انتقلت الراقصة سامية جمال من لائحة المغضوب عليهم اذ كان يسميها الملك فاروق : quot;سمجة جمالquot; ، الى قائمة المرضي عنهم، واصبحت راقصة مصر الاولى في غمضة عين.
أرادت سامية الزواج من فريد الذي ماطل، فأغاظته بفاروق لكنها كانت تعرف في الوقت نفسه ان تعلق فاروق بها مرهون بوجود غريم له. وحين سئمت اللعبة تركت الرجلين معاً وسافرت الى اوروبا والتقت بالمليونير الاميركي عبدالله كنج الذي عرض عليها الزواج فقبلت على الفور.
اما عوامة السيدة ز فقد شهدت اسعد ايام الفنان محمد عبدالوهاب بين 1930 - 1942. كانت هذه السيدة ارملة رجل واسع الثراء وراوح دخلها بين 60 و70 الف جنيه وقتئذ وهو ما يساوي الملايين في هذا الايام. دعت الى عوامتها الوزراء وكبار رجال الدولة واصحاب النفوذ والسلطان وبعض أهل الفن ومنهم محمد عبدالوهاب. يقول عبدالوهاب: quot;رأيتها المرة الاولى في حفلة ساهرة اقامتها في عوامتها، ورأت اعجاب السيدات بغنائي فقالت quot;والله آخذه منهمquot; واعجبت بي واعجبت بها بل عشقتها واحببتها وتزوجتها على رغم انها كبرتني بعشرين عاماً. لم تكن جميلة ولكنها كانت امرأة بمعنى الكلمة، كلها انوثة وحيوية وفتنة. كانت المدرسة التي تعلمت فيها فن الحياة وكانت الاستاذة التي علمتني كيف اقتصد من ارباحي وأكون ثروة. كيف ألبس وانتقي ألوان ملابسي وأنواع ربطات العنق والجوارب والاحذية. كانت خبيرة في الذوق علمتني الحياة، لكن ملك قلبي حب جديد في 1942 جعلني الحن الجندول والكرنك وكليوباترا وكان ذلك طفرة مهمة في حياتي الفنية والشخصية فاسدلت الستار على حبي الاول وزواجي الاول وبدأت قصة جديدةquot;.
من اشهر عوامات مصر عوامة سلطانة الطرب منيرة المهدية كان لها شأن آخر. ففي اثناء ثورة 1919 اصدر القائد العام البريطاني امراً عسكرياً بسجن كل من يذكر اسم زعيم الثورة سعد زغلول ستة اشهر مع الشغل وجلده عشرين جلدة. فاتفقت منيرة المهدية مع سيد درويش على تلحين اغنية quot;يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح، عليك بنادي في كل نادي، يا بلح زغلزل يا حليوة يا بلحquot;. وانتشرت الاغنية واصبحت على لسان الشعب المصري كله كالنشيد الوطني تحدياً لأمر قائد جيوش الاحتلال.
وذكر الزعيم سعد زغلول في مذكراته عن سنوات الحرب العالمية الاولى اسم منيرة المهدية، وكيف ان مجلس الوزراء ومجلس الشيوخ كان يعقد عندها. وروى ان عبدالخالق ثروت باشا واسماعيل صدقي باشا وحسين رشدي باشا رئيس الوزراء اتخذوا اخطر القرارات السياسية في بيتها وعوامتها.
