والكلام عن التسوية النهائية للقضية الفلسطينية من خلال quot;حل الدولتينquot; مع التنازلات العربية من خلال التعديلات التي طرأت على مبادرة السلام، يتم على أكثر من صعيد ورسائل متبادلة بين مختلف الأطراف المعنية ودوائر القرار الكبرى يظل السؤال هو أين دور الأردن؟ وما هو دور الأردن؟
ظل الأردن يصرّ على الدوام أن القضية المحورية والمركزية تبقى دائما القضية الفلسطينية وأن تحقيق التسوية الشاملة مطلب أساس ومرتبط بالمصالح الوطنية العليا للدولة الأردنية.
وسواء تمت التسوية كاملة أو منقوصة في غضون أشهر أو سنوات قليلة آتية حسب تعهدات إدارة أوباما التي كانت فشلت في ولايتها الأولى تحقيق أي تقدم على مسار استئناف المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية، أو لم تتم، فإن السؤال العالق الذي يظل يطرح نفسه هو فضلاً عن دور الأردن في مفاوضات الحل النهائي quot;الحدود، الأمن، المصادر الطبيعية، اللاجئين، والقدسquot; هو موضوع التعويضات!
الواضح أن حق العودة صار أمراً بعيد المنال إن لم نقل إنه شطب نهائياً من quot;الأجندةquot; وهذا يعني أن اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في الأردن منذ 1948 و1967 على التوالي وما تلا ذلك من موجات نزوح قسرية أو طوعية سيظلون في أماكن تواجدهم على الأرض الأردنية مقابل تعويضات مالية.
القضية ايضاً تتجاوز المسائل المالية والتعويضات، فهي محتمل بقدر كبير أن تعيد تشكيل الدولة الأردنية بمكوناتها الجديدة بين سكانها الأصليين quot;الشرق أردنيينquot; وأخوتهم الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية انتظارا للعودة التي صارت مستحيلة وعليهم ترتيب أوضاعهم مع الشكل الجديد والهوية الجديدة لهذه الدولة. والتعبير عن الانتماء لها كوطن نهائي.
والمسألة التي تطرح نفسها سواء بسواء، هي أنه إذا كانت هناك تعويضات ستتقرر للاجئين الفلسطنيين مقابل عدم العودة لديارهم الأصل، فكيف يتم بالمقابل تعويض الدولة الأردنية مقابل تحملها القسط الأكبر في رعاية هؤلاء اللاجئين والنازحين منذ 1948 .
كانت وثيقة سربها موقع (ويكيليكس) قبل عامين إشارت إلى إن الأردن الرسمي متفاعل في موضوع تعويض الفلسطينيين أكثر من تفاعله في موضوع حق العودة، فيما أسمته الوثيقة استراتيجية quot;تفوق التعويض على العودةquot;.
وأوضحت الوثيقة بأن بعض المسؤولين الأردنيين يعتبرون بأن الأردن أسقط من الناحية العملية حق العودة من الموقف التفاوضي، لأن شروط وطبيعة المفاوضات لا تسمح بحق العودة، رغم تركيزهم على حق الفلسطينيين في اختيار العودة، إذ تشير توقعاتهم إلى أن كثيراً من اللاجئين لن يعودوا إلى ديارهم في الأراضي المحتلة.
الوثيقة كشفت بأن الحكومة الأردنية تقسم موضوع التعويضات إلى قسمين، يتعلق الأول بتعويضات اللاجئين الفلسطينيين وبصورة فردية، دون تحديد كيفية التعويض، والثاني يتعلق بتعويض الأردن لتحمله عبء الأعداد الكبيرة من الناس في عامي 1948 و1967 بالإضافة إلى quot;الأضرارquot; التي تعرضت لها منشآت الأردن وبنيتها التحتية من قبل الإجراءات الإسرائيلية عبر السنوات، حيث تُعدّ الحكومة الأردنية بين الحين والآخر بدراسات حول الموضوع.
وقالت الوثيقة بأن quot;كثيراً من الشرق أردنيين ينظرون إلى حق العودة على أنه العلاج السحري الذي يمكن من خلاله إعادة تشكيل الهوية الأردنية البدوية أو الهاشميةquot;. على حدّ وصف الوثيقة.
ويرى هؤلاء بأن العودة قد يكون مدخلا لحل مشاكلهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث سيسمح ذلك لهم بشرعنة سيطرتهم الحالية على أجهزة الحكومة والجيش، وسيسمح لهم بالتوسع في مجال الأعمال الحرة التي يسيطر عليها الفلسطينيون.
الفلسطينيون في الأردن منقسمون تجاه حق العودة إلى قسمين، يتشبث الأول منهما في حق حق العودة، فيما يتماهى موقف الطرف الآخر مع الموقف الحكومي الذي يعترف بالعودة ظاهرياً غير أنه يرى استحالته من الناحية اللوجستية والسياسية.
لكن وثيقة (ويكيليكس) تشير إلى ما أسمته quot;الصفقة العظمىquot; بين بعض الشخصيات من ذوي الأصول الفلسطينية مع بعض المسؤولين الحكوميين حيث تتركز على قيام الفلسطينيين بالتنازل عن حقوقهم بالعودة واستبدالها بالاندماج الكامل في النظام السياسي.
ومثل هذه الصفقة تتيح لمؤيدي النظام الهاشمي التغلب على مشكلة تعدد الولاءات لفلسطينيي الأردن، عبر إتاحة فرص العمل في الوظائف الحكومية لهم والتداخل في المسيرة السياسية.
لكنّ بعض الشخصيات الفلسطينية وبحسب الوثيقة، ترى بأن الدعوات لحلٍّ سلميّ شامل يحلّ مشكلة الهوية وحقوق الفلسطينيين في الأردن كجزء من quot;صفقةquot; يتطلب إصلاحاً كبيراً في البلاد، وتحويلها إلى ملكية دستورية بحيث تكون الحقوق المتساوية للفلسطينيين مكفولة.
وأخيراً، فإنه يبدو أن أية تعويضات مالية يجري التفتيش عن مصادر عالمية وعربية لها الآن قد لا تؤول في نهاية المطاف إلى أدي الفلسطينيين بشكل فردي بقدر ما ستكون بحوزة الخزينة الأردنية التي يتعين عليها وضع خطط إسكان وإنماء شعبية لإقامة مدن نموذجية تستوعب ما لا يقل عن مليونين ونصف المليون فلسطيني يعيشون الآ في المخيمات.
لا مكان محتملاً لمثل هذه المدن النموذجية إلا على الطريق الدولي الصحراوي الذي يربط دول الخليج النفطية عبر الأردن وسوريا وتركيا وصولاً إلى أوروبا،، ومثل هذا يجري العمل في شأنه منذ سنوات ولكن في الخفاء على صعيد صانعي القرار في الأردن والأطراف المعنية.. وإن غداً لناظره قريب!