المال وسيلة التبادل البضاعي الرئيسية في عالمنا اليوم.. والمال وسيلة لرفاهية الفرد والجماعة المالكة له.. والمال أيضاً فوق كل هذا وذاك وسيلة للتنمية والإزدهار الإقتصادي والإجتماعي للدول والأمم جميعها دون إستثناء.
وهذا المال يتوزع بين أفراد المجتمع والمؤسسات المختلفة بطرق عديدة تدعى إقتصادياً بطرق توزيع الدخل الوطني أو القومي.. وطرق توزيع الدخل هذه تتم بصيغة المال الجاهز الذي قد يشمل العديد من الأفراد والجماعات والدول خارج إطار البلد المعني أيضاً..
والمعروف أن للمال أغراضاً عديدة تبدو للوهلة الأولى أغراضاً نظيفة وناصعة البياض.. ولكن ما أن يلتقي عامل المال مع عامل آخر ندعوه quot; عامل السياسةquot;، حتى تتوسخ الصورة وخاصة حين يودع هذا المال بأيدٍ بعيدة كل البعد عن النزاهة، وعن الأمانة، وعن الشرف، وعن العفة.
ولعل أولياء أمورنا من القادة العرب الذين بامكانهم التصرف بأموال الأمة دون حساب، خير من يخلط بين المال والسياسة في العلاقات مع الشخصيات الدولية ومع ممثلي الدول الأخرى.
ففي كل إنعطافة حادة وخطيرة يستيقظ قادتنا على إبتكار البدعة القديمة، والجديدة التي كثيراً ما يسعفهم بها بعض محاسبي الإختلاسات المحيطين بهم، أولئك الذين إكتسبوا خبرة عتيدة على مر الدهور والأزمان ممن سبقهم في تزوير أصولات وفي مسح أو صرف الصكوك البنكوية.
وفي إختراع شركات الأوفشور الوهمية لإمتصاص الملايين تلو الملايين من المال السياسي، بحجة شراء عقول ومواقف الشخصيات والدول أثناء الحاجة.
وفي المحصلة، وحالما تزول مخاطر الأزمة وينتهي الحدث وتعود المياه إلى مجاريها، نفاجىء كما يفاجىء الرأي العام كله، بأن هناك الملايين بل المليارات التي أختفت وسرقت بين ليلة وضحاها وبلمحة من البصر ولم تعد موجودة ولا يُعرف أين مكانها!!...
وحتى لو قدر للمحققين أو لأعضاء برلمان الدولة العربية المعنية أن يتوصلوا إلى نتائج ملموسة حول هذه السرقات، فإنهم سيكتشفون بأن هنالك ثمة تواطؤ فئات خطيرة قد تشمل أقرب المقربين لعائلات المهيمنين على الدول!!..
إذن.. المال السياسي الذي أصبح في جيوب حفنة من اللصوص لم يعد موجوداً ضمن خزينة الدول، ولم يعد مخصصاً لأمور التنمية الوطنية، ولم يعد نافعاً للمجتمع، وإنما أصبح في البنوك الأجنبية تحت رقماً سرياً، أو اسماً سرياً، دون أن تصله يد الأمة ودون أن تتعقبه يد العدالة وهو مصون ضمن قوانين البنوك والتي لا تسمح بفضح حجمه ولا إسم مالكه كما دلّت على ذلك الأحداث الأخيرة التي أعقبت الربيع العربي، حيث وجد قادة الدول الجدد صعوبة بالغة للوصول الى سرقات المليارات التي هي من أموال الشعوب!!..
هذه المقدرات وهذه الأموال التي كثيراً ما نقول ونعيد القول : إنها أموال الشعب وأموال الأجيال القادمة أصبحت في مهب الريح، تتلاقفها أيادي اللصوص المحيطين بالحكام بل وإن بعض الحكام العرب ممن سقطوا ومن لم يسقطوا بعد، يتقاسمون هذه الأموال مع اللصوص كما نقرأه ونسمعه في كل يوم عبر وسائل الإعلام المختلفة.. لذلك نقول: أيها المليارديرات الكبار من رسميين وغير رسميين رفقاً بشعبنا وبأجيالنا القادمة، واكتفوا بما سرقتموه من أموال، ودعوا الشعوب تبني حضارتها!!..