إذا أردت الوصول فلابد أن تحمل الخريطة، وخريطتك للنجاح هي ومضات يجب أن تبرق في عقلك ويتشرب بها وجدانك. هذه الومضات وضعها لنا في كتاب قيم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. الكتاب جاء في 144 صفحة، وقدم للكتاب صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، هذا التقديم الذي حمل معنى كبيرا عميقا، ليشعرنا مدى التآلف والتآخي الذي تنعم به قيادات الإمارات في درب بناء البلد وتنميته.

تنبع أهمية هذه الومضات في كتابنا اليوم من مصداقيتها لأنها جاءت عن تجربة وتطبيق فعلي، الكتاب سيصحبك لرحلة نجاح، ويضع لك روشتة دقيقة ومبسطة ترشدك لطريق التميز، ويؤكد لك أن سعادتك في تحقيق سعادة الآخرين، لكن حتى يمكنك ان تحقق لهم هذه السعادة المنشودة فلابد أن تكون أنت في البداية لائقا نفسيا وانفعاليا وصحيا لتؤدي هذا الدور. صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أراد من خلال صفحات الكتاب أن يجعل الآخرين يستفيدون من تجربته المتميزة المتألقة حتى تعم الفائدة، ويؤكد ذلك بقوله:quot;من أراد أن يترك لنفسه أثرا في صفحات هذا الوطن فالميدان أمامه، ومن أراد أن يبني لنفسه مجدا شخصيا فليعلم أنه حكم علي نفسه بدنو الهمة وكتب نفسه في صفحات المنسيينquot;.

وقد تم تقسيم الكتاب في فصول ليمثل منهج نجاح وأسلوب مدروس في فن التطوير الذاتي للشخصية التي تريد التميز والتفوق.

الكتاب يرشدك، ويضع لك بنود مهمة لتصل، الطاقة الإيجابية، الإبداع،الحفاظ علي الهوية،القدرة على الحلم، إقدم على المخاطرة ولا ترفضها، إحرص على المركز الأول دائما،أيقظ القائد بداخلك،حافظ على التوازن،تعلم خطة الفوز، إحترم وقتك يحترمك،تحدى المستحيل،لا تتردد ولا تؤجل،تعلم كيف تدير أخطاءك،لا تهمل الرياضة. قواعد مهمة جدا عرض لها الكتاب بأسلوب مبسط شيق وسلس ليعلمنا كيف يكون نجاحنا من صنع أيدينا وكيف يصبح في متناولنا بفضل الله.
البداية مع الطاقة الإيجابية، وينصحنا الكتاب بأهمية التوكل على الله وإتخاذ الأسباب، وتأتي الطاقة الإيجابية عندما نتعلم فن التفاؤل، فما ننجزه على الأرض هو انعكاس لما نحمله في نفوسنا، لذلك فالتفاؤل يساعدنا على تحدي العقبات، وإذا لم نستطع تحريك العقبة فلنتحرك نحن، فالصخرة التي تعترض ماء يجري لن يقف لها الماء، بل يذهب يمينا ويسارا ليتجاوزها، وهكذا الإنسان صاحب الطاقة الإيجابية، لذلك إبدأ يومك بطاقة إيجابية وتفاؤل ستحمل وجها أجمل وابتسامة أجمل وروحا أجمل، هذه الروح ستؤثر في المحيطين بك فتسري عدوى الأمل ليخرج الجمال الكامن بداخلهم فيرتد إليك جمالا وتفاؤلا يثري إيجابيتك أكثر، إنها دائرة النجاح. إن عقلك وطريقة تفكيرك هما اللذان يحددان العالم الذي تعيش فيه، وأنت تختار عالمك بطاقة إيجابية أو سلبية فلا تتعلل بالظروف المحيطة أبدا، لأن الطاقة الإيجابية لو عرفت كيف تحوزها ستحول المستحيل إلي مجرد كلمة أو وجهة نظر، وأول ما يعرقل هذه الطاقة عندك أن تقلل من قدراتك أمام نفسك، أو تشتت ذهنك عن هدفك، أعرف قدراتك جيدا وأحترمها وأعمل على تنميتها وضعها في مكان لائق فهي وسيلتك لتحقيق الهدف، ولا تثبط عزيمتك ولا تسمح لأحد أن يفعل، فالجيوش لا تنتصر لأن لديها السلاح والطعام فقط، إنما تنتصر بمعنوياتها وتنهزم بمعنوياتها.

