قرأت مقالة ndash; تقرير الزميلة نسرين حلس يوم الجمعة 13 ديسمبر.. تحت عنوان quot;quot;لم تحقق ثورات الربيع العربي من أهدافها سوى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، وبقي الإستبداد بصور أخرى، لأن الشعوب العربية لم تتربَّ على الديمقراطية يومًاquot;quot;.

راعني في المقال غياب أي جملة على أهمية وضرورة مشاركة المرأة في بناء المجتمع الديمقراطي الذي يتمناه الإنسان العربي الواعي والحريص على الإنعتاق من سجن الإستبداد.. سواء من السلطة الحاكمة.. أم من إستبداد وسيطرة رجال الدين..

كل المساهمين أجمعوا على ضرورة التطوير المجتمعي.. ولكن وللأسف لم يبين أي منهم ما هو هذا التطوير المجتمعي المطلوب للخروج من الدائرة المغلقة في تخلّف حضاري وفهم حقيقي واع لمعني الديمقراطية والذي كان السبب الرئيسي في فشل هذه الإنتفاضات العربية..

راعني التركيز فقط على تطوير وإصلاح التعليم.. وذكرني بمشاركتي قبل عدة سنوات في برنامج كان يقدمه الزميل العراقي المثقف نبيل ياسين تحت عنوان quot;نبض الشارعquot;.. والذي شاركت فيه في أول مساهماتي الإعلامية (بدون أجر ) بأكثر من 20 حلقة.. وكنت المرأة الوحيدة بين ما يقارب العشرون رجلا.. في إحدى هذه الحلقات وبمشاركة رجل دين.. لم أكن أعرف إسمه آنذاك وتحت عنوان ضرورة إصلاح وتطوير التعليم.. ولأول مرة أتفقنا جميعا على ضرورة تطوير وإصلاح التعليم.. تماما كما جاء في المقالة - التقرير. من الخروج من عملية التلقين وتشجيع حرية التعبير والتفكير الحر ألخ.. ألخ.. مما جاء في المقالة.. ولكن وفي آخر خمس دقائق على إنتهاء الحلقة.. تفّوه الشيخ ليقول بأنه موافق على كل ما ناقشناه.. على أن يتم هذا الإصلاح من خلال ضوابط دينية !!! وسألته ماذا يعني بذلك. قال.. بأنه ومثلا فإنه من المخالف للدين مشاركة مقاعد الدراسة بين الرجل والمرأة حتى في الصفوف الإبتدائية.. لأن الإختلاط محرّم شرعا.. أيضا ومن المخالف شرعا تدريس مبادىء مغلوطة للدين وقواعده الشرعية.. بمعنى أنه لا يمكن إنكار أو التلاعب بحقوق الرجل وقوامته حتى في حقه في تعدد الزوجات..وحقه السيادي في الطلاق وغيرها من الحقوق.. وبالتاكيد لم يتجرأ احد من الرجال الموجودون على مناقشته.. لأنه رجل دين.. إضافة أنه ونظرا لقصر الوقت إنتهت الحلقة.. ولم نكمل الحوار.... ومرة أخرى إنتصر رجل الدين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فيما بعد عرفت انه كان الشيخ عمر البكري؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

واليوم مرة أخرى أقرأ هذه المقالة التي ركّزت على التعليم فقط كطريق وحيد للديمقراطية.. وخلت تماما من أي ذكر لأي من الكتاب الذكور عما تمثله المرأة في هذه المجتمعات. وأن التعليم الذي سيخلو من ذكر وإقرار حقوقها كما جاءت في المواثيق العالمية وليس كما جاءت في الضوابط الشرعية لا يمكن أن يؤدي إلى ديمقراطية حقه.. ومن المستحيل لهذه المجتمعات العربية أن تخرج من أزمتها الحالية بدون قرار شامل لا رجعة فيه في فصل الدين عن الدولة.. وفي وضع دساتير تستند إلى الحقوق الإنسانية العالمية بما فيها من حقوق للمرأة.. وأن أي مماطلة ومراوغة في نصوص هذه الدساتير على هذه الحقوق ما هو إلا مجرد تحايل.. وتضييع للوقت.. وزيادة في نزف دماء الشعوب العربية التي تتطلع إلى غد أفضل..

كلنا يعرف بالمثل المتناول عاميا في معظم مجتمعاتنا العربية.. وهو quot;quot; نخاف ما نختشيش quot;quot; وبالتالي وحتى تتحجم حقوق الرجل، فإن فكرة التعليم برغم أهميتها وأولوليتها يجب ان تتلازم بالتغيير الجذري للنظام القضائي المعمول به. وإن كان تطبيق النظام القضائي يتفاوت في هذه المجتمعات ما بين الدول العربية.. ولكنه يشترك في إستناده الكامل لما جاء في الشريعة في معظم القضايا المتصلة بالمرأة.. والتي وربما كانت صالحه للتطبيق في مجتمع ما قبل 1400 سنة.. إلا أنها لا يمكن أن تصلح لمتطلبات القرن الحادي والعشرين.... حقيقة أن هذا النظام ألغى تطبيق الحدود الشرعية خاصة تلك المختلف عليها كعقوبة الرجم وبتر الأعضاء.. لكن هذا النظام القضائي لا زال يعمل بتوجيهات الحدود التشريعية وعلى ضوئها وبالذات في قوانين الأسرة.. والقوانين المتعلقه بالمرأة..
فالديمقراطية ليست مجرد كلمة تتناقلها الأفواه. الديمقراطية تترسخ في ذهن الطفل منذ نشأته.. من خلال ما يخلقة الإختلاط من الشعور بالمساواة وعدم التمييز في المدارس المختلطه.. ومن خلال التعليم الحر الذي لا يستند إلى ضوابط أيما كانت.. الديمقراطية ممارسة لحق مشروع في الحرية بكل معانيها وبكل ممارساتها.. حرية التعبير. حرية إختيار الديانه.. حرية إختيار الشريك أو الشريكة.. حرية التنقل.. وغيرها من الحريات التي يمارسها ويتمتع فيها الرجل وإن كانت منقوصة لغياب الحرية السياسية.. في مجتمع ذكوري خلا من الضمير ومن الرحمة..

