ما زالت الهجرة السريّة وحالات اللجوء والتسلل الى دول اوربا عن طريق بلدان شمال افريقيا (ليبيا وتونس والجزائر) صوب جزر وسواحل ايطاليا ثمّ هجرات (المغرب العربي) باتجاه اسبانيا هي الشغل الشاغل للاتحاد الاوربي مع الدول المطلّة على البحر المتوسط في الشمال الافريقي
وعلى الرغم من إحكام السيطرة على الشواطئ من قبل خفر السواحل المغاربة لكن الأمر ما زال مبعثا للقلق . وتحدثنا تقارير الجمعية المغربية لحقوق الانسان عن حصول انتهاكات فظيعة تمارس ضد هؤلاء المتسللين وهم في غالبيتهم افارقة من دول الصحراء في شمال افريقيا والعرب الهاربون من اهوال الحرب والفاقة والمستقبل المظلم ومعظمهم من مصر وسوريا والعراق والصومال واريتريا والسودان ، وكثيرا ما تفضح هذه الجمعيةُ السلطاتِ المغربية بممارسة ابشع انواع القتل والتنكيل ضد طالبي الهجرة السود المسحوقين والفارّين من الجوع والظلم في بلدانهم والعرب النازحين من أوطانهم الجائرة . وتُعرضُ على الرأي العام شهاداتٌ حيّة ومسجّلة على شرائط فيديو لبعضٍ من المتسللين الافارقة الذين تعرّضوا لانتهاكات عنصرية بشعة للغاية والتي تتمثّل بما يلي :
--حدوث عمليات إغراق متعمّدة للقوارب التي تحمل المهاجرين غير الشرعيين وجميعها مدبّرة من قبل خفراء السواحل المغاربة
--معظم الغرقى يقتلون في البرّ قبل ان يرمى بهم في عرض البحر للتمويه
--المعاملة الوحشيّة لطالبي الهجرة وممارسة أقسى انواع العنصريّة بحقّ الملونين quot;السودquot;
--هناك جمعيات فاسدة مضلِّلة ومنظمات المجتمع المدني تتاجر بدون ايّ خجل في مآسي هؤلاء المحبطين بالتواطؤ مع السلطات المغربية لأجل استجداء شيء من الفتات الذي يكرمه الاتحاد الاوربي على المغرب العربي الذي اصبح quot;درَكيا quot; مطيعا لسيده الاتحاد الاوربي ، عدا مايلقاه المهاجر من ابتزاز مالي من قبل عصابات ومافيات الهجرة وذوي القوارب العتيقة غير الآمنة الناقلة لهذه الجموع . ايطاليا هي الاخرى تلعب دورا مريبا في استغلال قضية الهجرة غير الشرعية باعتبارها المحطّ الرئيسي لاستقبال هؤلاء المهاجرين في جزيرة quot; صقلية quot; وفي جزيرة quot; لامبيدوزا quot; في البحر المتوسط فقد استغلت هذا الامر لتحقيق مطامعها ايضا لأخذ مايمكن أخذه والاستحواذ على قدَرٍ اكبر من المال من الاتحاد الاوروبي ، تماما كما يفعل المغاربة من خلال جرائم رجال خفر السواحل ، ومارست إيطاليا مُكرَها الخبيث للاستحواذ على اكبر كمية من المساعدات المالية من شركائها دول الاتحاد الاوربي... ولكي تُظهر حرصها على أمن وسلامة بلدان اوروبا اكثر ؛ جاءت بتقليعة جديدة مفادها ان بعضا من هؤلاء المهاجرين ربما يحمل افكارا متطرفة ومن اعضاء منظمة القاعدة مما يشكّلون خطرا على الامن القومي الاوروبي وهذا ماصرّحت به السيدة إيما بونينو / وزيرة الخارجية الايطالية في نوفمبر/ 2013