وحتى تتوهج طاقتك الداخلية فلابد أن تتحلى بالإبداع، وكل منا يحمل طاقات الإبداع بداخله، وعليه أن يكتشفها، لأن الإبداع لابد أن يكون جزءا من شخصيتنا إذا أردنا التميز، فالإبداع كما يؤكد الكتاب هو روح النجاح، لأنك لن تستطيع تحدي إنجازاتك السابقة بغير إبداع، ولن تستطيع تغيير واقعك الحالي بدون إبداع، ولن تسبق الآخرين إذا خلوت من الإبداع، والإبداع لا يتحقق بإلقاء الكلمات، لأنه ثقافة راسخة، وحتى نحرزه فلابد من التعلم والمعرفة وألا نخاف من التغيير. ولكن كيف تكون مبدعا؟ تقول لنا صفحات الكتاب، إنك حتى تصبح مبدعا لابد أن تتعود ألا تتعود، فالتعود هو مصدر للراحة، ولأن كثيرين يؤثرون الراحة فهم لا يحبون التغيير ويحاربون من يسعى إليه، لذلك يوجه سمو الشيخ محمد بن راشد دعوى لكل المبدعين:quot;ستجدون دائما من يقاوم أفكاركم، وهذه أولى العلامات أنكم في الطريق الصحيح، وأقول لكل المسئولين، لا تقاوموا التغيير، بل كونوا جزءا منه.

أنت الآن صاحب طاقة إيجابية و مبدع؟ الخطوة الثالثة هي الحفاظ على هويتك، فلابد أن تكون لك شخصيتك المستقلة وتعتز بلغتك وتراثك وإلا صرت بلا جذور فأصبحت هشا، وينتقل الكتاب بعدها لخطوة المخاطرة، لا تخف من المخاطرة بل خف أن خفت منها فأكبر المخاطر ألا تخاطر، وتأكد أنه لا يوجد مشروع بدون مخاطرة، فالتحديات موجودة دائما ومن يصر على الوصول سيصل، بينما الخوف من الإقدام لا يزيل المخاطرة لكنه يزرع الخوف في أنفسنا وفي فريق العمل، والإنسان الذي لا يحاول أن يأخذ مخاطرة في حياته، سيتجنب الصعوبات والمشاكل لكنه لن يكبر، ولن يتعلم، ولن يتغير، ولن يجرؤ حتى على أن يحب، باختصار لن يعيش الحياة.

لذلك خاطر وواجه، لكن بشرط، أن تدرس مشروعاتك جيدا من كل جوانبها وبصورة وافية لتصبح مدركا لحجم المخاطرة، فإذا أدركت حجمها صارت تحت سيطرتك.

والآن إحرص على المركز الأول ولا ترضى به بديلا، وستحصل عليه حتما طالما لم ترض بأقل منه، وأعلم بأن أي شخص يقنع نفسه أنه لا يستحق هذا المركز فقد حكم على نفسه بالفشل من البداية، فإذا أردت أن تجري لمسافة 10 كيلومترات ستشعر بالتعب بعد الكيلو الأول، لذلك فعلى قدر هدفك تكون همتك وعزيمتك وطاقتك، فضع لنفسك هدفا عاليا.

ولأنك الأول فأيقظ القائد بداخلك، وينصح الكتاب كل قائد لدولة أو شركة، أو فريق عمل، أو أي موقع كان، ينصحه بالعمل على توحيد القلوب قبل توحيد الجهود، وإيجاد روح تسري في المكان قبل البنيان، ويؤكد الكتاب علي أن كل منا يولد وبداخله بذرة من صفات القيادة يستطيع أن ينميها، فالقيادة لا يمكن أن نحصرها فقط في القادة الاستثنائيين من ساسة وزعماء واقتصاديين، فمن يستطيع تحسين حياة الناس ويسعدهم هو قائد، ومن يستطيع خدمة الناس هو قائد، ومن يصنع تغييرا إيجابيا في مكان عمله أو مع أسرته هو قائد وتستطيع كل يوم أن تطور القائد الذي بداخلك حتى لا يتقوقع على نفسه فتفقده، فالقيادة فكر وحكمة، وقوة شخصية، وتطلع دائم لمعالي الأمور، لذلك تصرف كقائد فالقائد الحقيقي ليس بالمنصب، بل بتفكيره وطريقة عمله، حتى في وظيفتك البسيطة يمكنك أن تكون قائدا، فلو نظرت لوظيفتك على أنها مجرد وظيفة ستكون أنت مجرد موظف، أنت قائد ولست موظفا، والوظيفة ما هي إلا فرصة لإبراز مواهبك وقدراتك ولتمكنك من إضافة قيمة جديدة لمجتمعك ومراجعيك. هكذا تصبح قائدا.

