تتكاثر، في سورية، الإشاعات التي تتعلق بمصير بشار الأسد، فمرة تقول الإشاعة ان طائرات أقلعت من مطار المزة إلى جهة مجهولة ومنذ ذلك اليوم اليوم إختفى الأسد وفقد أثره في دمشق، ومرة تقول أن أحد حراسه الإيرانيين قد أطلق النار عليه وأن ومصيره غير معروف، ويتوافق تصديق هذه الشائعات غالباً مع وجود حالات إستنفار امني عند محيط مشفى الشامي، وهو المشفى القريب من مقر إقامة الأسد والمخصص غالباً لكبار المسؤلين السوريين.
يعرف أغلب المختصين في علوم السياسة والإجتماع والإعلام، أن الإشاعات ليست مجرد أمنيات تعكس رغبات معينة لدى قطاعات شعبية، وإن كانت هذا الشرط الموضوعي يساعد في سريان مفعولها وإنتشارها بسرعة أسهل، ولكن للإشاعات وظائف معينة ولها أدوات تعمل عليها، وهي في المحصلة صناعة تشرف عليها جهات وأجهزة معينة.
الإشاعات في الحالة السورية لا يطلقها عامة الناس الذين، فضلا عن كونهم لا يملكون أدوات نشرها، فإن ظروفهم لا تساعدهم في ذلك، ولا النشطاء وقوى المعارضة السورية، لا محبة بالنظام طبعاً،ولكن لكي لا يؤثر ذلك في توقعات وتقديرات القواعد المقاتلة، الأرجح ان ذلك من صنع النظام، وحتى نكون أكثر دقة، تيارات في داخل النظام نفسه. تنتمي له وتشكل جزء من هيكليته، ولكن طول الأزمة وطريقة معالجتها وتأثر مصالح هذه الأطراف حولها إلى تيارات متباعدة ومتناقضة مع النظام، وإن كانت تلتقي معه على هدف إسقاط الثورة إلا أن خلافاتها مع النظام تتمحور حول مسألتين:
-الإختلاف حول طريقة إدارة الأزمة، إذ ان بعض هذه التيارات يصطف على يمين النظام وينتقد إسلوبه في معالجة الأزمة ويعتبره إسلوبا ضعيفا ويطالب بالقضاء على الثورة بإستخدام كافة انواع الأسلحة، ويتغذى هذا التيار من حالة الإمتعاض والتململ التي بدأت تظهر بقوة في أوساط البيئة المؤيدة والتي تشكل الخزان الشعبي الذي يزود النظام بالمقاتلين، وقد بدأ هذا الإمتعاض يعبر عن نفسه بقوة نتيجة طول الأزمة وتأخر الحسم وكثرة عدد الضحايا في أوساط بيئة النظام الموالية وخاصة في مناطق جبال العلويين lsquo; إذ تتحدث المصادر عن مقتل أكثر من خمسين ألف مقاتل وبعضها يذهب أكثر من ذلك، كما يؤكد زوار تلك المناطق ان كل بيت في كل قرية فيه قتيل او مفقود.
وقد ساهم هذا الأمر في زيادة الإنقسام داخل بيئة النظام وتظهيره مع الوقت، الأمر الذي دفع ببعض علويي طرطوس إلى رفع شعار quot; لكم القصور ولنا القبزرquot;، وقد إنبنى على هذه الظاهرة تيار ينادي بحسم مختلف ولو أدى ذلك إلى تغيير الوجوه التي تتولى إدارة الأزمة.
-الإختلاف في تقدير المخاطر، ثمة تيار أخر يصطف على يسار النظام، وإن كان اضعف ويتكون غالباً من علويي سهل الغاب وإدلب، وهذه مناطق تماس وتداخل وإختلاط بين المكونين العلوي والسني، وسكان هذه المناطق طالما جرى تهميشهم من قبل علويي منطقة جبلة الذين يسيطرون على زمام الأمور في السلطة والجيش والأمن، وقد تضرر هؤلاء من الأزمة بسبب إما هجرتهم لمناطقهم بسبب قربها من المناطق الساخنة او لا حياته تعطلت وتوقفت مصادر رزقهم، وبحكم العلاقات المتشابكة مع جوارهم السني لا يرون الخطر الذي تمثله الثورة بنفس المنظار الذي يراه علوييو الجبل، لذا فإنهم يميلون إلى حل الأزمة بأساليب أقل دموية تضمن إستمرار تعايشهم مع جيرانهم في المستقبل. وعلى الرغم من ضعف تأثير هؤلاء في السلطة إلا انهم يشكلون نسبة لا بأس بها من الطائفة العلوية.
إضافة لهذا الإنقسام من حول السلطة، ثمثل إيران لاعباً وطرفاً مهماً في عملية الإنقسام داخل أطر النظام نفسه، وقد ساعدت حاجة النظام للدعم والمساندة الإيرانيين إلى تعميق إنكشافه امامها، وتزخيم حالة الإختراق الإيراني في إطار النظام، ولتحقيق أهدافها بطريقة أكثر فائدة وجدوى عملت إيران على تصنيع مراكز قوى تابعة لها داخل النظام والطائفة، ورغم تبعية هذه المراكز لها إلا ان ذلك لا يلغي وجود تباينات بينها قد تشكل بذورا حقيقة للتصادم، وخير دليل على ذلك اللواء المتقاعد علي حيدر الذي يعد من أهم دعاة التشيع ولكنه يوجه إنتقادات علنية لبشار الأسد وسياساته في المجالس العامة وبين أبناء الطائفة.
ويشكل الجيش الشعبي الذي تشرف إيران على تأسيسه وتمويله ليكون ذراعاً عسكرياً لها يضمن حضورها في سورية حال سقوط بشار الأسد، أحد بؤر الإنفجار المتوقعة داخل بيئة النظام إذ تفيد الأنباء الواردة من مناطق الساحل ان هذا الجيش يتكون من أشخاص ذوي مرتبة إجتماعية متدنية ومن عناصر مطعون في أخلاقيتها وذات تاريخ جنائي غير مشرف، وهي لا تلقى قبول عسكريي النظام بسبب لا مهنيتهم وعدم إنضباطهم، حيث يشكلون مع الشبيحة فرقاً أشبه بقوات شركات خاصة لا تعمل من أجل قضية معينة بقدر ما يهمها الكسب والربح وفي سبيل الحصول على ذلك فهي لن تميز بين طرف وأخر بما فيه الطرف الذي تنتمي له ذاته، وهو ما دفع ببعض عقلاء الطائفة العلوية إلى التأكيد بان تأسيس هذا النمط من المقاتلين القصد منه تفخيخ الطائفة وليس حمايتها.
هذه العوامل، بالإضافة إلى غيرها من العوامل الإقتصادية والعسكرية، من المتوقع أن تشهد في المرحلة المقبلة تفاعلاً دراماتيكياً في خضم معركة دمشق التي يستعد الطرفان إلى خوضها بشراسة والتي بدأت نذرها بالظهور في أكثر من مكان مما يعني أننا سنكون أمام مفاجأة قد تخرج الصراع عن سياقه الروتيني والمقدر وتلفت الإنتباه إليها بقوة.