يكثر الحديث اليومي عن المشروع الايراني في المنطقة. هذا المشروع الذي عرته الثورة السورية، لكونه اضطر أن يشارك في قتل السوريين، وتخسر إيران من اموال الشعب الايراني ومن رصيدها كدولة، حيث اتضح أن هذا المشروع يعتمد على مكونين الأول: أدوات طائفية والثاني نظم فاسدة. الاول يمكن التدليل عليه بحزب الله اللبناني كحزب طائفي والحوثيين وبعض القوى المسلحة الشيعية في العراق. الثاني نظام نوري المالكي في العراق وتحاول مع النظام السوري الذي كان يتمتع باستقلالية نسبية حتى بدء العد التنازلي عن هذه الاستقلالية النسبية، الخطوة الاولى كانت مع الخروج المذل للجيش الاسدي من لبنان2005 بعد اغتيال رفيق الحريري، ومحاولة بعض الاطراف الدولية جر القاتل وهو النظام الاسدي إلى محكمة الجنايات الدولية، ووقفت إيران مع آل الاسد وافتعلت ما افتعلته في لبنان لاحقا من أجل ذلك، مستخدمة حزب الله كالعادة، والذي اثبت أنه ليس فقط تابعا لايران بل هو جزء منها كما كنا نقول ونكتب منذ لحظة تأسيسه. والخطوة الثانية هي انطلاق الثورة السورية، وعلى مدار 1000 يوم من عمر الثورة، كانت إيران السند المالي والعسكري لآل الاسد، وراهنت كغيرها على قدرتهم على قمع الثورة، لكن هذا الرهان فشل حتى وجدوا انفسهم شريكا بالجريمة ووظفوا كل ادواتهم المليشياوية في لبنان والعراق وإيران. خسارة إيران المالية لن يعوضها الاسد.
الملاحظ أن هنالك اتفاقا ضمنيا بين الدول جميعها على توريط إيران اكثر فأكثر في سورية، بما فيها روسيا. الطائفية لدى إيران ليست وسيلة وحسب بل هي جزء عضوي من نظام ولاية الفقيه، وبدونها ينهار النظام، لا اتحدث على المستوى الاقليمي بل على مستوى الداخل الايراني. حيث التمييز الطائفي هو عنوان من العناوين الرئيسية لسلوك نظام الملالي داخل إيران. كل هذا لم يمنع إيران من جعل مدينة قم الايرانية أهم مرجع شيعي عالمي، ونقلت المرجعية الشيعية من كربلاء والنجف الاشرف إلى قم حيث مقر مؤسسة الولي الفقيه. إيران تخوض حربها في سورية تحت شعار الدفاع عن المراقد الشيعية فيها وعن الشيعة، بينما هي في داخل إيران لا يوجد حقوق لأية أقلية. ما حققته إيران خلال العقود الثلاثة المنصرمة، هاهي تخسره بالتدريج، ولأنها شعرت بالخسارة وثقلها تحاول عقد مساومة مع الغرب. سؤال من باب الشيئ بالشيئ يذكر: هل من مصلحة روسيا والصين عقد مثل هذه الصفقة؟ السلوك الايراني عموما يذكرنا بسلوك الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة، والذي خسر المعركة انهيارا وانتصر الغرب في هذه الحرب. ودخلت جحافل استثماراته وحتى قواعده العسكرية إلى منظومة ما كان يعرف بدول المعسكر الاشتراكي. لاتزال روسيا تحاول لملمة ديون السوفييت وفشلت في لملمة الكثير منها وكانت على حساب شعوب دول المعسكر الشرقي. الآن إيران تحاول التعويض الجزئي عبر علاقاتها مع حكومة نوري المالكي. لكن هذه العلاقة محكومة بسقف أمريكي وداخلي عراقي. أمريكا ليست جمعية خيرية لكي تنقذ الاقتصاد الايراني. ضمن هذه اللوحة الناقصة بالطبع، تحولت إيران إلى عنصر داخلي في سورية. لولاها لسقط