بعد أن كتبتُ عن المرجعية الشيعية والسياسة منها الخوئى، ثم بدأتُ بسلسلة حلقات عن مرجعية السيستانى المقيم فى مدينة النجف من العراق الجريح والمنكوب نتيجة الهيمنة الفارسية الصفوية المعاصرة

من الحلقة السابقة وصلنا إلى المرجعية الضبابية للسيستانى فى تعامله مع السياسة فليس واضحا وصريحا يخرج بنفسه فى صلاة الجمعة ولقاءات فضائية وإعلامية مع الناس كمحمد باقر الصدر (1935-1980) و محمد محمد صادق الصدر (1943-1999)، المؤمنَين بالعمل السياسى والإجتماعى وممارسته، ومن جانب آخر ليس كأستاذه الخوئى والمرجعيات التقليدية الكلاسيكية التى لاتؤمن ولا تتدخل فى السياسة ولاتلتقى بأحدهم فى الداخل والخارج. فالسيستانى رغم عدم معرفته وتخصصه بالسياسة ومتعلقاتها وعدم إيمانه فقهيا على نحو أستاذه الخوئى، لكنه يتدخل فى عمق الأحداث السياسية وله دور كبير فى الإنتخابات والدستور والإئتلافات الشيعية الطائفية الحاكمة والعملية السياسية ولقاء أكبر السياسيين رغم عدم وضوح ما يقوله مباشرة فهو لايظهر فى الفضائيات ولا يصوّر لقاءاته ولا يخرج بنفسه لخطب الجمعة والجماعة واختلاف التصريحات حول لقاءاته وآرائه فإذا أثارت مخاوف سرعان ما يتمّ نفيها فهى ضبابية غائمة باحتراف الفرس وتقيّتهم، تعيش فى الظلام وتخاف النور

بمقارنة بسيطة بين الإحتلالين للعراق، بين الإحتلال البريطانى عام 1914، وبين احتلال 2003. فالإحتلال البريطانى فى القرن الماضى حيث أصدرت المرجعيات الشيعية والسنية الفتاوى ضد الإحتلال وتصدوا للقوات الغازية مثل جدّى المرجع العربى مهدى الحيدرى (1834-1917) من بغداد إضافة لكونه صاحب أول فتوى عام 1914 ضد الإحتلال وخطبَ فى صحن الكاظمية (فيها مرقدا الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد) ببغداد خطاباته التاريخية والذى قاد الثورة حقيقة بكل شجاعة وإباء ثم مراسلته المراجع الآخرين فى كربلاء والنجف وسامراء وغيرها لتحريكهم، فقد خرج أيضا بنفسه وهو يناهز الثمانين عاما مع أولاده حاملا البندقية مقاتلا للإحتلال وهذا ما لايذكره المعاصرون المطبّلون دائماً لدور المرجعيات الفارسية هاملين دور المرجعيات العربية حتى رأيت عشرات المقالات والكتابات حول ثورة العشرين وهى تهمل المراجع العرب كالحيدرى والخالصى والحبوبى وتذكر فقط الفرس ومراجعهم بسبب السيطرة والهيمنة الفارسية فى تحريف التاريخ ومسح التاريخ العربى وتزييفه لمصلحة الفرس والأجندة الخارجية حتى يومنا المعاصر وهو يجانب الحقائق التاريخية

للحقيقة التاريخية وعندما نرجع إلى المصادرالتاريخية المهمّة فقد كتبَ عن (مهدى الحيدرى) العديدُ من المؤرخين المنصفين منهم المؤرخ المعروف والمختص أحمد الحسينى كتابا خاصا أسماه (الإمام الثائر مهدى الحيدري) بالوثائق والمستندات معتبرا الحيدرى هو القائد الحقيقى للثورة ومنذ عدة سنوات أى عام 1914 وليس عام 1920 كما يشيعه الفرس للتغطية على المراجع العرب الأوائل. لقد خرج الحيدرى بنفسه للثورة لسنوات الثورة الأولى وفى جنوب العراق عند جبهات القتال الأمامية وعرّض حياته للخطر مع أبناءه وأسرته ومريديه لمقاتلة الإنكليز بكل بسالة وشجاعة وإباء

