هناك الکثير من الامثال و الحکم للشعوب تحمل معان و مضامين انسانية بديعة و رائعة، ولاسيما تلك التي تکون لها علاقة بالعادات و التقاليد و البناء النفسي للشعوب فإنها في هکذا حالة تکون مرآة معبرة و صادقة عن واقع حال الشعوب.

بالقطنة يذبح بعيرا و بأبرة يفتح ثغرة في جبل! هذا القول ذهب کمثل يتداوله الشعب الايراني وهو يدل على طول صبرهم و نفسهم الطويل وإستعدادهم لتحمل مرارة الانتظار عن طيب و هم يمنون أنفسهم بالامل المفعم بتفاؤل، وان نظرة على ماي 34 عاما من المواجهة بين النظام الايراني من جهة و منظمة مجاهدي خلق من جهة أخرى تجسد حقيقة مانرمي إليه، رغم انه قد بات و بسبب التحالف السياسي الامني بين هذا النظام و حکومة نوري المالکي، يمکن أن تطبق نفس الحالة على حکومة المالکي التي هي أيضا تخوض صراعا سياسيا عسکريا إعلاميا ضد هذه المنظمة.
منظمة مجاهدي خلق، التي کانت تقبع في قائمة المنظمات الارهابية منذ عام 1995، ولاقت معاملة قاسية جدا من جانب حکومة نوري المالکي و طوال ولايتين لها، لم يکن يدر بخلد أحد من تمکن هذه المنظمة من الوقوف على قدميها من جديد و العودة لساحة المواجهة و الصراع بقوة أکبر من السابق، بل وانني أتذکر جيدا بأنني وخلال العقد الماضي وتحديدا خلال أعوام 2004 الى 2008، بشکل خاص، کان هنالك الکثير من الزملاء الکتاب و الصحفيين ينتقدوني لدفاعي المستمر عن منظمة مجاهدي خلق وکانوا يقولون بأنها باتت ورقة محروقة ولاسيما بعد سقوط نظام صدام حسين و تغلغل نفوذ النظام الايراني داخل العراق بل وان بعضا منهم کان يمازحني و يقول إذا کنت تکتب من باب (خالف تعرف)، فإن هناك مواضيع أخرى أهم من هذا الموضوع المتنهي صلاحيته تماما!
عندما تمکنت المنظمة من تحقيق إنتصاراتها القضائية في المحاکم الاوربية و إختتمت ذلك بمعرکتها القضائية الکبرى في واشنطن حيث تم إصدار حکم قضائي بإخراجها من قائمة المنظمات الارهابية، قيل و کتب الکثير عن هذه المسألة، لکن من الواضح أن الادارة الامريکية(خصوصا إدارة الرئيس اوباما)، لم تکن متحمسة أبدا لإخراج هذه المنظمة وانها ظلت حتى آخر لحظة تسعى لبقائها ضمن القائمة حتى إضطرت أخيرا بحکم القرار القضائي النافذ أن تذعن للأمر، غير أن الجانب او الوجه الاخر للمسألة يتعلق بطول صبر و تحمل و حلم هذه المنظمة في کفاحها القضائي المرير و عدم إستسلامها حتى في أحلك اللحظات و أصعبها، انما کانوا وعلى الدوام متفائلين و واثقين بأنفسهم و قضيتهم و حتمية إنتصارهم، وأذکر جيدا انني في أحدى المرات تحدثت مع قيادي بارز في المنظمة في باريس أيام لم يکن هناك أي بصيص أمل على إخراجهم من القائمة، فقلت له: هل لديکم أمل بأن تخرجکم الولايات المتحدة من قائمة الارهاب؟ فأجابني مبتسما وخلف إبتسامته نظرات واثقة: نحن سنجبر الولايات المتحدة على الانصياع لمنطق الحق و ليس ننتظر منها منة او عطفا!
عشية هجوم الاول من أيلول2013، على معسکر أشرف و الذي زعمت فيه حکومة المالکي من خلال بعض مصادرها، أن جماعة تطلق على نفسها(أبناء الانتفاضة الشعبانية)، هي التي بادرت بذلك الهجوم(حيث عبرت الطوق المنيع المفروض على المعسکر لتفتك بالسکان و تختطف 7 منهم)، لکنها و بعد أن کثر اللغط حول الهجوم و إختطاف السبعة، أطلق أکثر من تصريح حکومي يتضمن قيام قوات عسکرية مؤتمرة بالهجوم على المعسکر وان الرهائن السبعة قد تم إعتقالهم لأنهم قاوموا الهجوم، وبعد فترة خرج على العالم فالح فياض مستشار الامن الوطني لنوري المالکي لينفي أي دور للحکومة في هجوم الاول من أيلول، لکن، الادلة و المستمسکات التي کانت بحوزة منظمة مجاهدي خلق، کانت ولازالت أکبر و اقوى إعتبارا من مختلف النواحي من هذا النفي المبني رمال، وان إصرار المنظمة على وجود دور مباشر لحکومة المالکي في القيام بهجوم الاول من أيلول و إختطاف السبعة کان يقابله نفي مستمر و قاطع للحکومة، وأغلب الظن أن حکومة المالکي کانت تعتقد بأن الامر سيبقى على هذا المنوال أي يدور في حلة مفرغة حتى تهدأ الامور و عندها سيکون لکل مقام مقال بيد أن الرياح لم تجر بما تشتهي السفن إذ صدر قرار قضائي مفاجئ من جانب المحکمة المرکزية الاسبانية للتحقيق رقم 4، أعلنت فيه أن(السيد فالح فياض مستشار الامن الوطني لرئيس الوزراء العراقي مطلوب للتحقيق حاليا بتهمة إرتکاب جرائم بحق سکان معسکر أشرف) المحميين بموجب القوانين الدولية، هذا القرار الذي سوف يکون نافذا إعتبارا من تأريخ صدوره وان فياض سيکون مطاردا قضائيا وهو لايتمتع بحصانة المالکي ولذلك فإن هذا القرار سيطاله عند خروجه من العراق.
هذا القرار يعتبر إنتصارا آخرا لمنظمة مجاهدي خلق على حکومة المالکي و من خلالها على النظام الايراني ذاته صاحب المصلحة الاساسية في جر حکومة المالکي الى هذه المشکلة التي هي اساسا في غنى عنها، يؤکد حقيقة تخبط حکومة المالکي في أمور و قضايا هي أبعد ماتکون عن القضايا و الامور الملحة و الحيوية، ومثلما ان إستمرار الهجمات و الاعتداءات و التجاوزات التي إرتکبتها القوات التابعة للحکومة قد اسفرت في النتيجة عن إنفتاح عالمي على المنظمة و صدور قرارات هامة لصالحها الى الحد الذي منح قضيتهم بعدا دوليا، فإن إصرار الحکومة على المضي بسياستها غير الوطنية و غير السليمة هذه قد جرتها الى مفترق المحاکم الدولية و ماسيترتب عليها من آثار و تداعيات و نتائج، لکن السؤال ماذا سيکون رد حکومة المالکي؟