الاسد. جماهير الاسد تعرف ذلك جيدا. من ضمن هذه الجماهير جمهوره في الطائفة العلوية التي يشكل غالبية ساحقة داخل الطائفة. الطائفة التي بدات تتشيع سياسيا وليس دينيا كما يعتقد بعضهم، ولو أن هنالك مؤشرات تشير على ان بعض افرادها يحاول التشيع. ليس من مصلحة السلطة الاسدية تشيع الطائفة، وهذا ما رفضه حافظ اسد سابقا. لكن الآن الاوضاع اختلفت كليا. قبل زمن البعث والاسد، كان للطائفة كبقية الطوائف فعاليات تتحدث عنها وباسمها، خاصة مع تأسيس سورية واستقلالها وما بعده، تمثلها نسبيا. لكن الاسد استطاع ان يصبح الممثل الوحيد للطائفة. من هذا المنطلق اصبحت اللغة السياسة الايرانية- التشيعية- تتحرك بحرية داخل اماكن سيطرة النظام وداخل الطائفة. الطائفة بغض النظر عن كل ما يقال في هذه المسألة، إلا انها تملكت وعيا طائفيا على المستوى الداخلي السوري، وعيا عماده الاساس أنها صاحبة السلطة. هذا نتاج مشروع الاسد الاب وتبعه الاسد الابن على نفس المنوال. جماهير الطائفة لايمكن أن تقبل لا قبل الثورة ولا خلالها ولا الآن ان تذهب السلطة منها. هذه المسألة لم تعد وعيا مدركا بقدر ما اصبحت بعد عقود اربعة من الممارسة الاسدية، حسا عمليا متراكما بالممارسة ومقترنا بفوائد هذه الممارسة التي عادت على جماهيرها. فهي نهبت البلد ماديا ورمزيا، او كما يقول بعضهم أنها نهبت باسمها. تحول العلوي إلى سلطة.
اقترن العلوي بالشيعي الآن. هنا تكمن النقلة الثانية للوجود الايراني في سورية، ليصل إلى احتلال، يحاول أيضا أن يكون استيطانيا. الطائفة إن كانت مقبلة على تغيرات تذكر فهي تغيرات تشيع سياسي. لهذا كل ما كان يقال عن أن سبب ما حدث في الثورة هو العسكرة- بغض النظر عن امراض العسكرة- وغير ذلك من ترهات، هو كلام عار عن الصحة. لأن الوضع كان يسير بهذا الاتجاه إيرانيا واسديا. لهذا إيران تعتبر معركتها في سورية معركة وجود. وتحتاج لحامل مجتمعي، وهذا الحامل المجتمعي لن يكون سوى الطائفة العلوية باعتبار ان الطائفة الشيعة لا يتجاوز عددها بضعة مئات من الالاف فعليا من اصل 23مليون سوري. لن ينقذ الطائفة من هذا التحول سوى عاملين: إما دعما غربيا رافض لهذا المشروع الايراني أو دعما مجتمعيا سوريا. إيران في المحصلة لا تريد العلويين لوحدهم بل تريدهم حكاما لسورية لأنها تريد سورية كلها، وإن لم تستطع فعلى الاقل طرفا معطلا لسورية، كحزب الله في لبنان هذا جوهر مشروعها. لهذا أي كلام عن أن إيران يمكن أن تكون طرفا في حل سوري عبر جنيف أو غيره هو محض هراء. إلا في حالة واحدة إما ان ترضخ للغرب كليا، أو تتغير طبيعة النظام في إيران. ومن يعد لسلوك نظام الشاه في إيران، يتذكر ان هذا النظام لم يستخدم أبدا الورقة الشيعية في خطابه ونفوذه الاقليمي الذي كان يحاول بناءه.
وكلا الامرين في حال حدوث احدهما يمكننا الحديث عن دور ايراني في جنيف2.
إيران لم يعد وجودها برانيا الآن لكنه أيضا لم ولن يستقر جوانيا إلا عبر استمرار سلطة آل الاسد وبنفس طرائق الحكم والممارسة. لهذا إيران كانت وستبقى جزء من المقتلة السورية التي على السوريين التخلص منها في بلدهم.