من خلال الأحداث التاريخية التي تعرضت لها دول العالم وخصوصاً النامية منها quot; دول العالم الثالث quot;، وما يجري في الوقت الراهن من الأحداث، وإختلاف أنظمة الحكم فيها بين جمهوري وملكي وأميري، وإختلاف شكل ممارسة الحكم فيها بين الديمقراطي والأستبدادي والديكتاتوري، وقيام الكثير من المؤسسات والمنظمات الدولية والأقليمية والمحلية التي أخذت على عاتقها المحافظة والمطالبة بحقوق الإنسان و الحفاظ على كرامته.
وفي الوقت الحاضر نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو يطالبين بتطبيق الديمقراطية في كل أنحاء العالم، مستخدمين الكثير من الوسائل من أجل قلب الأنظمة ذات الطابع الديكتاتوري، هذه الأسباب المباشرة التي تعلن عنها هذه الدول ذريعة في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. فهل هناك عاقل يُصدق بأن الدول التي كانت سبباً في إندلاع حربين عالميتين مدمرتين تسببتا في قتل الملايين من البشر ومثلهم من المعوقين وشردت الملايين ودمرت البنية التحتية للمجتمعات تريد وتهمها حقوق الإنسان وترعى مصالحه في كل إنحاء المعمورة، هل من المعقول أن الدول التي تسببت في قتل أكثر من مليون عراقي في غضون عشر سنوات، وتهجير أكثر من مليون ونصف مليون وتدمير البنية التحتية للمجتمع العراقي؟، وتدمير معالمه الحضارية ومنشآته الاقتصادية ونهب تاريخه وسرقة آثاره، والنعرات والخلافات الطائفية التي هيجتها في صفوف الشعب العراقي وعمليات القتل والخطف اليومية التي يتعرض لها المواطن العراقي في وضح النهار وغياب الأمن والأستقرار هي تريد تطبيق الديمقراطية ومهتمة بحريات الإنسان وحقوقه؟، وهل الدول التي قتلت في غضون أسبوعين أكثر من 100 ألف ليبي، وخلفت الكثير من الجرحى ودمرت المطارات الليبية ومنشآتها وسدودها التي صُرف عليها المليارات من الدولارات، وفككت المجتمع الليبي وأصبح السلاح بمختلف أصنافه بيد الشعب الليبي وهناك قتال بشكل يومي بين القبائل؟، فمن يصدق بأنها تريد تطبيق الديمقراطية في المجتمعات النامية..
من يُصدق بأن هذه الدول التي كانت تدعم الديكتاتوريات والأستبداديين ومازالت، بأنها ترعى مصالح الإنسان وحقوقه وتريد تطبيق الديمقراطية في المؤسسات وأجهزة الدولة؟، إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو ترغب بتطبيق الديمقراطية، وتهتم بحياة الإنسان وحريصة عليه كما تدعي وتعمل على تحقيق الرفاهية والسعادة له في الدول وهذا محل شك، فلماذا كل هذه الترسانة العسكرية التي تُصرف المليارات على صنعها والأسلحة الكيميائية والجرثومية التي تقوم بتصنيعها؟، ولماذا تقوم ببيع الأسلحة بمختلف أنواعه للدول النامية والتي تقبع تحت الديون والتخلف والجهل ينخر جسد مجتمعاتها؟، أن هذه الدول بحاجة ماسة إلى التنمية وبحاجة إلى بناء المستوصفات والمشافي والمنشأت الاقتصادية وليست بحاجة إلى السلاح والعتاد من قبل الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.
من يصدق بأن الدول التي أستعمرت الدول الفقيرة وقمعتها وبثت الخلافات والنزاعات بين الشعب ونهبت ثرواته وخيراته تريد مصلحة المواطن في هذه الدول، من يصدق الدول التي ربطت هذه الدول الفقيرة بعقود ومعاهدات أستعمارية غايتها أستغلال ثروات هذه الدول ونهب خيراتها تريد مصلحة الشعب ويهمها تطبيق الديمقراطية. وعليه ظاهر لكل عاقل وقارئ للتاريخ ومطلع على الواقع الراهن يعي بأن غاية هذه الدول هي عودة الأستعمار إلى تلك المناطق ولكن بحلة جديدة وبذرائع شتى ومن أهمها قضايا حقوق الإنسان وحرياته، ولنهب ثرواته والسيطرة على مدخراته ومنابع موارده، وهنا لانبرئ الأنظمة الحاكمة في الدول النامية على كل مايتعرض له الشعب ومحاولات التدخل الأجنبي في شؤونها، فالسبب الرئيسي من وراء التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لهذه الدول ووجود القواعد العسكرية على أرض البعض منها ووجود الغواصات البحرية وحاملات الطائرات في المياه الأقليمية، هو وجود الأنظمة التي تمتاز بالطابع الديكتاتوري والتي قبعت على رقاب الشعب للعشرات من السنين وحرمته حريته وسلبت حقوقه وهانت كرامته وحرمته من ثروات وخيرات بلاده، وصنعت الكثير من الأجهزة الأمنية والتي كانت مهمتها نشر ثقافة النظام الحاكم وبث الرعب والخوف بين صفوف المواطنين، وبالتالي أنتشرت المحسوبية والفساد في مؤسسات الدولة وأنعدمت المساواة بين المواطنين فأصبحت هناك فئات تملك زمام الأمور في الدولة والأكثرية مهمشة محرومة من كل شئ، كل هذه الأسباب المباشرة بالإضافة إلى أسباب أخرى بعيدة كانت سبباً في التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لهذه الدول. هذا من جهة ومن الجهة الأخرة إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو تهتم بمسائل وقضايا حقوق الإنسان وترعاها والشعب الكردي الذي يبلغ تعداده 40 مليون نسمة وهو محتل منذ العقود من قبل أربعة دول ويُهضم حقه وتُنهب خيراته وتُسلب حرياته ومحروم من حقوقه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فلاتتحرك ساكنة لهذا الظلم والإضطهاد الذي يتعرض له الشعب الكردي وخصوصاً من جانب الدولة التركية، فلماذا لاتقوم دول الناتو بالضغط على الدولة التركية وتطالبها بمنح الكرد حقهم في تقرير مصيرهم؟، هذه الدولة التي تستخدم كل الوسائل من أجل محاربة الهوية والثقافة الكردية وتلجأ إلى كل الطرق من أجل قمع الشعب الكردي وتزج به في السجون بدون محاكماة، وتسجن زعيمه القائد عبدالله أوجلان وتمنع عنه الزيارات. وعليه فباين للعيان بأن هذه القوى الكبرى غايتها ليست مصالح الشعوب وتطبيق الديمقراطية في الدول الفقيرة، وتطبيق الديمقراطية التي نعرفها من الحقوق والحريات التي يجب أن يتمتع بها كل المواطنين والمساواة أمام القانون ومبدأ تحقيق الفرص المتكافئة، ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب... إلخ من ماتحمله سلة الديمقراطية، وإنما غايتها هي ديمقراطية الصواريخ والمدافع والحث على قتل الشعب الواحد بعضه البعض وتأجيج الخلافات بيها الأطياف والقوميات وتحريضهاعلى بعضها البعض ليتنسنى لها السيطرة من الجديد على مدخرات العالم ومنافذه.