشكوى للمحافل الدولية؟؟
هذه جملة من بين الحقائق الدامغة التي تجعل من المبرر والمشروع أن نتحدث عن دور الأجهزة الإيرانية والسورية في خلق ودعم هذه الكتائب الإرهابية الإسلامية المجرمة في سورية، والتي تتخذ لها أسماء مختلفة، كداهش وجبهة النصرة، والتي تفضحها أعمالها الشنيعة وجرائمها المركزة على محاربة الجيش الحر وقتل كوادر وقيادات منه، والانتقام من كل من ساهم في تحرير المدن، كالرقة، من مخالب النظام، مع عدم تحرش قوات النظام بهذه العصابات.
أجل، إن النظامين السوري والإيراني لا يتعففان عن اقتراف كل ما يخدم هدفهما السياسي والإعلامي في تشويه حركة الشعب السوري وأهدافها، وتقديمها للعالم كهجمة إرهاب وقوة ظلام طالبانية تدمر المراقد وتعتدي على حريات الناس والأقليات الدينية. الهدف هو إثارة مخاوف العالم باعتبار أن ما يجري في سورية هو إرهاب من فعل المنتفضين على طاغية الشام، وأنه هو وحده من يضمن الاستقرار لسوريا والمنطقة، ولا بديل عنه.
إن تقرير رويترز عما جرى ويجري في الرقة مذهل في إلقاء الضوء على ما يحدث هناك على أيدي هؤلاء الأوباش، الذين يخفون وجوههم بأقنعة ويلجأون للصمت لكيلا تتكشف هوياتهم الحقيقية. ومرجح كون الكثيرين منهم من الشبيحة ومن فيلق القدس، وآخرين مرتزقة قدموا من الخارج وممن يتعاطفون مع القاعدة. ونضيف أن حزب الله هو الآخر تنظيم إرهابي، ومثله هذه المليشيات الشيعية القادمة من العراق لسورية. إنها وحزب الله لا تفرق عن القاعدة، أو هي وجهها الآخر، الشيعي! إن صرخات أن القاعدة هي وحدها من يهدد المنطقة، ورفع رايات الكفاح ضد الإرهاب، كما يفعل الأسد وخامنئي والمالكي، تكتيك مراوغ وخداع لتحييد الرأي العام العالمي عن دعم نضال الشعب السوري، وغيره من شعوب المنطقة، من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة والأمن، ولإعطاء رصيد سياسي لهؤلاء الحكام. إنه تكتيك خبيث لكي ينسى العالم مقتل وجرح مئات الآلاف في سوريا وتهجير الملايين واستخدام السلاح المحرم وسلاح التجويع، ولكي ينخدع بابتسامات روحاني وظريف، التي تخفي سعي نظام الفقيه نحو القنبلة، ولكي تنسيه ادعاءات المالكي ما يجري عنده من تضييق على الحريات وتطهير ديني ومذهبي وإعدام اللاجئين السياسيين وخطف النساء اللاجئات.
ولاشك في أن قادمات الأيام سوف تكشف لنا أكثر دقة وتفصيلا عن حقيقة هذه الكتائب الظلامية في سورية، وهويات أفرادها وقادتها والأطراف التي تختفي وراءها.