مرة أخرى، وبمناسبة انطلاق البازار السياسي المحزن بين زعماء المنطقة الخضراء، لا نستطيع أن نتفاءل، نحن الكتاب العراقيين المستقلين، بالانتخابات الجديدة، أملا في أن تسفر عن نتائج حاسمة تُخرج الوطن من هذا المأزق العصي.

نعم. لقد زرع في قلوبنا بعضَ الأمل عدد من المثقفين العراقيين القادمين للتو من الوطن إلى الأردن حين بشرونا بولادة وعي انتخابي وطني جديد، خصوصا لدى الأجيال الجديدة المتمردة على هيمنة الأحزاب الدينية والطائفية والعنصرية على مفاصل الدولة العراقية.

إلا أن هذا البعض المتفائل نفسه لا ينتظر أن تتمكن الأغلبية الوطنية المدنية المقهورة المستفيقة مؤخرا في الشارع العراقي من إحداث انقلاب مدني حقيقي في المعادلة في المدى المنظور، ولكنها قد تفعل ذلك في دورة انتخابات العام 2018. يعني أننا قد نموت ولا نرى هذا الأمل يتحقق ويزيح عن كواهل أهلنا العراقيين كوابيس أظافر الشلة الحاكمة الطفيلية التي نبتت على أجسادهم مثل الجراد أو البعوض.

ويستند هذا البعض المتفائل إلى أن أعدادا كبيرة من الناخبين العراقيين، بالجملة وليس بالمفرق، غيرت قناعاتها، بعد أن كشف لها السياسيون المتسلطون على مقدرات الوطن، منذ عشر سنوات وأكثر، عن معادنهم الحقيقية، فتبين أنهم خدعوها بشعارات الوطنية وبدعاوى العدالة والديمقراطية وسلطة القانون، وثبت أن القوى الخارجية هي التي تسيرهم من وراء الحدود.

ولكنهم يؤكدون لنا أن العملية الانتخابية المقبلة لن تخرج كثيرا عن إطارها القديم ولا عن أخلاقها وأساليبها غير النزيهة وغير الشريفة، ولن تمت إلى الديمقراطية الحقيقية والوطنية الصادقة بصلة. فالمقاعد تباع وتشترى ويتم تبدال المواقع والأدوار وفق مقاييس الشبق السلطوي لدى زعماء القوائم القديمة الجديدة. وهم مقتنعون بأن الاقتراع لن يتم إلا وفق الولاءات الطائفية أو المناطقية أو العشائرية القديمة ذاتها، ولكن ضمن إطار القسمة المقررة حصُصها بين الطوائف من زمن طويل.

وعلى هذا الأساس لا يملك شعبنا كثيرا من الخيارات المبشرة بالخير، ومنها، مثلا، ولادة تيار وطني عراقي عابر للطوائف والقوميات، فيصبح أمام الناخب العراقي حزبان أو تياران مختلفان في العقيدة والمنهج والبرامج والمناهج وآليات العمل من أجل إخراج الوطن من ورطته الخانقة المستمرة من عشر سنين وأكثر بقليل، لكي يمنح صوته لهذا الحزب أو ذاك، بحرية واقتناع ووعي تام.

إذن الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أصبح مطلوبا جدا من كل طائفة أن تقبل على الاقتراع بحماس وكثافة وبإصرار على توصيل أفضل ما عندها من مرشحين لكي تتسلم حصتها المقررة من البرلمان والحكومة.
وحين يقوم أي مراقب محايد بتقليب القوائم الانتخابية الجديدة المعلنة لخوض الانتخابات الجديدة يدرك أن القسمة الطائفية قائمة وفاعلة وممسكة بالقرار، وأن النتائج لن تخرج من إطار الحصص القديمة ذاتها.
بمعنى آخر. إن البرلمان القادم، برغم جميع التوقعات المتفائلة، سيكون أكثرُ من ثلاثة أرباعه من نصيب نواب سابقين، مع تغييرات طفيفية في المواقع والوجوه لا تغير حدود اللعبة كثيرا، بل بأقل من القيل.
ففي المعسكر الشيعي السياسي، مثلا، تتخاصم ثلاثة محاور رئيسية مهيمنة على الشارع الشيعي، وهي المجلس الأعلى وحزب الدعوة والتيار الصدري.

