تمر الأيام بعد سقوط الquot;لا نظامquot; القذافي في ليبيا ولا يأتي يوم إلا ويحمل في جعبته مشكلة جديدة سواء كانت محلية في منطقة محددة أو ليبية عامة. وكرة ثلج التحديات تكبر أمام مشروع قيام الدولة حتى بات لا يكاد يأتي حل مؤقت في ملف ما إلا وتتفرخ من جنباته مشاكل إضافية ترسخ الوضع غير السوي القائم في البلاد.

تعيش ليبيا أزمة مشاريع سياسية بصبغة قبلية وعرقية وجهوية، والحلقة الأضعف فيها هي الدولة والمواطن الطامح إلى وجود حقيقي لها.
ورغم أن عدد الخضات التي تعيشها البلاد منذ سقوط القذافي قبل أكثر من عامين أكبر من أن يعد إلا أنها (الخضات) أكبر من أن تنسى، حتى بات اسم ليبيا مرتبطا بمفهوم الأزمة المستمرة. وغياب الحكومة كلاعب داخلي كبير من المفترض أن يبقى ممسكا بالخيوط الأساسية كالاقتصاد والأمن والتشريع يشكل العنوان الأبرز للوضع القائم في البلاد.

عادة في حالة تكون فيها الدولة على هذا القدر من الضعف تتجه الأنظار إلى اللاعب الأكبر من دونها أو مجموعة اللاعبين الكبار ليعيدوا تركيب النظام بصبغة جديدة تضمن عدم تكرار أسباب الانهيار والدوافع من ورائها، غير أن الحالة الليبية ولأسباب تتعلق بالثقافة السائدة وبالمجهود الذي أمضى فيه معمر القذافي كل سنين حكمه في نتف أجنحة البلاد، هذه الحالة، أعقد من أن تسمح للاعب أن يظهر كبيرا إلا وتحرق أوراقه.. التكتل الوطني ذو التوجه الليبرالي وحزب العدالة والبناء المنبثق عن جماعة quot;الإخوان المسلمونquot; اللذان يشكلان أكبر كتلتين في المؤتمر الوطني العام والحكومة الانتقالية حرقت لهما عدد من المقرات الصيف الفائت في موجة احتجاجات، والحكومة استفاقت يوما لتجد نفسها مخطوفة الرئيس الذي تبين فيما بعد أنه محتجز لدى جهاز أمني رسمي، وكتائب الثوار التي استقبلت استقبال الفاتحين أثناء تحرير طرابلس خرجت منها تحمل على عاتقها سبة الدماء التي سفكت في أحداث غرغور الشهيرة إضافة لسلسة انسحابات من بنغازي ممزوجة بالدماء فيما تشهد مدينة درنة في الشرق حالة غليان شعبي قد تفضي على الأرجح لإخراج تنظيم أنصار الشريعة منها أو اشعال نار الحرب في البلاد.

أما القبائل والتكتلات المناطقية فقد أظهرت الوقائع على الأرض عجزها في كثير من الأحيان عن إقناع بعض من أبنائها بفك الاعتصامات النفطية هذا إذا كانت المرجعيات القبلية تحمل في الأساس مشروعا مشتركا جامعا للبلاد خاصة أن الوقائع أبرزت انجرار المكونات القبلية والجهوية إلى صراعات تجلت في صدامات دموية كتلك التي وقع بين منطقتي الزاوية وورشفانة إضافة للبعد الجهوي لصراع الميلشيات المسلحة في طرابلس.

وكل من ذكرنا عاجزون جميعا عن حل أزمة الاعتصامات النفطية اللهم إلا حلولا جزئية عبر سياسة quot;تبويس اللحىquot; وquot;الأمن بالتراضيquot; ما يرسخ الصورة النمطية للمؤسسات الحكومية الضعيفة، فيما لا تزال الأزمة تفتك باقتصاد البلاد وستسبب في عجز الحكومة عن دفع الرواتب للسنة المقبلة بحسب الحكومة نفسها.

وبغض النظر عن أي نظام حكم مرتقب سواء كان مركزيا أو لا مركزي أو فدراليا أو حتى كونفيدرالي، إن ليبيا تحتاج إلى مشروع يستثمر في الإنسان بعيدا عن عقد الانتماء الجهوي، مشروع يتفانى أصحابه في سبيل لم الشمل على مصلحة الوطن الشاملة وليس على تقاسم كعكته، وإذا كانت فلسفة الحق قد أشعلت بارود الثورة فإن جذوة الدولة أحوج ما تكون إلى فلسفة الواجب.