اينما التقيت مجموعات عربية بين اوربا والولايات المتحدة الامريكية من خلال برامج تبادل الطلبة بين الجامعات المنضٌمة لبرنامج التبادل، اجد في كلامهم نفس الاسطوانة المتكررة، ليس في اذهانهم فقط بل في ذهني ايضاً ولا استطيع الخلاص منها: لماذا نحن العرب من سيء الى اسوأ؟ اين الخلل؟ هل الخلل في الدين الاسلامي، في العرف العربي والتقاليد والقيم المتوارثة، ام في المراحل التاريخية التي مر بها العرب على مدئ عشرة قرون !! أهرب من الاجابة لانها دوامة بين الطلبة تبعدنا عن صلب الموضوع الاكاديمي الذي جاءوا من اجله الى الولايات المتحدة. والطريف في الموضوع اننا ثلاثة مدرسين في برنامج الهندسة البيئية، احدهما من الهند، والاخر من تركيا، وانا من العراق، لهذا فان الطلبة العرب الذين أوفدوا من جامعات اوروبية او جامعات امريكية من ولايات اخرى الى جامعتنا، نحن الثلاثة نفتح شهيتهم لان يحرجونا باسئلتهم كوننا ننحدر من اصول شرقية. انا احمل القلق الاكبر على الجيل العربي القادم فهو غير قادر على الانتماء الى الذات العربية بما تحتوي من دين وتراث وتأريخ، لانها ذات متهرئة متخلفة جداً عن ركب الحضارة مقارنةً بمجتمعات كانت اكثر تخلفاً من العرب، وفي نفس الوقت فان الجيل العربي الجديد خصوصاً الدارسين في الغرب لايحب الانتماء والذوبان في المجتمع الغربي.

المجتمع الغربي لا يغير نظرته عن العربي حتى وان نسي اللغة العربية ومارس يوميات الحياة الغربية في كل شيء. في الولايات المتحدة الاميركية الى حدٍ ما افضل من المجتمعات الاوربية لانها بلد جاليات يوظف لغة الاصول لخدمة المجتمع الامريكي لاغراض تجارية وامنية وخدمية وسياسية. مثال على ذلك الجاليات التي تعيش في تكساس وكاليفورنيا واريزونا من اصول امريكا اللاتينية، تستخدم اللغة الاسبانية لدعم الجاليات الامريكية المنحدرة من تلك الاصول في مجال الاعمال، الخدمات والامن. نفس المثل ينطبق على العرب الامريكان في ولايات تضم جاليات عربية مثل مشيكان، كاليفورنيا، نيويورك وغيرها، حيث يتمتع العربي الامريكي بمهارة اضافية (ثنائي اللغة) تضاف في سيرة العمل الذاتية. هذه الصورة تشجع العربي على عدم الانسلاخ عن عربيته ولغته وهناك مدارس باللغة العربية تحرص العوائل العربية الامريكية على ارسال ابنائها لتعلم العربية كلغة ثانية تضاف كمهارة للفرد العربي الامريكي تساعده للحصول على وظيفة مرموقة. هذه الصورة تزيد من تعقيد العربي المغترب الذي يقرأ باللغتين العربية والانكليزية عن الفضاعات التي يمارسها النظام العربي الرسمي والشعبي والتنظيمات المتطرفة وممارسات فردية لايستوعبها الذي يعيش في الغرب. كيف لي ان اقنع العربي المولود او المقيم في الغرب ان الذي وضع قطة في المايكرويف، والذي ذبح المدرس امام طلابه، او قتل سواق الشاحنات الابرياء هم ليسوا عرب وليسوا مسلمين، او الذي افتى بان جندي الحرية نلسون ماندلا الذي وقف لمنهجه العالم اجلالا واحتراماً هو كافر سوف يحرقه رب العرب في النار؟؟ هذه مشكلة حقيقية تثير الاحباط وتبعث على الضياع وتزيد الشكوك في منهجية التفكير العربية من المحيط الى الخليج.

كثير من المثقفين والكتاب العرب يتسائلون : لماذا وصل الفرد العربي، المجتمع العربي، الحزب العربي، الدولة العربية، التنظيمات الاسلامية العربية، والدين الذي يعتنقه العرب. لمذا وصلت كل تلك الوحدات التي تشكل السيستيماتك العربي وتتالف منها 21 دولة عربية الى هذا المستوى الفضيع في التخلف الاخلاقي والقيمي بالدرجة الاولى. نحن لم نتخلف تكنولوجياً فيمكن شراء وتعلم التكنولوجيا بالاموال العربية الوفيرة لاننا اسواق كبيرة جاذبة للتكنولوجيا، ولكن لا يمكننا شراء الاخلاق، العدالة الاجتماعية، الامانة، النظافة، احترام وثقافة القانون، احترام الخصوصية، احترام المرأة، حقوق الانسان، حقوق البيئة، حقوق الحيوان، وغيرها من المثل والقيم المفقودة في المجتمع العربي. على صعيد الفرد، العربي اذا امتلك المال لايفكر بتغيير مجتمعه وبناء مؤسسات ودعم الجامعات والابحاث، بل يذهب الى الغرب لشراء القصور والنساء ويطلي سياراته بالذهب. في حين ان الامريكية انجلينا جولي حين امتلكت المال بنت مؤسستها العظيمة وجابت العالم تبحث عن الفقراء لتقلل من مأساة االشعوب المتأزمة، هناك ثقافة مفقودة في العالم العربي يتمتع بها الكثير من الشعب الامريكي والاوربي وهي بناء المؤسسات غير الربحية. كثير من الناس العاديين يمتلكون الرغبة في مساعدة الاخرين في مجال معين على سبيل المثال في التدريب على مهن معينة، مساعدة الفقراء، دعم و حماية مرضى السرطان، جمعيات دعم مرضى السكر وغيرها، هذه المؤسسات تحصل على دعم مباشر من خلال تبرعات الناس بمافيهم الاغنياء ومحدودي الدخل بالاضافة الى الدعم السنوي للدولة. هناك مؤسسات امريكية يمتلكها اشخاص من عامة المجتمع خرجت عن الاطار الوطني الى العالمي مثل جمعية دعم المجتمعات المتحولة الى الديموقراطية في العالم، مؤسسة حماية المرأة في العالم، مؤسسة الشفافية العالمية المعروفة التي تحدد الدول الاكثر فساداً في العالم، وغيرها. هذه الثقافة ااتي يفتقدها المجتمع العربي ترفع الانسان الى مستوى الرسل والانبياء لا نجد مايشابهها في العالم العربي.

اذن اين تكمن عناصر الضعف والاسباب التي تدفع المجتمع العربي نحو التدهور المستمر في جميع تفاصيل الحياة، هل هي كما اسلفت: الدين العرف، التقاليد ام العوامل التاريخية التي مر بها العرب. باعتقادي كل تلك العوامل مجتمعةً لعبت دوراً اساسياً في تردي احوال المجتمع العربي. نحتاج الى بحث ودراسة عن جذور واسباب منهجية التشظي الفكري في العقلية العربية، والعمل على صناعة قيم حضارية جديدة توصلت اليها البشرية وتينتها مجتمعات متقدمة، وهي عبارة عن خلاصة فكر بشري غيرت العالم بمستوى اعلى من التغيير التكنولوجي. واعتقد ان الامور في تزايد نحو التردي فليس هناك في الافق المنظور جهود فكرية جادة لاصلاح الدين والعرف والتخلص من المراحل التاريخية واسقاطاتها التي القت بثقلها على المجتمع العربي. الاعتماد على شعارات التراث العربي وايات القران تحولت الى مايشبه الاعلان المفروض على شركات الدخان لطبعه على منتوجاتها: التدخين سبب رئيسي لامراض السرطان ! الا انه لايمنع المدخن من شرائه، تماماً كما نقرأ كل يوم انما المؤمنون اخوة ! ولكن هل هناك اعداء للعرب غير انفسهم؟ انها ازمة الذات العربية الممزقة بين قيم بالية وعالم متغير.