من المحزن أن نرى النظام متماديا في غيّه غير مكترث بأرواح مئات الآلاف من السوريين فمن لا يموت بآلته الحربية عليه مواجهة الحصار، البرد،السقم، من المؤسف حقا أن يسترسل هذا النظام في تدمير سورية بلدا وشعبا بوحشية قلّ نظيرها مستمتعا بتهجير وتشريد الملايين من المدنين نساءا، أطفالا، شيبا وشبابا وسوقهم باتجاه المجهول غير عابئ بمستقبل جيل كامل من الأطفال والشباب السوريين الذين باتوا في العراء كل هذا في ظل صمت دولي مخزي يعكس سلوك قادة دوليين جلّ اهتمامهم هي المصالح السياسية لبلدانهم، ليس ذلك فحسب بل الطامة الكبرى أن نرى المعارضين الذين من المفروض أن يكونوا أشد الناس حرصا على سلامة السوريين وتقصير أمد معاناتهم هم بأنفسهم يشاركون النظام في عبثه بالبلاد من حيث يدرون ومن حيث لا يدرون، تشتتهم وسعيهم لامتيازات شخصية، تجاهلهم لاحتياجات الشارع السوري، جهلهم للمعايير السياسية التي من خلالها يتم تقييم ثورتهم،انصياعهم لرغبات الدول الاقليمية والأهم من كل هذا وذاك تشجيع بعض شخصيات المعارضة على المزيد من الانزلاق في مستنقع الطائفية النتن (اللبواني) أنموذجا ليساهم قسم من هذه المعارضة ومن خلال هذا السلوك المتردي و اللا مسئول مع النظام في اختطاف الثورة من أصحابها الحقيقيين وهم عامة السوريين بمختلف طوائفهم واثنياتهم الذين كان كلّ طموحهم هو الانتقال ببلدهم من حكم مستبد الى دولة مدنية ديمقراطية تعددية. تماسك نظام البعث وتعاون حلفاءه الصميمي معه يشكل احدى عوامل بقاءه لكن العامل الأهم هو الأداء الركيك لشخوص و تنظيمات المعارضة السياسية بالدرجة الأولى وانتظارها مبادرات الحل من القوى الاقليمية والدولية وحتى ذلك دون بذل جهود تذكر من أجل التأثير على الرأي الشعبي العام في مختلف دول العالم الذي بدوره يؤثر على القرارات السياسية في بلدانهم والتي باتت الآن تميل بشكل أو بآخر لصالح النظام على وجه الخصوص بعد تسوية الكيماوي هذا بعد أن كان في صف الثورة وترنحت يمينا و شمالا قبل أن تميل لصالح النظام كتحصيل حاصل فالنجاحات التي تحققها السلطة في دمشق تأتي تتويجا لعدم ارتقاء المعارضة السياسية لمستوى البديل المؤهل لقيادة المرحلة وخذلانها للشعب السوري.

التذرع بأن النظام كان مسيطرا على عقول وتفكير السوريين وجاثما على صدور الناس لأكثر من أربعة عقود وبأن هذه هي بواكير الممارسة الديمقراطية الفعلية والتي تعدّ عبارة عن مسيرة طويلة هذه ليست سوى بداياتها، بعض من هذا التذرع صحيح لكن يجب أن تبدأ بالخطوة الواثقة في الاتجاه الصحيح وإلا فلن تدنو من هدفها ولن تنال مبتغاها مهما مرّ الزمن و طالت المسيرة.
تهافت أعضاء الائتلاف على المناصب السيادية في هذه المرحلة الحساسة من عمر الثورة وكأن ممارسة الديمقراطية متوقفة الآن على من يكون رئيسا للائتلاف وقبلها للمجلس الوطني، ذلك ليس سوى هدرا للطاقات وبعثرة للإمكانات التي يمكن الاعتماد عليها في توثيق الارتباطات وبناء جسورا من التواصل مع مختلف القوى الدولية و الاقليمية والأهم من كل ذلك أن يثق الشعب السوري بأن هناك رجال دولة بإمكانهم ادارة المرحلة الانتقالية وإيصالهم الى بر الأمان. الديمقراطية الحقيقية بالتالي هي التي سوف تأتي من خلال صناديق الاقتراع في سورية حرة وليس أن يجتمع مئة أو مائتي شخص يتزاحمون للتمرن على أصول القيادة لبضعة أشهر من خلال التناوب على الزعامة فيما يقتل السوريون يوما تلو الآخر.

رأفة بأرواح السوريين،آلامهم وبوطن يدمّر طوبه تلو الأخرى، اتقوا الله يا معارضة واتخذوا من رموز الثورة الليبية أمثال المستشار مصطفى عبد الجليل والدكتور محمود جبريل وغيرهم قدوة تحتذون بهم فهم عملوا على ايصال منجزات ثورتهم الى أيدي القرار الشعبي الليبي مع النأي بأنفسهم عن أي منصب.

فرمز حسين
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]