إن تطبيق الديمقراطية يعني العدالة.. وفي ظل هذا النظام القضائي الذي تغيب فيه العدالة. لا يمكن إرساء مبادىء الديمقراطية الأولى من مساواة وعدالة. كيف نستطيع إصلاح التعليم حتى ولو أقرينا بعدم وضع هذه الضوابط الدينية.. بينما تواجه المرأة عدم العدالة وإنعدام المساواة والتمييز في النظام القضائي حينما تضطر للجوء إليه في حالات الطلاق التعسفي. والحضانه والإرث.. وغيره...

الديمقراطية ليست فقط حقوق سياسية.. وحق إنتخاب.. الديمقراطية تعني إحترام الحق الإنساني للعامل الغريب. التعود على الديمقراطية وقبولها وتقبلها، يعتمد أيضا على مجتمعات مفتوحة تتقبل المختلف خاصة ذلك المختلف الموجود بينها وله نفس الحقوق في الحياة الكريمه وفي المواطنة وحقه في الإعتقاد.وحقه الكامل في ممارسة شعائرة الدينية وحقه على الحكومة في حماية دور عبادته من تعسف وعنف المسلمين حتى وإن كانوا يمثلون الأغلبيه..

الديمقراطية تعني إحترام الحق الإنساني للغريب الذي جاء للحصول على لقمة عيش لفترات محددة.. وعدم إنتهاك حقوقة الإنسانية.. وعدم إستغلاله وتشغيله بدون أجر وتوفير حياة سكنية لا ئقه طبقا للمعايير الدولية..

أما ما جاء تحت عنوان دور التنظيمات الدينية.. والذي وللأسف لم يتطرق إطلاقا لدورها السابق ولا اللاحق.. وتغضى كليا عما ما مارسته هذه التنظيمات خلال العشرين سنة.. من ترويج سلبي لكل المبادىء الإنسانية التي يجب ان يتحلى بها أي مجتمع.. وعملت على ترويج الكره.. وتبرير القتل. وتبرير العنف المجتمعي ضد المرأة وضد المختلف.. روّجت وأدخلت البلبلة في عقل الإنساني العربي بفتاوي لا تمت للعصر ولا للإنسانية.. حين قدّمت صورة منفرة عن الإنسان العربي وضيق أفقة وتفكيره والذي إنعكس في البيان الذي أصدره الداعية السعودي عبد الرحمن البراك والذي يتلقى راتبه من الحكومة السعودية التي قدمت تعزية رسمية بوفاة مناضل الحرية الزعيم ما نديلا.. البيان الذي هاجم فيه كل من يتمنى الرحمة للزعيم الراحل ويؤكد خلاله بأنه وطبقا لإحدى الآيات فإن من يترحم على الغير مسلم rsquo;يعتبر كافرا وأن مصير الميت والمترحم النار.. لأن مانديلا كافر ومن يترحم علية شريك في الكفر وقد تطبق عليه عقوبة الردة؟؟؟؟؟ تلتها تغريدة الشيخ القرني التي أعاد فيها رسالته للراحل يدعوه فيها إلى الإسلام.. وكأن المسلمون وحدهم من يمتلك الجنة..

سيدي القارىء ماذا قدّم كلاهما للإنسان المسلم.. سوى زيادة في الصورة القاتمة عن الإنسان العربي.. ماذا زرع كلاهما وغيرهم كثيرون في عقل الطفل العربي.. و يصر امثالهما على التعليم بضوابط دينية.. هم يزرعون بذرة الكراهية وليس الصداقة.. لقد ساهموا وعملوا على الترويج للإسلام السلبي الذي يكره.. ويقتل.. ويبرر.. ونسوا أهم المبادىء الدينية مجتمعة وهي المحبة والتسامح...

المنطقة العربية كلها بحاجة إلى إعادة إحياء الضمير الإنساني من خلال التأكيد باننا بشر مثل بقية خلق الله.. ولا نعلو على احد لمجرد أننا مسلمين.. وأن الإنسان rsquo;يقدّر بأفعاله.. وليس بديانتة..
الصمت والطاعة والخوف.. هما اكبر الكوارث التي يواجهها الإنسان العربي الذي تربى وتلقّن خطورة الحرية بكل معانيها ومفاهيمها..

نعم الإنسان العربي بحاجة إلى ثورة شمولية يتشارك فيها الرجل والمرأة بعد أن يعي الرجل بأن المرأة شريك مساو له في كل الحقوق والواجبات. بعد أن يخرج من عباءة سي السيد.. وبعد أن يتقبل أنها إنسان وليست عورة كما روّج لها هؤلاء الفقهاء..
تلازم تطوير العملية التعليمية بقضاء واضح للحقوق هو الطريق الوحيد للديمقراطية.. وهو الرادع الوحيد لإستبداد الرجل.. ولإخراج المجتمعات العربية من إستبداد فقهاء الدين..وهو الطريق الوحيد للديمقراطية الحقيقية التي لا تستند إلى التعيين والشورى..

منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية