اختلف المفسرون في فهم كثير من الآيات دون الخروج بها عن المباحث الروائية، كقوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً) الإسراء 60. وهذا اللفظ يمكن أن يكون على بابه بتقدير محذوف، أي أن التقدير يصبح: والشجرة الملعونة في القرآن أيضاً أوكذلك، أو أن يحمل على التقديم والـتأخير وعلى هذا الوجه يكون التقدير: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس، وكلا الاحتمالين جائز وبكلتا الحالتين يظهر أن الشجرة معطوفة على الرؤيا وكلاهما فتنة للناس، إلا أن اللعـن أصبح وصفاً آخر للشجرة وهذا الوصف لا يوجد في الرؤيا لذا وجب التفريق في نوعية الفتنة الحاصلة من الرؤيا أو ما يلحق بها من الفتنة المستطردة في الشجرة، ومن هنا كان اختلافهم فذهب أكثرهم على أنها شجرة الزقوم التي ذكرت في بعض المواضع كقوله تعالى: (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم***طلعها كأنه رؤوس الشياطين) الصـافات 64-65. وقوله: (لآكلون من شجر من زقوم) الواقعة 52. وكذلك قوله تعالى: (إن شجرة الزقوم***طعام الأثيم) الدخان 43-44. والسبب الذي جعلهم لا يخرجون عن هذا الرأي هو ما ذكر في الخبر من أن أبا جهل قال زعم صاحبكم أن النار تحرق الحجر وكان هذا الاستهزاء بسبب نزول قوله تعالى: (وقودها الناس والحجارة) التحريم 6. وجمع هذا مع قوله (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم).

فقال كيف النار لا تحرق الشجر وهذا نوع من التضليل أراد به تحسين القبيح لأجل أن يضل به السذج من الناس بسهولة مما يضطرهم إلى تصديقه. وذهب آخرون إلى أن الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية يعني الحكم بن أبي العاص ومن لف لفه، ودليلهم أن النبي (ص) رأى في المنام أن ولد مروان يتداولون منبره فقص رؤياه على أبي بكر وعمر فلما تفرقوا سمع النبي الحكم يخبر برؤيا رسول الله فاشتد ذلك على النبي (ص) واتهم عمر في إفشاء سره.

ونفى بعض المفسرين هذه القصة لأن ما حدث بهذا الشأن كان بالمدينة والسورة مكية إلا أن تكون هذه الآية مدنية والسورة مكية ولكن لم يقل أحد من المفسرين بهذا. وذهب آخرون إلى أن الشجرة الملعونة هم اليهود لقوله تعالى فيهم: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) المائدة 78. وهذا بعيد لنفس الأسباب التي ذُكرت في الرأي السابق.

وكما أسلفت فإن الاختلاف في نوعية الشجرة يرجع إلى الاتجاهات المذهبية والتي تجعل الخلف ملزم بآراء السلف ولو تحررنا من هذه التبعية لحصلنا على تفسير نظيف يخدم الإنسان في حاضره ومستقبله فما الفائدة لو أثبتنا أن الشجرة هي الزقوم أو اليهود، ولكن التحليل المنطقي يثبت غير هذا حتى وإن كان أولئك من المصاديق غير الظاهرة لتلك الشجرة.

ولو حكمنا لغة القرآن الكريم لوجدنا الحل الأمثل لنوعية تلك الشجرة وما المقصود منها ولو عدنا كذلك إلى المعاجم العربية وبحثنا في أصل وجذر كلمة شجرة لوجدنا أن أصلها من الشجار الذي يعني التشابك والتداخل الذي يحدث بين الأشياء المتماثلة التي يربطها أصل واحد ولذلك فإن تسمية الشجرة أخذت من هذا الأصل بسبب تشابك أغصانها بعضها ببعض مع الانتماء إلى أصل واحد يربط الجميع. ولو عدنا إلى الشجرة الملعونة في القرآن نجد أن الآراء التي ذهبت يميناً وشمالاً لن تفلح في تحديد مدلول تلك الشجرة لأن هذه الشجرة وصفت بأنها ملعونة واللعن لا يمكن أن يوصف به النبات أو الجماد حيث أن هذا الوصف لا يطلق إلا على العاقل، فإن قيل: وماذا عن لعن الجماد الذي ورد على لسان الشعراء؟ أقول: من مميزات الشعر أعذبه أكذبه وهذا النوع من الكلام يترفع القرآن عنه.

من هنا نفهم أن دلالة المعنى الحرفي للشجرة بمعناها الجذري المتمثل بالتداخل والتشابك لغة لا ينطبق إلا على كل من غضب الله عليهم بدليل لام الاستغراق الذي في القرآن، وهذا مفهوم عام لا يمكن نسبته إلى فئة دون أخرى فيكون أصحاب الضلال قد دخلوا في الأصل بكل مللهم ونحلهم وهناك طرق وسبل لا حصر لها كالكفر والالحاد والنفاق والضلال واتباع هوى النفس واللهو واللعب إلى غير ذلك من الصفات التي تطرق لها القرآن الكريم في مختلف مواضعه وهذا ما جعل الواقع المشار إليه كالمتشابك في أطرافه التي ترتبط بجذر واحد وهو معصية الله تعالى بمختلف مصاديقها التي ذهبت كل مذهب كما قال تعالى: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) الأنعام 153.

فالفساد جزء من أغصان تلك الشجرة وكذلك أكل أموال الناس بالباطل والزنا والسرقة والاغتصاب والربا والتصوف والإرهاب والرهبانية المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان، والخلق السيء وعقوق الوالدين والخداع والمكر والرياء وحب الظهور والغرور، كل هذا وأكثر أوراق وأغصان تابعة لتلك الشجرة التي لعنها الله تعالى في القرآن الكريم. فإن قيل: الأغصان التي ذكرتها لاتعد من العقلاء فكيف يلعنها القرآن؟ أقول: القرآن لعن من يتبنى تلك الأغصان وهذا ظاهر.