ظلت منيرة المهدية المطربة الاولى في مصر بلا منازع حتى ظهرت ام كلثوم فجأة، وحين سمعتها احست ان العرش الغنائي يهتز تحتها. فهداها مكرها الى حيلة غريبة للقضاء على ام كلثوم التي جذبت المستمعين بصوتها الخلاب. كانت اوسع المطبوعات الفنية انتشاراً في ذلك الوقت quot;مجلة المسرحquot; وكان صاحبها شاب موهوب اسمه محمد عبدالمجيد حلمي الذي كان الناقد الفني في صحيفة quot;كوكب الشرقquot;. كان ناقداً لاذعاً له قلم يشبه الحراب، لكن نقطة ضعفه كمنت في انه شاب صعيدي بريء ليست له خبرة بالغرام. قررت منيرة المهدية ان توقعه في غرامها فدعته الى عوامتها وبعد ساعة واحدة كان يجلس امامها يبادلها عبارات الشوق وهي تلقي البنزين على قلبه المشتعل فتندلع النيران. واصبحت quot;مجلة المسرحquot; مجلة منيرة المهدية وبدأت تهاجم ام كلثوم بضراوة وشراسة. فقد ادعت المجلة ان شاباً اغتصبها وهي صغيرة، وانها توقع الرجال في حبائلها وتعبث بحرمة البيوت والاسر الكبيرة. ورأت ان ام كلثوم يجب ان تغير اسمها الى ام 44 لأن لها 44 قلباً. هذه الحملة العنيفة لم تنل شيئاً من أم كلثوم التي صعدت كالصاروخ في سماء الفن. وحين رأت منيرة ان عبدالمجيد حلمي لم ينجح في هدم ام كلثوم تركته فسقط صريع الحمى والحب واصبح يهذي باسم منيرة. واغـتاظ اصدقاء حلمي وزملاؤه في quot;مجلة المسرحquot; فنشروا لمنيرة المهدية صورة عـلى الـغـلاف وفي يـدها مسدس وكتبوا تحتها quot;الـسيدة منيرة المهـدية كما تريد ان تكـونquot;. ومـات عبدالمجيد حـلـمي وأخذ معه منيرة المهدية الى القبر، قبر النسيان.
لكن يبدو ان اسم العوامة هو تطوير لكلمة سفينة فقد وروى المؤرخ الكبير عبدالرحمن الجبرتي ان شاطئ بولاق كان اكبر منتزه في القاهرة زمن الحملة الفرنسية، وضم اماكن اللهو والسهر والرقص والطرب في السفن السابحة في النيل. وهذه كانت موجودة منذ ايام قدماء المصريين، ولكنها كانت قاصرة على المناسبات فقط، كالاحتفال بوفاء النيل وشم النسيم وعيد الحصاد. ثم اصبحت السفن مكاناً عائماً للنشاط الفني طوال العام حتى ان الشعراء بين عصر المماليك وعصر محمد علي، كانوا يجمعون قصائدهم الغنائية في مجموعات يطلقون عليها اسم quot;السفينةquot;. وكان اشهرها سفينة quot;شهابquot; وهي اضخم مجموعة للأغاني المصرية والشامية جمعها شاعر في كتاب واحد، وصاحبها هو الشيخ محمد شهاب الدين، الشاعر الرسمي لدولة محمد علي، ومن أشهر اعماله القصيدتان المكتوبتان على شبابيك جامع محمد علي في القلعة من الداخل ومن الخارج.
ولم تكن quot;سفينةquot; شهاب - وكان من ندماء عباس باشا الاول حفيد محمد علي - وحدها ما جمعت اغاني ذلك العصر، بل كانت هناك سفن اخرى مفقودة، منها سفينة السيد علي الدرويش، وسفينة الشيخ محمد القلعان وغيرها. وخصصت سفن لشرب الحشيش سميت quot;غرزةquot; ولم تكن عقوبة تدخين الحشيش من العقوبات الجسيمة، بل اكتفت الشرطة باغلاق هذه السفن مدة محدودة. واقترنت نوادر الحشاشين بشخصية quot;قراقوشquot; ويعتبر كتاب quot;الفاشوش في حكم قراقوشquot; الذي ألفه ابن حماتي في عهد الدولة الايوبية الكتاب الوحيد الذي يحوي نصوصاً مكتوبة لهذه الطرائف. لكن ما لم يذكره ابن حماتي في كتابه، ويردده الرواة من ابناء البلد الظرفاء ان حشاشين اتخذوا لهم مقاماً في سفينة على شاطئ بولاق، وفاجأهم قراقوش وجنوده فارتبكوا والقوا ادواتهم في النيل. ثم بدأوا يحركون ايديهم في الهواء كأنهم ينسجون قماشاً. ولما رآهم قراقوش تعجب من أمرهم وسألهم: quot;ماذا تصنعون في هذا المركب؟quot; قالوا: quot;نحن عمال نسيج يا مولانا الامير. ننسج قماشاً لا مثل له في الدنياquot;. فسأل معجباً: quot;وأين أثواب القماش التي نسجتموها؟quot; فقال كبير الحشاشين: quot;هذا القماش لا يراه إلا اولاد الحلال اما اولاد الحرام فلا يستطيعون رؤيتهquot;.
قال قراقوش: هذا فعلاً قماش عظيم وسأصنع منه ثيابي .. ثم انصرف!