مع تزايد حالة الإشتباك الداخلي العراقي و تزاحم الملفات الحساسة التي تحتاج لحل سريع وبما يؤمن الحفاظ على حالة السلم الأهلي ومنع الإنزلاق المميت في جولات دموية مريعة في ظل عودة الإرهاب الإنتحاري بشكل بشع من خلال العمليات الإرهابية اليومية التي تزايدت لتشوش على الحراك الشعبي العراقي، تظهر من بين الثنايا و المنعطفات قضية نائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز المقيم في السجون العراقية منذ عشرة اعوام، لتشكل حالة قانونية و إنسانية خاصة ولها دلالاتها و إرتباطاتها الدولية ايضا، فمن المعلوم أن طارق عزيز قد صدر عليه حكم بالإعدام وحكم آخر بالمؤبد، رغم أنه قد بلغ من الكبر عتيا، ورغم كونه يعاني من درزينة من أمراض الشيخوخة الخطرة، كالقلب و البروستات و الضغط و السكر.. وغيرها، إضافة للتقدم في السن، مما يجعل حالته محطا لإهتمام الهيئات الحقوقية الدولية وحيث أصدر عزيز نداءات عدة من داخل سجنه من خلال محاميه الخاص بديع عارف عزت، بل أن المناشدة وطلب المساعدة قد وصل لقداسة بابا الفاتيكان بنديكتوس على إعتبار أن طارق عزيز كان العضو القيادي المسيحي الوحيد في قيادة حزب البعث السابق والراحل، كما أن الرئيس العراقي جلال طالباني و لأسباب عقائدية محضة يرفض توقيع المصادقة على حكم الإعدام منذ سنوات رغم أن عزيز مافتأ يعلن أنه يتمنى تنفيذ الإعدام بحقه ليريح و يستريح! بل أنه أرسل طلبا لنوري المالكي يحثه فيه على الإستعجال في تنفيذ الإعدام!!، ولكن دون جدوى..!، لقد تم إعدام غالبية أعضاء الصف الأول من القيادة البعثية السابقة كعلي حسن المجيد وبرزان التكريتي وطه الجزراوي وعبد حمود و سعدون شاكر.. وغيرهم بإستثناء وزير الدفاع السابق سلطان هاشم الطائي وطارق عزيز الذي يموت ببطء داخل السجن رغم مقابلات محاميه المستمرة له، و السيد عزيز كان يختلف عن بقية قيادة البعث السابقة بكونه رجل علاقات دولية له صداقاته مع العديد من قيادات العالم كالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ( فهو مهندس العلاقة الخاصة بين فرنسا و العراق منذ عام 1972 ) وكذلك صداقته الحميمة مع وزير الحرب الأمريكي السابق ومهندس حرب إحتلال العراق دونالد رامسفيلد! وهي صداقة لم تنفعه أبدا وقت الحشر! بل ظلت شبحا من أشباح الماضي؟، كما أن لعزيز دوره الدبلوماسي الفاعل في إعادة العلاقات الأمريكية/ العراقية عام 1984 و أيام الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان! و لكن تقلبات الزمان لا تعرف الرحمة، وكما يقول المثل الشعبي المعبر : ( إن أقبلت باض الحمام على الوتد... و إن أدبرت بال الحمار على الأسد )!!.. وهكذا هي الدنيا، وهكذا حال البشر في كل زمان و مكان؟.. طارق عزيز له خبرة طويلة في السجون و المعتقلات فهو في ستينيات القرن الماضي كان معتقلا في زنازين نظام البعث السوري بعد الإنشقاق الحزبي في شباط/ فبراير 1966 و الإنقلاب العسكري على القيادة القومية و أودع في السجن الحزبي في حي الحلبوني الدمشقي، ثم أفرج عنه بعد هزيمة حرب 1967 ليعود للعراق ويبتعد حزبيا قبل أن يعيده صدام حسين للواجهة بالضد من رغبة الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر الذي كان يكرهه لأسباب خاصة ليس هنا مجال توضيحها!! فذلك ملف تاريخي وخاص، وطيلة عمله في القيادة العراقية السابقة كان طارق عزيز مكلفا بملفات الثقافة و الإعلام الحزبي و القومي ومنضويا تحت إبط جناح صدام حسين، وكان