وقد ذكرَ أيضاً مرجعية مهدى الحيدرى ودوره وحياته جملة كبيرة من المؤلفات منها أعيان الشيعة، معارف الرجال، الكرم البررة، نقباء البشر، جنة المأوى، أحسن الوديعة فى تراجم أشهر مشاهير مجتهدى الشيعة، معجم رجال الفكر والأدب، الثورة العراقية الكبرى، تاريخ الحركة الإسلامية فى العراق، الشيعة والدولة القومية، دور الشيعة فى تطور العراق السياسى الحديث، النفحات القدسية فى تراجم أعلام الكاظمية، حركة الجهاد1914، البطولة فى ثورة العشرين، كتاب فى دورى الإحتلال والإنتداب ولمحات إجتماعية فى تاريخ العراق الحديث وغيرها. فضلا عن الكثير من الجرائد والمجلات والصحف مثل المرشد، الأقلام، صوت الكاظمين، آفاق عربية وغيرها ومن المهم جدا فهم الخلفيات والإعداد والتهيئة للثورة قبل قيامها من الوعظ والتوعية والإرشاد والقيادة لمهدى الحيدرى منذ 1914 وليس 1920حتى نضجت الثورة واكتملت شرائطها الموضوعية

كان المرجع الحيدرى والخالصى وغيرهما من المراجع العرب فى بغداد يدعون إلى الوحدة الحقيقية بين السنة والشيعة فعندما اشتعلت الفتنة الطائفية آنذاك فى كربلاء لم يقبلوا حكماً غير مرجعية مهدى الحيدرى الذى أسرع بنفسه إلى مدينة كربلاء لإطفاء الفتنة وتوحيد السنة والشيعة وقد خطب فيهم شارحا أنهم أخوة لدين واحد ونبى واحد وقبلة واحدة ولا ضير فى الإختلافات الجزئية الفرعية التى لاتضر بالإيمان ومبادئ العقيدة وبقى فى كربلاء حتى أزال الفتنة ووأدها

وعندها يبرز السؤال لماذا يسيطر المراجع الفرس على المرجعيات الشيعية ونحن نعلم الكفاءات العربية وتميزها وإخلاصها للوطن ومواقفها المشرفة

أما قوات احتلال العراق عام 2003 فلم تكن المرجعيات الفارسية بمستوى الحدث حيث طلب السيستانى عدم مقاومة الإحتلال منذ بداية الغزو وباعتباره مرجعية صامتة ساكتة لايتحدث ولايخاطب الناس (كما قال المرجع العربى محمد الصدر) فقد أعلنه مجيد الخوئى (نجل المرجع الفارسى الخوئى ذى الأصل الهندى كما قال عباس الخوئى) الذى جاء على الدبابة الأمريكية وقتله بعض الشيعة فى النجف عام،2003 إن الخوئى هو الرجل الذى أعلن فتوى السيستانى مع الإحتلال وهو نفسه الخوئى الذى أعلن للعالم من قبلُ فى مجلته النور الصادرة فى لندن، مرجعيةَ السيستانى وسوّقها بعد صفقة فى لندن

وهكذا قام السيستانى بعد تسويقه كمرجعية عليا، فى تخدير الشيعة ومنعهم من مقاتلة القوات الغازية وهكذا كانت القوات المقاومة للإحتلال من الجانب السنى أولا ثم الجانب العربى غير التابع للمرجعيات الفارسية آنذاك كالتيار الصدرى لذلك كان لابد من التواطئ بين السيستانى والقوات الغازية كما ظهر فى ضرب التيار الصدرى لثلاثة أسابيع فى النجف بعد خروج السيستانى إلى لندن استجابة لطلب القوات الغازية

علاقة السيستانى بالنظام الصدامى واضحة وكان جاهزا سريعا فى تلبية النظام بالفتاوى الجاهزة السريعة بلا تردد حتى آخر لحظات سقوط النظام 2003 كما كانت معلنة بالتلفزيون الرسمى فلم يعهد عنه موقفا مشرفا أو دفاعا عن الفقراء أو العراقيين أبدا

لم تظهر مرجعية السيستانى بعد وفاة الخوئى 1992 لعدم أهليته، لذلك ظهرت مرجعيات عديدة لسنين عديدة مثل عبد الأعلى السبزوارى ومحمد محمد صادق الصدر وغيرهم فإنه لم يعهد اجتهاد السيستانى من أستاذه الخوئى إطلاقا حتى وفاته ولكن ظهرت مرجعيته بالصفقة كما قيل عن بعض المرجعيات العربية كما أن الصدر الثانى قد نقد السيستانى بالأسم فى خطب الجمعة والمقابلات واعتبرت الكثير من المرجعيات عدم أهلية السيستانى لذلك وهو ما شرحته سابقا

وشرحت فى الحلقة السابقة ما كتبه السفير الأمريكى بول بريمر فى كتابه (سنتى فى العراق) عن رسائل السيستانى الثلاثين عن الوسائط مع بريمر مثل حسين إسماعيل الصدر (بيت السلام والحوار الإنسانى ومشاريع كثيرة ظهرت بعد 2003 حيث لم يمتلك قبلها شيئا واشتهر بقبلاته وعزائمه الضخمة للمسؤولين الأمريكان مثل بريمر وكولن باول) وموفق الربيعى (مسؤول الأمن الوطنى المعين من قوات الإحتلال) وغيرهم مما يجعل العلاقة مع قوات الإحتلال أحد مصادر قوته وسلطته فضلا عن ملايين الأخماس وغيرها