أما المعسكر السني فقد أصبح أكثر تشظيا، حيث تمزقت القائمة العراقية التي كانت تعتبر الأوسع والأقوى على الساحة السنية، ثم حدث تشقق كبير وخطير في مكوناتها السابقة ذاتها وظهرت إلى العلن خلافات زعمائها ومؤامرات بعضهم على بعضهم الاخر، وتلفيقاتهم وشتائمهم المقذعة.

وبسبب تعدد الزعامات داخل القائمة العراقية فقد أصاب سرطان التشقق حركة الوفاق ذاتها بقيادة أياد علاوي الذي تخلى عنه حلفاؤه السنة وتركوه وحيدا يواجه مصيره المظلم في الانتخابات القادمة، وخرج محور طارق الهاشمي، وذاب تجمع الحل لمحمد الكربولي، ولحقه تجمع صالح المطلق.

ولعل أكبر الخسارات التي قصمت ظهر القائمة العراقية هي تلك المتمثلة في أقدام رجل الأعمال الشيخ خميس الخنجر على سحب دعمه المالي والسياسي عنها. وينظر كثيرون من صنائعه السابقين الذين ذاقوا طعم كراسي الوزارة والبرلمان بنفوذه وأمواله بكثير من الحسد والخوف من كتلته الجديدة التي أسماها (كرامة) والتي يعتبرها المواقبون الأقرب إلى ساحات الاعتصام في المحافظات السنية المنتفضة الست.

ورغم أن أسامة النجيفي يبدو الأكثر لمعانا على الساحة بعد أن ورث حليفه وزعيمه السابق أياد علاوي. إلا أن الجماهير المنتفضة، وفقا لآخر التقديرات والحسابات، نفضت يدها منه ومن حلفائه في قائمة (متحدون). ويقول نائب عراقي من داخل القائمة العراقية متعمق في تفاصيل الحركة السياسية في الأنبار إن سبب التحول الخطير والعميق في مزاج جماهير المحافظات السنية الست، وغضبها من النجيفي وحلفائه إلى جشعه السلطوي وتهالكه على مسالمة نوري المالكي والتطنيش عن سياساته المعادية لطائفة النجيفي نفسه.

ويضيف هذا النائب قائلا إن نواب القائمة العراقية، وعلى مقدمتهم نواب أسامة النجيفي وصالح المطق هم الذين أجازوا قانون المساءلة والعدالة وقانون مكافحة الإرهاب، وهم الذين تغيبوا عن جلسة البرلمان التي شهدت التصويت على قانون العفو العام، بحيث أدى انسحاب دولة القانون إلى نقص في النصاب القانوني بـ 17 صوتا، وكان مؤكدا أن تتحقق الغالبية لو لم يتغيب ثلاثة وسبعون نائبا من العراقية، أبرزهم نواب النجيفي وصالح المطلق.

حتى العسكر الكردستاني لم يسلم من التشرذم والتمزق، إلا أنه في النهاية يظل موحدا إزاء ثوابت المطالب القومية للشعب الكوردي.
أمام هذه الصورة المزعجة والمقلقة والمحزنة ليس أمام المتفائلين العراقيين، من دعاة الدولة المدنية والديمقراطية وسلطة القانون، إلا أن يحثوا الناخبين الشيعة على الفرز الوطني العقلاني بين المرشحين، وتسقيط الفاسدين الذين استخدموا الخطاب الطائفي المتعصب لتحقيق مصالح شخصية وحزبية ضيقة، ووظفوا السلطة لتعميق الفرقة الطائفية بين مكونات الشعب العراقي وتهميش الآخرين وتشجيع المليشيات العابثة على هدر دماء الأبرياء.

كما أن المثقف الديمقراطي السني، هو الآخر، مطالب بأن يمارس أقصى درجات التوعية في الجانب السني لطرد المتاجرين بدماء العراقيين من دهاقنة السياسة الفاسدين المفسدين. وبغير هذا الحلم الصعب لن يرى الوطن السليب يوما واحدا من راحة البال.