عمله إعلاميا محضا، فلاعلاقة له بملفات الأمن و المخابرات وأعمال القمع إلا بصفته الإعتبارية بإعتباره عضو في القيادة ويتحمل المسؤولية التضامنية، بعد إنفراد صدام بالسلطة المطلقة منذ صيف 1979 تسلم عزيز ملف السياسة الخارجية و أضحى وزيرا للخارجية العراقية طيلة سنوات الحرب العراقية/ الإيرانية، ووجه النظام البعثي الموجه للغرب وللعالم، وكان له دور فاعل و مشهود في إمتصاص صدمة ضربة سلاح الجو العراقي للفرقاطة الأمريكية ( ستارك ) في مياه الخليج العربي عام 1987 في حرب الناقلات الشهيرة وحيث قتل 37 مارينز أمريكي وقال عزيز جملته الشهيرة ( لقد كان الأمر عن طريق الخطأ )؟؟، في عام 1988 دخل في مفاوضات جنيف مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر ولايتي بعد قبول إيران بقرار وقف إطلاق النار الأممي المرقم 598، ثم جاءت مرحلة غزو الكويت عام 1990 لتتبدل التحالفات و تتغير شكل و أنماط العلاقات، ليكون طارق عزيز في واجهة المشهد الأخير قبل حرب عاصفة الصحراء من خلال لقاء جنيف الشهير مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ( جيمس بيكر ) في أوائل يناير 1991 وقبل أيام قليلة من حرب تحرير الكويت، وحيث رفض عزيز تسلم رسالة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب الموجهة لصدام لأنه إعتبرها إهانة وغير مقبولة! وكان لهذا الموقف ثمنه الغالي فيما بعد!!.. بعد الهزيمة في الكويت عام 1991 خرج من الخارجية ليحل محله محمد سعيد الصحاف، ولكنه ظل مشرفا على السياسة الخارجية رغم حالة الحصار و المقاطعة الدولية الطويلة، وظل رجل المهمات الخارجية الخاصة لصدام حسين حتى الأيام الأخيرة لنظامه.. وبصرف النظر عن أي إعتبارات فإن طارق عزيز كان مخلصا لموقفه، وكان بإستطاعته الإنشقاق أو الرحيل بعيدا ومغادرة سفينة النظام الغارقة كما فعل آخرون من البعثيين و القياديين و الدبلوماسيين، ولكنه لم يفعل، وظل في بغداد حتى سلم نفسه للقوات الأمريكية التي إعتقلته ثم سلمته للسلطات العراقية، و العجيب و الغريب و المثير للدهشة و الإستغراب إن قيادي كمحمد سعيد الصحاف وزير الخارجية ووزير الإعلام الأسبق و المتورط في قضايا مخابرات و إغتيال معارضين وعمليات تعذيب قد عفا عنه الأمريكان و اخرجوه من مطار بغداد في عز الإحتلال في حزيران/ يونيو 2003 نحو الإمارات حيث يعيش اليوم سعيدا؟ بينما تم التنكيل البشع بطارق عزيز وهو لم يكن متورط في جرائم قتل مباشرة، ولم يكن مسؤولا عن أي جهاز أمني، ولاعلاقة تربطه بعوالم القمع والمخابرات ولكنه موالي لصدام حسين، كما انه مجرد منفذ لسياسات ترسم له ويؤمر بتنفيذها وليس صانعا لها بأي شكل من الأشكال..؟! صفقات عجيبة وغريبة، و إختلاط فظيع في الأوراق وفي المعايير... ومع ذلك يظل طارق عزيز يحمل صليبه ويتمنى الإعدام الفوري رغم أن الحكومة العراقية الراهنة ليست بوارد التعامل مع قضيته لأنها متورطة في نزاع مصيري مع أهل الإنتفاضة المشتعلة الجديدة... لقد فشلت جميع الوساطات الدولية في الحصول على إفراج صحي عن الرجل... فهل ترحمه حكومة المالكي و تطلق رصاصة الرحمة عليه؟ عن طريق قيام نائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي بالتوقيع و المصادقة على تنفيذ حكم الإعدام، أم انه يظل يصرخ و يشكو.. رغم أن الشكوى لغير الله مذلة...!... فالمطلوب على مايبدو تعذيبه وليس قتله..!! كل الخيارات محتملة، فالزمن لا يرحم المهزومين..؟
[email protected]