الدول مصالح ومشاريع نفوذ ذات جدوى، الدولة كائن قانوني. قبل أن يحترم الشعب قانونها فإن المطلوب من سلطها جميعا احترام قانونها، واعلاء قيمة هذا الكائن فوق أية قيمة. فهل سلطة الملالي في طهران التي انتجت ديكتاتوريتها الخاصة، وفقا لنموذج ولاية الفقيه هي الدولة الايرانية؟ الواقع أن تركيبية السلطة الايرانية فيها من التعقيد، ما يجعلنا نبتعد عن التعميم في تناولنا لها. حيث أنها تجمع ما بين ديمقراطية محدودة للتيارات الملتزمة بحدود ولاية الفقيه، وما بين ديكتاتورية صلبة تعتمد في جوهرها على شخصنة سلطة الولي الفقيه، معتمدا على نواة عسكرية صلبة أيضا تسمى الحرس الثوري. تحول إيرن إلى دولة ديمقراطية طبيعية مرتبط، بانهاء سلطة الولي الفقيه. الولي الفقيه هو ولي الامة الاسلامية من وجهة نظره، وكل عمله مبني على هذه القاعدة الذهبية. بغض النظر عن أن الدين والطائفية تستعمل لغايات سياسية، إلا أنهما بالمؤدى الاخير يستخدمان، بتجييش ديني ذو نسق طائفي واضح. موجه للآخر السني حتى وان استطاعت أن تجد لها حلفاء في داخل الوسط السني، التحالفات هنا لتأكيد القاعدة الاساس. هذا أمر جوهري واستراتيجي في هذا النوع من الولاية كمفهوم ديني، لا يقر أهل السنة به.

بالتالي من الخطأ الحديث عن إمكانية تغيير في المواقف الايرانية والممارسات الايرانية. أمريكا والغرب عموما منذ قيام هذا النظام الاستثنائي في إيران، والحصار مفروض عليه طيلة30 عاما تقريبا. حصار بلغ ذروته مع قيام الثورة السورية. حصار احتوائي من نوع خاص يتناسب مع جملة من العلاقات المعقدة في المنطقة، المبنية على مصالح متناقضة بالمقابل. المعروف مثلا أن أمريكا لم تتضرر من هذا الحصار بقدر ألمانيا مثلا التي خسرت الكثير جراء هذا الحصار. عدا عن بريطانيا وفرنسا، روسيا والصين ربحتا نسبيا من هذا الحصار ومعهما دولا أخرى مثل الامارات العربية المتحدة وتركيا وعمان. هذه الدول الثلاث كانت معبر حقيقي لايران للتملص من العقوبات قدر الامكان المتاح. كأننا أمام حالة تبيض اموال من نوع خاص. حيث البضائع وكثير من السلع وحركة الاموال الايرانية كانت تمر عبر هذه الدول، وأمريكا تغض الطرف.إيران تخسر من قوت شعبها لاشباع نهم مشروع ولاية الفقيه، افتعال الحروب الخارجية، من يحضر أي ريبورتاج مصور عن أية قرية إيرانية يشاهد التناقض الفاضح بين ما تصرفه إيران، على مرتزقتها في لبنان وسورية، وعلى الاسلام الجهادي في العراق وافغانستان والباكستان والحوثيين، وبين ما يعيشه الشعب الايراني من فقر. الاقتصاد الايراني تدهور كثيرا في السنتين الاخيرتين. أن تصل الحكومة في بعض المناطق ألا تدفع رواتب الموظفين أمر يقف المرء عنده في ظل نظام، يدعي ولاية المستضعفين. صرفت على برامجها النووية والعسكرية أموال طائلة من عائدات النفط الايراني.

الآن كلها ستتحول إلى خردة بعد الاتفاق الامريكي الايراني. سؤالي لجماعة الادعياء بأن الاتفاق هو نصر للسياسة الايرانية: ما الذي جناه الشعب الايراني من كل هذه الممارسات طيلة ثلاثة عقود ونيف؟ اعتزاز بالامة الفارسية!! ام اعتزاز بأخذ ثأر الحسين؟ الاقتصاد اللبناني اضعف بكثير من أن يعيد لما استثمرته إيران في حزب الله وشراء الذمم السياسية، هاهو القرار 1701أيلول2006 سبع سنوات مرت ما الذي جنته إيران من لبنان؟ سوى ارسال اللبنانيين الشيعة لقتل السوريين وللموت في سورية؟ قبل أن نتحدث عن امريكا هنالك ثلاثة سيناريوهات لما يمكن أن يتمخض عنه الاتفاق الايراني الامريكي- أو مع مجموعة الست- السيناريو الاول: تقاسم نفوذ في المنطقة بين إيران وامريكا. السيناريو الثاني- انسحاب أمريكا من المنطقة وتسليمها لايران أو انسحابها من جزء منها كالعراق وسورية ولبنان والاردن والخليج. السيناريو الثالث- هو ما تريده امريكا من احتواء للنظام الايراني يجرده من حضور قوته العسكرية، ومن قدرته على استغلال نفوذه الطائفي في تلك الدول.