يسأل البعض فى كيفية صعود مرجعيات فارسية يعتقد أنها لاتملك شيئا فى تاريخها وعلمها وورعها كما يقول بعض المراجع إلى ما يصطلح عليها اليوم ب (المرجعية الشيعية العليا) مع وجود مرجعيات عربية أصيلة أكثر أهلية وإيمانا وصلاحا وخدمة ومعرفة كما ذكرها المرجع العربى محمد حسين فضل الله

السؤال أيضا حول مرجعية السيستانى فى سيطرته وسطوته حتى باتت بوابة السيستانى قبلة للسياسيين الكبار من الداخل والخارج بل الكثير من السياسيين الفاسدين الحاكمين اليوم للقاء السيستانى، رغم أن المقابلة غير مصورة أصلا، ولكنه يخرج من البوابة أمام الفضائيات ليعلن لقاءه بالسيستانى وقد يذكر دعم السيستانى له، وكأنه يعطى صبغة شرعية لمن لايمتلك أهلية. فى الحقيقة ربما يلتقى السياسى والمسؤول بابنه أى محمد رضا السيستانى وليس الأب الذى يحبذ تقبيل الأيادى على الطريقة الفارسية التقديسية خلافا لسيرة الرسول الأكرم القائل (إن تقبيل الأيادى هى حماقة من حماقات الأعاجم) فى جملة من الأحاديث والسيرة بينما كان الرسول يختلط بالناس ويأتى الأسواق ويخطب فى الجمعة والجماعة وكان الغريب لا يميّزه لتواضعه حتى يقول الغريب (أيكم محمد؟) لعدم تمايز النبى على العكس تماما فى مرجعية السيستانى

تكونت امبراطوريات من حاشية المرجعية ودورها السياسى لاسيما محمد رضا السيستانى نجل السيستانى، وصهراه جواد الشهرستانى (مؤسسة آل البيت) ومرتضى الكشميرى (مؤسسة الإمام على) وممثلاه عبد المهدى الكربلائى وأحمد الصافى فى كربلاء، ووكلاؤه فى أنحاء العالم من السلطة والمال والسطوة والنفوذ السياسى ولم يكن بعضهم أى أهلية ولا يملك شيئا معهودا من قبل مرجعية السيستانى ليصبح اليوم امبراطورا يملك المليارات والعقارات والتجارات والترف التبذير والإسراف كما بات من قبله حاشية الخوئى والعديد من وكلائه وفيها إشكالية الخمس ولا يعلم أحد الصادرة والواردة وأين تذهب مليارات الأموال

أمّا الأوقاف والأخماس والحقوق الشرعية فهى بالمليارات لاتذهب للفقراء والمساكين والمحتاجين، وقام السيستانى بتعيين صالح الحيدرى (كان موظفا بسيطا فى دائرة صندوق التقاعد) رئيسا للوقف الشيعى ليتحول إلى مليونير رغم أن الأخير لايمتلك أهلية من العلم أو الورع أو النزاهة أو الكفاءة أصلا مما جعل الوقف الشيعى يمثل رقما عاليا فى الفساد المالى والإدارى والسياسى فضلا عن امتداده وسيطرته على الأوقاف السنية مثل سامراء وغيرها بعنوان استنقاذها من السنة كأنهم غير مسلمين وكما شرحته سابقا

والسؤال المطروح ما هى مواقف السيستانى السياسية أمام الأزمات الكبيرة

كذلك صمته أمام أزمات عظيمة وكبيرة

ومتى يتحرك وأين يتحرك وكيف يتحرك ولماذا سافر إلى لندن 3 أسابيع كاملة عندما طلبت قوات الإحتلال قصف النجف الشيعية

ولماذا مشاريعه الكبيرة والعظيمة فى إيران دون العراق الذى ينعم به والحاجة الماسة للمؤسسات والخدمات والمستشفيات فى العراق الجريح والمنكوب

ولماذا أعلنت مرجعيته فى لندن وصفقتها ومن واءها ليصل مثل السيستانى إلى ما يسمى اليوم بالمرجعية الشيعية العليا

وموقفها من المرجعيات العربية مثل محمد حسين فضل الله

وعلاقاتها الخارجية مع بريطانيا وأمريكا وإيران

وعشرات الأسئلة القادمة

فللحديث صلة فى الحلقات التالية


كاتب عراقى

[email protected]