ولأن الوقت هو الحياة، فلابد أن تحترمه حتي يحترمك، فيقول سمو الشيخ محمد بن راشد في هذه النقطة، أننا جميعا نملك 24 ساعة في اليوم، لذلك لابد أن نتعلم كيفية إستثمار هذا الوقت، وأول الطريق يبدأ من التأكد من أن الأعمال يمكن إنجازها في وقت أقل، ولابد من تحقيق التوازن في حياتنا، فوقت للأهل، ووقت للعمل، ووقت لنفسك ولهواياتك وتطوير مهاراتك، فالوقت هو الحياة ولا يمكننا تخزينه ولا إيقافه، وكل دقيقة من حياتنا لابد أن نملأها بإنجاز أو سعادة أو عمل لآخرتنا، ويضيف: quot;ينظر البعض للسنة على أنها 365 يوما، وأنا أقول لهم أن السنة الحقيقية هي مجموع الأيام التي استثمرتها في تحقيق إنجازات لنفسك أو أسرتك، أو مجتمعك، أو آخرتك، لذلك نظم وقتك، وأعرف أولوياتك، إستمتع بحياتك، أترك أثرا يدل عليك، ولا تسمح لأي شخص بأن يسرق وقتك لأنه يسرق حياتك.

وتحت بند الدفاع عن الحلم وتحدي المستحيل، يعلمنا الكتاب أن المستحيل ليس مقياسا لقدراتنا، لكنه مقياس لإيماننا بأنفسنا، ويؤكد:quot;الحياة كلها تحديات، وقدوتنا في دولة الإمارات في قهر التحديات هي الشيخ زايد والشيخ راشد، لم أر تحديا مر علي زايد رحمه الله إلا واجهه وتحداه وغلبهquot;. ويؤكد أن حجم التحديات التي يتقلب عليها الإنسان هي التي تصنع العظماء، ولن نتمكن من الحكم علي قوة الشخص وقدراته إلا إذا راقبناه في تصرفه أمام التحديات، فالتحديات تبرز أفضل ما في الفرد وأسوأ ما فيه، والخبرة الحقيقية ليست في عدد سنوات العمل ولكن في عدد التحديات التي نتغلب عليها، لأن الحياة السهلة لا تصنع الرجال ولا تبني الأوطان. والمستحيل هو قاتل الحلم، وهو التحدي الأكبر، وكلمة المستحيل هي كلمة اخترعها من لا يريدون أن يعملوا، أو اخترعها من لا يريدوننا أن نعمل، هكذا يقول الشيخ محمد بن راشد في كتابه ويورد الكثير من الأمثلة توضح هذه المقولة، منها مثلا، عندما أرادت الإمارات أن تنافس في مجال السياحة:quot;قالوا لنا من المستحيل أن تقيموا صناعة سياحة في دولتكم الصحراوية الحارة، اليوم يزورنا 10 ملايين سائح سنويا، وقالوا لنا من المستحيل تعمير أبراج في البحر، اليوم أكبر جزيرة من صنع الإنسان في العالم موجودة عندنا، قالوا لنا منطقتكم تملؤها التوترات ولا يمكن أن تستمر فيها تجارة، اليوم نحن أكبر شريك في الشرق الأوسط لأكبر إقتصادات العالم، وقالوا لنا من المستحيل أن يتفق العرب، اليوم دولة الإمارات بفضل الله هي أنجح نموذج وحدوي عربيquot; لذلك فلا شيء اسمه مستحيل إلا إذا أردت أنت أن يكون هكذا.


ويطرح الكتاب فكرة جميلة بشكل مبتكر، فيفسر الاستعجال بشكل يجعلنا ندرك الجانب الإيجابي فيه، بل ونعتبره من نقاط الانطلاق نحو النجاح والتميز، لكنه يضع له شرطا، فحتى يكون الاستعجال إيجابيا لابد أن يكون مدروسا، فيقول أن الاستعجال هو صفة الشعوب الناجحة، فالشعوب الناجحة لا تنتظر المستقبل بل تصنعه، ولا تؤجل عمل اليوم إلي الغد بل تبدأ عمل الغد اليوم، ويضيف:quot;ليس هناك أي سبب يدفعنا للانتظار، فالمستقبل يبدأ اليوم وليس غدا، ولو انتظرنا الغد حتى يأتي سنستمر في تأجيل كل شيء والمستقبل لا ينتظر المترددين، ولأن هدفنا تحقيق السعادة لشعبنا، فلماذا ننتظر؟ السعادة شيء غير قابل للتأجيلquot; ويضيف في جملة أعجبتني جدا:quot;كثيرون يقولون أن المنطقة متوترة إقليميا، وأن الوضع الاقتصادي العالمي متوتر، فهل يجعلنا هذا نقف انتظارا للاستقرار؟ الحل أن نستمر في العمل بشكل أسرع وأكبر لأن التنمية تعزز الاستقرار، والمشاريع تقوي الاقتصاد المضطرب، ثم أن كل شعب لديه طاقة ولابد أن تصرف هذه الطاقة، وأمامك اختياران، إما أن تصرف هذه الطاقة في البناء والعمل وتمنح التفاؤل والأمل، وإما أن أن تصرفها في المشاحنات والمظاهرات والتوترات والحروب.

ولأنك تعمل فلابد أن تخطئ، لذلك يضع لنا الكتاب خطة للتعامل مع الخطأ وكيفية إدارته،ويؤكد أن الخوف من الخطأ هو الذي يعوق مسيرة التقدم، فالخوف يمنعنا من الإبداع والابتكار والتغيير لذلك تصبح تكلفة الخوف أكبر من تكلفة بعض الأخطاء، أيضا الخوف من الخطأ يجعل الإنسان باقيا مكانه لا يقدم جديدا لذلك قد يؤدي إلى الكسل، إعمل وإخلص وإذا أخطأت عالج الخطأ، لكن عدم العمل والركون للكسل هي المشكلة.

ولا ينسى الكتاب أن يقدم نصيحة غالية لمن أراد أن ينجح، فالرياضة التي يستهين بها كثيرون تشكل حجر زاوية في نشاطنا وحيويتنا التي نحتاجها لإنجاز أعمالنا، ويعتب الكاتب علي من يتعللون بأي مبرر لعدم ممارستها، ويؤكد أن كل إنسان يستطيع أن يعلم نفسه ما يفيده ويواظب عليه، فالذي يحكم نفسه يستطيع أن يحكم الآخرين ويحكم العالم كله من حوله، والذي لا يملك نفسه فهو عن غيره أعجز، ويؤكد أيضا أن الرياضة لا تنمي عضلات الجسم فقط بل وعضلات العقل أيضا: quot;ولا أعتقد أنني سأستطيع تحريك فريق العمل عندي دون أن أتحرك أنا شخصيا وأكون في كامل طاقتي وصحتي،لذلك فالرياضة جزء أساسي من برنامجي اليومي، وأمارس المشي يوميا ما لا يقل عن 3 كيلومترات، ومرة أسبوعيا لمسافة 10 كيلومترات، ومرة كل أسبوعين لمسافة 20 كيلومترا، وجودة الحياة ترتبط بجودة الصحة وحجم الإنجاز في حياتك يرتبط بالطاقة والنشاط الذين يسريان في جسدك، وإذا كان الوقت هو الحياة فالصحة هي التي تعطي للوقت معناه وللحياة طعمها.

وأخيرا، كيف تفوز في جولاتك، كيف تخرج منتصرا ناجحا متفوقا؟ خريطة فوز يمكننا أن نستخلصها من هذا الكتاب القيم.، فإذا أردت الفوز فعليك بثلاث خطوات، المعرفة، التدريب، والتوكل علي الله. فإذا قصدنا المعرفة فهي أن تدرس قدراتك جيدا، وازن بين جميع المتغيرات وادرسها جيدا، إعرف قدرات وإمكانيات الوسيلة التي تستخدمها في الوصول لهدفك، تعرف جيدا علي قدرات منافسيك وادرسها جيدا، وتعرف علي ميدان ومحيط وحدود مكان تنفيذ المشروع أو الهدف، وتأكد أن سعة معرفتك أهم من سعة قدرتك، لذلك لابد أن تعرف أكثر من غيرك، فالمعرفة هي أقصر الطرق للفوز. أما التدريب فهو يقدمك لنفسك، يعرفك على نقاط قوتك ونقاط ضعفك بشكل عملي لذلك تقوي نقاط الضعف وتحافظ على نقاط القوة فتزداد ثقتك بنفسك، الثقة بالنفس لابد أن تكون بدون غرور، أو تقليل من المنافس، والتفاؤل بالفوز دون إهمال أدق التفاصيل.

العملية اللازمة للفوز، ثم تتوج كل ذلك بالتوكل على الله لأن النصر لا يأتي إلا من عنده.

بهذه الخطوات والومضات يضع لنا هذا الكتاب المتميز روشتة نجاح لو إتبعناها لفزنا وغيرنا كثيرا من عاداتنا السلبية لنصبح أكثر إيجابية وأكثر تفتحا وأكثر جذبا لفرص النجاح والسعادة من حولنا.