ما أدلى به وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية يوسف علوي بن عبد الله من آراء و تصريحات كانت صادمة للبعض بشأن مستقبل المنظومة الخليجية و إحتمال إنسحاب السلطنة من أي صيغة إتحادية قائمة هي رغبة أساسية وهدف مركزي قديم للمنظومة الخليجية لم يكن بالأمر المفاجيء و لا الغريب أو غير المتوقع لكل من يرصد المواقف العمانية الخاصة و الخاصة جدا من العديد من المصائب و الأزمات التي مرت بها المنطقة الخليجية وحتى قبل نشوب الأزمات في الخليج في ثمانينيات القرن الماضي؟.

لقد كان موقف السلطنة من مبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات السلمية تجاه إسرائيل و زيارته للقدس ولقاءاته بقادة الدولة العبرية عام 1977، موقفا مختلفا بشكل جذري عن المواقف و القرارات العربية و الخليجية التي أتخذت في قمة بغداد عام 1978، وهي مواقف و قرارات إتسمت بمقاطعة مصر السادات بالكامل وطرد جمهورية مصر من الجامعة العربية رغم أنها الدولة المقر و المؤسسة لتلكم الجامعة! و نقلها لتونس لأول مرة منذ عام 1945!، وقتها إنفردت سلطنة عمان بموقف المتحفظ على تلكم الإجراءات و أبقت على شعرة معاوية بالكامل مع نظام السادات و لم تأبه أو تهتم مطلقا بكل الحملات السياسية التي كانت قائمة من دول ماكان يعرف بدول الصمود و التصدي!!، وهي سوريا و العراق و ليبيا و اليمن الجنوبي و الجزائر!!، كما كانت علاقة السلطنة بنظام الشاه الإيراني الراحل علاقة ستراتيجية وثيقة بعد تدخل الجيش الإيراني الشاهنشاهي لمساعدة السلطنة في الحرب ضد الثورة التي كانت مشتعلة في ظفار!. وفي ثمانينيات القرن الماضي وبعد إندلاع الحرب العراقية/ الإيرانية عام 1980 كان للسلطنة موقف مختلف عن بقية المواقف العربية و الخليجية تحديدا إذ أبقت على علاقات متوازنة مع طرفي الصراع العراق و إيران و لم تتعد أو تتجاوز هذا الموقف رغم توتر الأوضاع في الخليج بسبب إحتمالات توسع إطار الحرب بعد حرب الناقلات و التهديد بإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران؟، ولعل أعجب موقف لسلطنة عمان كان في موقفها من جريمة غزو نظام صدام حسين في العراق لدولة الكويت و إبتلاع العراق لاحدى أهم الدول المؤسسة لمجلس التعاون!!، وقتذاك لم تقطع عمان علاقتها مع نظام صدام حسين و أتذكر جيدا بأن التعليق الرئيسي و المانشيت الأساسي لصحيفة عمان بعد تحرير الكويت في 26 فبراير 1991 كان الكلمة التالية : ( إنتهت )!!...

وظلت العلاقة الخاصة مع النظام العراقي قائمة لم يعكر صفوها شيء!! رغم كل الذي جرى من فظائع!!، اليوم وبعد سلسلة المتغيرات الإقليمية الخطيرة ووصول التفاهم الإيراني / الأميركي لمراحل متطورة قد تؤدي نتائجها لإنقلاب كبير في موازين القوى الإقليمية و بما يتطلب تعزيز صيغة التعاون الخليجي و الإنتقال لمرحلة الوحدة أو الإتحاد و الذي يعني أساسا الإتفاق الضمني على مواقف موحدة من حالة إدارة الصراع الإقليمي، فجرت السلطنة المفاجئة الجديدة في منتدى المنامة الأمني الأخير و أعلنت عن معارضتها العلنية و الصريحة و الصادمة للرغبة السعودية بالإتحاد و قالت أنها لن تمنع ذلك لأنها في الحقيقة لاتملك أن تمنع إرادات بقية دول الخليج العربي، بل لوحت بخيار الإنسحاب من مجلس التعاون في حال إقرار أي إتفاق إتحادي!!، وهنا تكمن النقطة الجوهرية لأنه في حقيقة الأمر لامجال أمام دول التعاون سوى الإتحاد و بأقصى درجة ممكنة، فالمصالح الستراتيجية للخليجيين و لصيغة الأمن القومي العربي تتطلب تحقيق ذلك الخيار، ودول الخليج لن تخسر أبدا في حال إنسحاب السلطنة بل على العكس! ستتعزز المواقف و تقوى جبهة الممانعة للمخططات الإيرانية و يتقوى جهاز المناعة التحصيني للمنظومة الأمنية للمجلس، و يتطور أداء مجلس التعاون الخليجي بإتجاه تحقيق الهدف الستراتيجي وهو الوحدة الخليجية التي لابديل عنها و لا مناص، فالعالم عالم التكتلات الكبرى وليس الكيانات الإنعزالية المحمية بإتفاقيات جانبية قد لاتدوم طويلا و تشكل عنصر خطر حقيقي على الأمن القومي و الستراتيجي، لتنسحب السلطنة بهدوء ومع ألف سلامة إذا كانت الوحدة الخليجية تضر بها أو لا تتفاعل معها؟ رغم أن العكس هو الصحيح تماما؟ فذلك خيارها وهو رهن سيادتها الوطنية، موقف السلطنة الغريب يضاف لمواقف غريبة سابقة كثيرة ولكنه لا ينفصل أبدا عن تفاصيل خاصة متعلقة بملف إدارة أوراق و ملفات الصراع الإقليمي الساخن!!!، أعتقد إن على الخليجيين مباركة الإنسحاب العماني و الإسراع في تحقيقه و تنفيذه ميدانيا!! لكون ذلك الإنسحاب يخدم مصالح الطرفين... الوحدة هي النتيجة النهائية و المطلوبة لثلاثة عقود و نيف من التعاون... باي باي سلطنة عمان و ( خدا حافظ ) لطريق المستقبل..!

تجربة الإتحاد هي وحدها البلسم و العلاج أما اللعب على الحبال و إستغلال الثغرات فهو أمر لا مكان له في ستراتيجية التكامل و الوحدة الخليجية...!.

[email protected]