لسنوات عديدة استحوذ موضوع الفساد في الأردن حيزا كبيرا في الاعلام الورقي والأليكتروني. وكنت الاحظ العديد من تعليقات القراء وردود الأفعال، والتي تشير الى ان هناك احتقان في الشارع على الفساد والفاسدين. لا يمر يوما دون ان نقرأ عن تقارير اخبارية ومقالات تحليلية تتحدث عن الفساد ومكافحته، فخلال الأعوام الثلاثة الماضية تم ملاحقة بعض الشخصيات البارزة قانونيا بتهمة الفساد. لا أسعى في هذه المقال المتواضع أن أقلل من أهمية وخطورة الفساد. قلت سابقا في سياق آخر ان الفساد كالسرطان ينخر في جسم المجتمع والدولة والعلاج هو استئصال الخلايا السرطانية من الجسم وهذا بدوره يستدعي تواجد ارادة سياسية وبرنامج عمل لمكافحة الفساد في اطار قانوني وتشريعي يجرمه ويحرمه. وأنه يجب مكافحة ثقافة الفساد وأن يبدأ بالمنزل والمدرسة مرورا بالجامعة والحياة العملية. يجب تشجيع المواطن على التقدم بالشكوى للسطات المختصة اذا شعر انه ظلم ولاحظ ما يمكن وصفه تصرف فاسد من قبل أي مسؤول في دائرة حكومية. الفساد ليس ظاهرة اردنية بل عامة ومتنتشرة بدرجات متفاوته في افريقيا والشرق الأوسط وفي اوروبا الشرقية واميركا اللاتينية. أتحدى من يستطيع ان يقول لي ان هناك نظاما عربيا واحدا غير فاسدا بما فيها أنظمة الشعارات الثورية الوراثية.


ميثاق منظومة النزاهة الوطنية:

استجاب الملك الأردني لمطالب الشعب للعمل على القضاء على هذه الظاهرة وطرح برنامجا شاملا للاصلاح في اوراق نقاشية طرحت للتداول والنقاش خلال العامين الماضيين. ومن منطلق الرغبة الحقيقية في الاصلاح والانتقال الى الديمقراطية النزيهة أستلم الملك عبدالله الثاني يوم الاثنين 9 ديسمبر الحالي quot;ميثاق منظومة النزاهة الوطنية وخطته التنفيذيةquot;، خلال رعايته حفل أقيم في قصر الثقافة في عمان مؤكدا quot;أن مسؤولية تنفيذ هذا الجهد الوطني وترجمته على أرض الواقع هي مسؤولية مشتركة بين جميع السلطات، ومؤسسات القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمواطنين لترسيخه نهجا ثابتا وأسلوبا وممارسة في الحياة العامةquot;، وموجها السلطات الثلاث quot;لتبني هذا الميثاق، وتنفيذ خطته ضمن الإطار الزمني المحددquot;. وأضاف quot;إن هذا الإنجاز يجسد قدرة الأردنيين، على مواجهة التحديات، ومعالجتها بروح وطنية عالية وشعور بالمسؤولية، وبالاعتماد على الحقائق والموضوعية. وهذا الأسلوب هو سبب نجاح الأردن والأردنيين، في مواجهة التحديات، وفي التميز والريادة. وهذا مصدر فخري واعتزازي بأهلي الأردنييـنquot;.

وبدوره اكد رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور رئيس اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية ان ميثاق النزاهة الوطنية وخطته التنفيذية للتصدي للفساد بشكل فوري وفي جميع المجالات ووفق منهج عمل وخطة تنفيذية مستمرة تتضمن اجراءات وقرارات وتشريعات.

أي خطة اصلاحية او برنامج عمل لكي ينجح يجب ان يكون هناك متابعة حثيثة لسير العمل والتحقق من الانجازات او تعثرها واسباب التعثر ووضع خطط واجراءات تصحيحية. وفي هذا السياق سيتم الاعلان عن تشكيل لجنة للمتابعة تضم شخصيات مؤهلة للمهمة.


دور الملك في مكافحة الفساد وتجنب مآسي الربيع العربي:

لا نبالغ بالقول ان ديناميكية الملك عبدالله الثاني وادراكه العميق لأهمية الاصلاح ومكافحة الفساد واتخاذ خطوات جريئة وفاعلة في اطار خطة اصلاحية شاملة مدروسة حفزّت على التحرك بالأفعال وليس بالألفاظ للحد من ظاهرة الفساد والقضاء عليها. هذه الثورة البيضاء السلمية جنبّت الأردن مآسي ما يسمى الربيع العربي الذي أتى بالكوارث واراقة الدماء والدمار. لننظر لما يحدث في سوريا والعراق ومصر وليبيا وتونس والسودان قبل ان نحكم على الأردن بطريقة موضوعية عادلة.