والانكى والاكثر غرابة فقد تناهى الى اسماعنا قبل ايام قليلة قيام السلطات الايطالية بممارسات غريبة الاطوار تتمثّل بتعرية المهاجرين وخلع ملابسهم بذرائع شتى منها احتمال إصابتهم بامراض جلدية او تعرضّهم لداء الجرَب اذ قام رجال خفر السواحل الطليان بصحبة الكوادر الطبية بإرغامهم على تعرية اجسادهم بهذا البرد القارس ورشّ جلودهم بالمبيدات وكأنهم مواشي ومطايا امتلأت بالأسن والجذام والبرص ومصابون بقيوح الشرق المُعدية وجرَب أفريقيا العضال
راكبو القوارب المتهالكة هؤلاء يعيشون وضعا اقل ما يقال انه كارثي ، سواء من قبل قادة بلدانهم التي نزحوا منها او شرطة خفر الشواطيء التي ينطلقون من خلالها الى اوروبا وحتى وصولهم الى تراب اوروبا ان كانوا ذوي حظوظ عظيمة ولم يغرقوا في عرض البحر ، فما ان تطأ أقدام طالبي التسلل والهجرة أرض المغرب أو سواحل الدول المطلّة على البحر المتوسط قبالة السواحل الاوربية حتى تبدأ رحلة الخوض في العذاب بحثا عن ارض الميعاد التي ستلمّ الظامئين الى الحريّة والحالمين بالثروة والأمن والاستقرار بعيدا عن بلدانهم الغارقة في الظلم والفقر والجوع والمهانة واستمرارية الحروب والنزاعات ، وحالما يسترخي طالب الهجرة في احدى المقاهي بمن المغرب الساحلية طلبا للراحة يأتيك احد الوسطاء ويناجيك بصوت خافت هامس :
--أتريد الدخان أم الحريق ؟!
والحريق تعني عبور البحر سرّا الى اسبانيا ، ومن هنا تبدأ المساومات على المبالغ وتحديد المواعيد وتوفير الخدمات اللوجستية لرحلة الموت هذه
وتعجّ السواحل المغربية بمافيات الهجرة واصطياد هؤلاء المساكين المتلهفين للعبور ، وإذا كان الحظّ حليفهم ويفلتون من خفر السواحل المغاربة صائدي quot;الافارقة quot; فان غضب الطبيعة لهم بالمرصاد والويل الويل لمن تنحرف مراكبهم المنهكة وتصطدم في صخور جبل طارق الهائلة خاصة اذا عرفنا ان معظم هذه المراكب قديمة الصنع وفي النزع الاخير من الهلاك غرقا
ومن كتب الله له النجاح والنجاة وفور وصول الاكتاف المبللة الى السواحل الاوربية (والأكتاف المبللة تسمية اسبانية تطلق على المتسللين المهاجرين غير الشرعيين ) ويطلعون كالطاعون من البحر كما يشبّههم الاسبان عليهم حينما يرونهم اول وصولهم ؛ تستقبلهم الملاجئ والسجون لتبدأ رحلة مريرة اخرى في ارض قيل عنها انها ارض الميعاد وأيّ ميعاد سوى بدء حياة العذاب ثانية والمستقبل الضبابي غير المرئي وربما المظلم الكالح والبحث عن هوية جديدة وانتماء جديد وصدمات ثقافية في مجتمع يرونه غريب الأطوار يتميّز بأخلاقيات غير مألوفة للمهاجر الجديد
اما في الجزر الايطالية فالوضع اكثر بؤسا ومهانة فهم يساقون كالنعام والمواشي الى معسكرات تشبه تماما معسكرات الاعتقال النازية بعد ان يتم تدقيق اوراقهم - ان وجدت - وخضوعهم الى عمليات استجواب قاسية مرعبة واحدا واحدا دون ايّ اعتبار لواقعهم المزري اصلا
تُرى كم مرة يموت اولئك الفارون وكم قاسوا في بلادهم الأمّ من ويلات الجوع والحرب والنزاعات العِرقية والقهر الذي لايطاق ، وفي آخر يابسة يضعون اقدامهم عليها يرون الموت بأمّ أعينهم حتى لو وطأوا جنان وثرى الرومان أو وصلوا الى بلد مصارعة الثيران
ومثلما يقول المثل الفرنسي : quot; ان ترحل يعني ان تموت قليلا quot; .لكن هؤلاء الراحلين سيلتقون بالموت كثيرا

[email protected]