كغيره من المبدعين الكبار رحل في دمشق واحد من فرسان الأغنية العراقية والعربية الفنان العراقي الحزين فؤاد سالم عن عمر ناهز الـ68 عاما، بعد صراع طويل مع المرض الذي لازمه طيلة سنوات غربته وحيدا مهموما دون أن يلتفت إليه احد من المهتمين في شؤون الحكومة والسلطة والمال والثقافة في بغداد، فبأس الموت الذي طوي هذا الإنسان الذي كان يوما شوكة في حلق ثقافة عبادة الشخص.

وهكذا يطوي هذا المطرب الكبير حياته الذي عاش أكثر من نصفها في الغربة والمنافي بسبب الظروف السياسية في العراق، وعانى خلال السنتين الأخيرتين من مشاكل صحية أدّت إلى إصابته بتلف في أنسجة الدماغ أفقده القدرة على النطق والحركة، لكنه سيبقى أسمه خالدًا في ذاكرة كل الشرفاء وروحه تطوف فوق فضاء العراق وهو الذي غنى من أعماقه quot;يا طير الرايح لبلادي، أخذ عيوني تشوف بلادي، مشتاق لأهلي الطيبين، مشتاق لهم من سنين، يا عيني يا بلادي quot;.

رحل فؤاد سالم خارج أسوار وطنه حيث كان من المفترض أن يكون معززا مكرما من حكومة هو وغيره ممن سعوا إليها وأكرموها بالجلوس فوق منصة الدولة العليا، فكان جزاءه أن يموت مغبونا مظلوما من وطنه وأهله كعادة كل المبدعين الشرفاء سواء من قسوة النظام السابق، أو من الإهمال المتعمد للنظام الحالي، وكلهما سيؤديان إلى موت الكثير من الشعراء والفنانين والكتاب في المهجر، رحل فؤاد ورحلت معه نغمات الجنوب وأصالة الطرب، وأصوات المحبين الذين تربوا عشقا على وقع كلمات والحان سحر أغانيه، لكنه بالأمس كان مسجى على سرير في احد مستشفيات دمشق، فلا تحرك فعلي ومساعدة لا عند الحاكم اليوم ولا عند المؤسسات الثقافية بكل تشكيلاتها.

لذلك فإننا نكتب ربما فقط للذاكرة يا سادة يا محترمين،فقد تأثر الفنان فؤاد سالم بأساتذته في معهد الفنون الجميلة في بغداد من أمثال quot;سالم شكرquot; وquot;غانم حدادquot; ورغم انقطاعه الاضطراري بسبب مغادرته العراق منذ سبعينات القرن الماضي بسبب الظروف السياسية quot;آنذاك quot;حيث اشتدت الحملة التي قادها النظام ألبعثي ضد قوى اليسار والرافضين له من الشرائح المثقفة، وهي الحملة التي وصلت ذروتها في بداية الثمانينيات حيث تم هجرة عدد كبير منهم، واشتد الخناق على فؤاد سالم، فبعدما فصلوه من معهد الفنون الجميلة؛ مُنع من الغناء في الأماكن العامة، ومنع من دخول الإذاعة والتلفزيون ثم اعتقلوه، وهو القائل : quot;ذات مرة استطعت أن أغني في مكان ما، لكنهم انتظروني في الخارج وأشبعوني ضرباً بأعقاب المسدسات، وجعلوا دمائي تسيل على الأرض، عندها أيقنت أن لا مكان لي في العراق؛ لأنهم سيقتلونني في المرة القادمة، فغادرت العراق وقلبي على كفيquot;.فكانت محطتي الأولى عام 1982 ً إلى الكويت ثم بدأت أتنقل في منطقة الخليج، ثم عدت وأكملت دراستي في جمهورية اليمن الجنوبي مما ساهم ذلك فيما بعد إلى تلحين اغلب أغنياتي.

لكنه عاد بعد رحيل النظام إلى بغداد وحضنه الدافئ مدينته البصرة، عاد واستقبلته قلوب الناس وصفقت له الأكف، لكنه وجد جفاء من سلطة لا تعرف من فؤاد سوى اسمه ومهنته، هي تجهل تاريخه، كما تجهل تاريخ الكثير من أمثاله في غربة الوطن من الداخل أو في غربة المنافي، هكذا هو الوطن اليوم؟؟

وفؤاد سالم هو أحد رواد الأغنية العراقية في السبعينيات، اسمه الحقيقي فالح حسن من مواليد محافظة البصرة قضاء التنومة في عام 1945. عاش معظم حياته في الغربة وهو متزوج من ابنة عمه، وله منها أربعة أبناء، بالإضافة إلى ابنته الكبيرة الممثلة (نغم فؤاد)من زوجته الفنانة الراحلة مي جمال، ويجيد فؤاد سالم من الأطوار الأبوذية (الشطيت والشطراوي والغافلي والحياوي والعياش والملائي واللامي)، إضافة إلى تميزه بالغناء البغدادي،.بدأ الغناء عام 1963 وكان متأثراً بالمطرب العراقي الكبير ناظم الغزالي، وكان يغني في الجلسات الخاصة بمحافظة البصرة وفي نادي الفنون الذي أسسه ورعاه مجموعة من الفنانين والشعراء والكتاب البصريين، فكان أول ظهور علني له مع أول أوبريت غنائي عراقي (بيادر الخير) في بداية السبعينات، الذي أنتجه نادي الفنون بإمكانيات متواضعة، وكان من إخراج الفنان المقيم في أميركا قصي البصري، ثم أتبعه بعد عام بأوبريت (المطرقة)، وكلا الأوبريتين أحدثا ضجة فنية وإعلامية وسياسية أيضًا؛ كون غالبية أعضاء نادي الفنون والقائمين عليه كانوا من التيار اليساري العراقيين أو أصدقائهم.ظهر فواد سالم لأول مرة على شاشة التلفزيون عام 1968 في برنامج (وجه لوجه)، وقد تبناه في بداية الأمر عازف القانون الفنان سالم حسين وهو الذي اختار له اسم (فؤاد سالم) الذي اشتهر به، وهو الذي لحن له أول أغنية في حياته الفنية وهي أغنية (سوار الذهب) وكانت من كلمات جودت التميمي، ثم غنى (موبدينة) للفنان محمد نوشي عام 1975.