متابعتي وقراءتي للأوراق النقاشية وتحليلي لخطابات الملك تؤكد على رغبة جامحة في الاصلاح واستئصال الفساد من جذوره.


دراسة دوليةquot; الأردن ليس الأكثر فسادا:

الأردن ليس أكثر فسادا من نظرائه العرب، حيث كشفت دراسة اجرتها مؤسسة quot;الشفافية الدوليةquot; المستقلة ومركزها برلين لعام 2011 أن الأردن أفضل بكثير من بعض البلدان العربية. وشملت الدراسة أكثر من 182 دولة وتم تصنيفها حسب درجة الفساد او النزاهة. الدول الأقل فسادا تحتل رتب ما بين 1 الى 10 وهي الأكثر نزاهة ونظافة. والدول الأكثرها فسادا تحتل رتب فوق المائة والدول الميؤس منها تحتل آخر 20 مرتبة 162 الى 182.

أخذت الدراسة بعين الاعتبار عناصر معينة يطلق عليها جماعيا بمباديء برلين والتي تشمل جمع المعلومات والرصد والرقابة والمقارنة من اجل تصنيف وتخصيص الرتب استنادا على معدلات حسابية ومؤشرات الثقة وتفاصيل تتعلق بتغلغل الفساد والمحسوبية والرشاوي وسؤ الادارة. وبعد 10 سنوات من أعمال البحث والرقابة والمقارنة والدراسات الميدانية والارشيفية وجمع المعلومات الأكاديمية والتقارير الاقتصادية والمصرفية وكشف التقرير السنوي لعام 2011 أن أكثر 10 دول العالم فسادا وفشلا هي الصومال وكوريا الشمالية ومانيمار (بورما) وأفغانستان وأوزبكستان وتركمنستان والسودان والعراق وهايتي وفنزويلا. اللافت للاهتمام ان القائمة تشمل السودان والعراق حيث احتلت العراق درجة 175 من 182 والسودان 177 من من أصل 182. من المهم ان نلاحظ انها لا تشمل الأردن. احتل الأردن مرتبة 56 من أصل 182. الأردن أقل فسادا من اليمن التي احتلت درجة 164 ومن ليبيا التي احتلت درجة 168 على التوالي. والأردن أقل فسادا من لبنان الذي احتل درجة 134 وسوريا التي احتلت درجة 129. والأردن أقل فسادا من مصر 112 وأقل فسادا من الهند 95 ومراكش 80 وأقل فسادا من تونس التي احتلت درجة 73 من 182 والأردن أقل فسادا من ايطاليا التي احتلت مرتبة 69.

لذا علينا ان لا نبالغ ونضخم حالة الفساد في الأردن. علينا ان نأخذ بعين الاعتبار البيئة المحيطة والاقليمية وننظر الى الصورة الكبرى ونضع حجم الفساد في الأردن في اطاره المناسب ولا نضخمه ونبالغ فيه ونجعل من كوخا متواضعا ناطحة سحاب ونحول بركة فساد عكرة الى محيط ولا نعلق كل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية فقط على مشجب الفساد. لنعالج الفساد وثقافة الفساد ونجد السبل لاستئصال الفساد ولندرس وسائل لمنع استفحاله وانتشاره ولكن التضخيم والتهويل والمبالغة ستنعكس سلبا على الأردن وسمعة الأردن وقد يؤدي الى هروب المستثمرين الى دول مجاورة وحينها كل الأردن سيخسر.

لا بد من الاشارة لما قاله الملك عبد الله الثاني في مقابلة على التلفزيون الأردني مساء الأحد 1 تموز 2012 بمنتهى الوضوح والاختصار، quot;من يثبت عليه الفساد، سيعاقب وفق القانون، ولا أحد فوق القانونquot;.

وقبل يومين قال: quot;علينا مكافحة الفساد بكل أشكاله ومحاربته حتى قبل وقوعهquot;.

واطلاق ميثاق منظومة النزاهة الوطنية وخطته التفيذية مؤخرا هي اعلان حرب لا هوادة فيها ضد الفساد والمفسدين والفاسدين.

لندن