بما يخص السيناريوهان الأول والثاني: غير قابلان للحياة لسبب بسيط جدا أن أمريكا حتى لو أرادت الانسحاب من كل دول العالم لن تنسحب من الدول المحيطة بإسرائيل. لهذا لن يسمح لايران ونفوذها أن يكون على حساب الحزام الامريكي لاسرائيل. إسرائيل أيضا لن تقبل بأي حال من الاحوال من وجود إيران قوية ومستقرة في لبنان وسورية والاردن ومصر وتتمتع بقدرة عسكرية نووية، حتى لو نشا حلف استراتيجي إسرائيلي إيراني. عودة للعلاقات الايرانية الاسرائيلية في زمن الشاه يوضح هذا الامر. إسرائيل تستخدم تحالفاتها المعلنة وغير المعلنة مع النظم الديكتاتورية، لكن لا تسمح لها بامتلاك قوة تهدد من قريب أو من بعيد إسرائيل وأمنها وطموحاتها. وأيضا من يعود لتفاصيل القرار 1701 سيجد أنه تقنين واضح وقوي لحزب الله على الحدود اللبنانية الاسرائيلية، وأي كلام بغير ذلك هو محض هراء. سؤال آخر ما مصلحة أمريكا بأن تترك أغنى منطقة بالنفط والغاز في العالم، وتنسحب منها لصالح إيران؟ وما مصلحة روسيا وتركيا والسعودية بأن تصبح إيران دولة قوية وذات نفوذ ومرحب بها غربيا وامريكيا؟ لهذا نجد أن السيناريو الثالث هو ما يتم العمل عليه، حتى وصلنا إلى مرحلة: أن إيران قالت للامريكان خذوا ما تريدون لكن اتركوا النظامين الايراني والسوري كما هما؟ كما قال الاسد الاب ونظامه بعد النكسة الحزيرانية1967 أن الهدف ليس احتلال الجولان وغيرها بل الهدف هو اسقاط النظام البعثي!! والنظام لم يسقط إذا سورية انتصرت!! والآن هكذا الوضع بالنسبة للصفقة الايرانية الامريكية إن تمت. سلطة الملالي أيضا حملت المعروف الامريكي الالماني الفرنسي، بعدم دعمهم لثورة الشباب الايراني 2009 في طهران!!! من أجل اسقاط النظام الايراني. الامريكي وجد في ظل ازمته العالمية، في القيادة أن أحسن سيناريو هو استمرار تلغيم المنطقة وتدميرها لحين نضوج الظروف الدولية لبروز قيادة امريكية دولية مقوننة على مستوى العالم. شعبنا السوري دفع ويدفع ثمن هذه السياسة لكن لا يعني أبدا أن إيران انتصرت في هذا الاتفاق، لأن نهايته وصول فرق التفتيش الامريكية لغرفة نوم المرشد الاعلى للثورة الاسلامية، وضمن مبدأ الاحتواء السلس..لهذا قيادة النظام في إيران تحاول الآن أن تحفظ ماء وجهها الملطخ بالدم السوري، ,انها قادرة على المساهمة بحل سياسي في جنيف2.

بالطبع نظام الاسد الحالي اعطاها ورقة لم تكن تحلم بها أبان نظام الاسد الاب، وهي تحويل الطائفة العلوية في سورية إلى حامل اجتماعي للنفوذ الايراني على غرار الطائفة الشيعية في لبنان. وهذا ما كتبت عنه سابقا وبعضهم احتج. على هذا الاساس هي تتمسك بآل الاسد، ومن جهة أخرى إيران لا تريد تكرار تجربة لبنان، رغم تجربتها مع ميشيل عون والتي هي تجربة قاربت على نهايتها، ضمن سياق الاستحقاقات اللبنانية. تريد حامل اجتماعي سني- علوي في سورية، هكذا يفكر ساسة إيران مع جميع شعوب المنطقة. وعلى هذا تقاتل. والامريكان يضحكون: قاتلي ونحن نغطيك لكن دون أن تنتصري. وإن حدث فلن يبقى لك سوى الخراب. حتى العراق من يراقب المشهد العراقي، يجد التفتت فيه لدرجة من العبث الحديث عن نفوذ إيراني مستقر. حتى الفصائل الموالية لإيران غير متفقة على طريقة الولاء والتعاطي. أمريكا حتى لو اهتمت أكثر بآسيا الأخرى، أو بأمريكا اللاتينية، لكن عماد انتصارها في الحرب الباردة هي نفوذها في الشرق الاوسط. عدا عن أنها كما قلت لن تنسحب من الحزام المحيط بإسرائيل. لهذا جماعة المقاومة الايرانية العرب!! يتعلقون باوهام بعد شراكتهم في هدر الدم السوري. كما يتعلقون ببوتين ويقبلون يديه. فهم قاموا ومانعوا من أجل تدمير سورية عبر آل الاسد. واصبحوا شركاء في الجريمة.

الدور الايراني في أزمة وأزمة حقيقية، لا ينقذهم منها اخذ ثار الحسين والدفاع عن مقام السيدة زينب. والشعب السوري طال الزمن أم قصر لن تذهب تضحياته سدى.. وسيحصل على حريته.