في خضم الكثير من الأسئلة المحيرة التي تتداول بين الإطراف المختلفة في العراق اليوم، الباحثة عن موضع قدم في كرسي السلطة، وسط عاصفة هوجاء ملتهبة تضرب بغداد وبعض المحافظات بسيارات العنف الدموي التي لا تفرق بين جنس ودين وطائفة، فيسقط جراء ذلك مئات القتلى من العراقيين البسطاء الأبرياء الحائرين بين الموت والحياة، في وضع لا يحتمل إطلاقا نتيجة لالتهاء رجال الدولة من ألان بمصيرهم في الانتخابات المقبلة ونتائجها على الرغم من المسافة الطويلة التي تفصل بين المواطن وصندوق الاقتراع، انه صراع الاضطهاد من نوع خاص وهو ما يبدو جليا في دهاليز السياسة ورجالها.
أن السعي للخلاص من هذا الارتباك الدموي اليومي لابد أن يرتكز على الأخلاق والمبادئ التي يجب أن تتصف وتلتزم بها الأحزاب والكتل الحاكمة والمعارضة إمام المواطن، وهي ستكون بمثابة الخطوة الأولى نحو تصحيح الأغلاط والأفكار والاتجاه بالعراق إلى وفاق وطني شامل دون تميز أو إقصاء لأي طرف كان من شركاء هذا الوطن، نعم يجب أن لا يكون هناك فيتو على احد في العراق من شماله أو جنوبه، إلا من باع الوطن وخذل شعبه وتأمر على وحدته ومصيره، ودون ذلك يجب أن نتحكم إلى العقل والوطنية في وضع المعايير لأي شخصية ومهما كان موقفها من العملية السياسية الدائرة اليوم، لأننا اليوم أحوج ما نكون للجميع لكي نتجاوز المحن والإعصار الذي يضرب الوطن بعصفه الشديد، لأننا كلما توحدنا كانت كلمتنا مسموعة مؤثرة محترمة بين الدول.
قبل أيام جمعتني الصدفة في دار الشيخ خميس الخنجر الذي كان يوصف بأنه (عراب) القائمة العراقية في انتخابات آذار2010،مع مجموعة من الشخصيات السياسية والإعلامية والثقافية من شتى المشارب والأطياف والمدن، لم التق الرجل مطلقا طيلة السنوات الماضية، ربما فقط قرأت وسمعت عنه أطنان من الأحاديث تصب بعضها لغير صالحه، وبعضها لصالحه، وكان لابد للحديث أن يذهب إلى الأوضاع السائدة في العراق ومنها الانتخابات المقبلة وقراءة الجالسين أفق مستقبل ذلك وفق رؤيا تحليلية كنا نتبادل الحديث بيننا، قد نختلف أو نتوافق لكن المهم أن نتحاور، ومهما كانت خلافتنا فان الحوار هو السبيل والمنقذ لكل ألازمات.
لذلك ومنذ الوهلة الأولى كنت أرغب بان أكون منصتا أكثر منه متحدثا، لاسيما وان في الجلسة شخصيات عاشت وتعيش في العراق أكثر مني، لكن الذي جذبني في الحوار الدائر تلك النزعة الوطنية التي سادت ووضعت العراق ومصلحته فوق الجميع، وبالتأكيد فان من يقود أحاديث الجلسة ( المضيف ) ويضع في أركان أسس الحوار والمعالجة وهو الشيخ خميس الخنجر، شعرت حينها كم هي الأشياء التي تنقل عنه بائسة مزيفة محورة الغرض منها الإساءة وليس التقويم، فلم يكن الرجل متزلفا مداهنا ومتعصبا لفئة أو أحد، ولم يكن أيضا لا طائفيا أو لا متآمرا ضد مشروع العراق السياسي الحديث كما كان يشيع،بل كنت اشعر بحماسته وموقفه من المشروع السياسي وما يجري على ارض الواقع بعقلانية وخاصة في اشتغاله لتصحيح الأوضاع الملتبسة والمتداخلة في كركوك عبر دعمه للتوجه العربي والتزامه به، لان بهذا النفس العربي العراقي في كركوك سوف يتمخض عنه مواقف كثيرة لكي تدرك الأحزاب المتنافسة خطورة الموقف هناك.
ولكي يكون رأي أكثر عمقا وتحولا في مسار توجه الشيخ خميس الجديد ونظرته إلى صراع الانتخابات وابتعاده كليا عن التخندق الطائفي سواء في خروجه من القائمة العراقية وما تشضى عنها من كتل سياسية صورتها وطنية وباطنها طائفية وهي كغيرها من الكتل الأخرى في هذا الجانب أو ذاك والتي ربما لا تحمل منهجا واضحا، بل تلجا إلى العشيرة أو الطائفة وتلك هي علة العراق.
ربما قد يؤخذ على الشيخ خميس من بعض الكتل المتنافسة بوقوفه ودعمه لقائمة ( ائتلاف الكرامة ) التي ستدخل الانتخابات المقبلة بوجوه من بيئتها معروفة، كونها خرجت من رحم ساحات الاعتصام،فإنها ستحظى بالقبول لدى الناخب العراقي، لكني بالمقابل اعتقد بان توجه الخنجر سيكون سليما من جهة حفظ العراق من التشظي والتداخل مع من يحاول أن يستغل هذه المطالب المشروعة لهذا الاعتصام ويوحلوها إلى صدام عقائدي تأكل الأخضر واليابس والخاسر هو العراق وشعبه، كون تلك الخطوة السياسية ستساعد القوى السياسية التي ستصل للبرلمان ومن ثم الحكومة الجديدة على تفاهمات لحلحلة الوضع في إطار الوطنية والدستور والحقوق، وكنت أتمنى على الشيخ خميس وأعضاء قائمة الكرامة تجميد هذا الاعتصام والاستعداد للانتخابات من دون تأثير قوى داخلية وخارجية على مصير الترشيح والانتخاب، وإبعاد البلد من منزلقات وعرة.
أخيرا ربما أكون متفائلا وأنا اسمع كلماته في مؤتمر القوى السياسية في كركوك الذي أقيم مؤخرا في اسطنبول، quot;أن مبدأ أساسي في رؤيتي للمنهج والمسار الجديد المفترض للقوى الوطنية العراقية وهو طي صفحة الماضي البغيضة ورفض كل روح الحقد والانتقام بين العراقيين في المرحلة القادمة، حيث لا نتقاطع مع احد أبدا وعفا الله عما سلف إلا ما كان متقاطعا مع مبادئ أساسية في أبجدية الأخلاق والوطنية كالخيانة والدم quot;.
نعم،كنت أؤمن وما زلت بمبادئ الزعيم الراحل مانديلا وهو القائل :quot; طوال حياتي وهبت نفسي لصراع الأفارقةquot;، و حاربت ضد هيمنة ذوى البشرة البيضاء, وضد هيمنة ذوى البشرة السوداء أيضا, وقد قدرت فكرة الديمقراطية و حرية المجتمع حيث يكون كل البشر يعيشوا في تناغم و مساواة في الحقوق.وهى مبادئ أتمنى الحياة من أجلهاquot; أن التسامح هو مبدأ الأحرار والثوار.. فكم مانديلا نحتاج للعراق اليوم.