لم يكن هناك افضل من الملك عبدالله الثاني يوجز أهمّية quot;المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الاوسط وشمال افريقياquot; الذي اختتم اعماله مساء الاحد الماضي بمحاولة جدّية لاعادة الحياة الى عملية السلام في المنطقة.
للمرة السابعة في عشر سنوات، انعقد المنتدى على الضفة الاردنية للبحر الميّت. تميّز المنتدى هذه السنة بتركيزه على اهمية ايجاد فرص عمل للشبان العرب من جهة وعلى محاولته ايجاد مخرج من الطريق المسدود الذي بات يواجه الفلسطينيين والاسرائيليين.
هناك في الاردن ملك لا يقول كلاما عاديا. انه يحاول شرح التحديات التي تواجه الاردن من دون مواربة من أي نوع كان. انه يحاول بكل بساطة القول لأبناء شعبه، ما يعجبهم وما قد لا يعجبهم، بما في ذلك أن الاصلاحات كلّ لا يتجزّأ وأن هذه الاصلاحات السياسية والاقتصادية ضرورة اردنية في ظلّ الضغوط المختلفة التي تتعرّض لها المملكة. في مقدّم هذه الضغوط الوضع السوري واستمرار تدفّق اللاجئين على الاردن الذي صارت نسبة عشرة في المئة من سكانه من السوريين. وهذه النسبة مرشحة لأن تصل الى عشرين في المئة قبل نهاية السنة الجارية. هل في استطاعة دولة تمتلك كمية شحيحة من المياه والموارد الطبيعية مواجهة مثل هذا النوع من الضغوط؟
لم تفقد الضغوط الداخلية والخارجية الاردن القدرة على المبادرة. كانت استضافة quot;المنتدى الاقتصادي العالميquot; على ضفة البحر الميت جزءا لا يتجزّأ من هذه القدرة. قالاردن تعرف قبل غيرها أن هناك حاجة الى حوار جدّي تطرح فيه مشاكل كلّ دولة من الدول العربية، اضافة الى مشاكل المنطقة بدءا بالتطرّف الديني وصولا الى البرامج التعليمية مرورا بالاصلاحات السياسية والبطالة، خصوصا في صفوف الشباب.
ولذلك، لم يجد عبدالله الثاني بدّا من الاشارة، في الخطاب الذي اختتم به المنتدى، الى ان quot;المنطقة كلّها تتميّز بامكانية غير مسبوقة لاحداث تغيير ايجابي حقيقي. دعونا نعمل في المسار الصحيح معا. اننا نشهد في كلّ بلد وكلّ قطاع روحا ابداعية ومشاريع جديدة. لذلك، دعونا نتغلّب على ما تبقى من تحديات ونوفّرالفرص وظروف المعيشة الافضل التي يستحقها الناس في كلّ مكانquot;. الكلام هنا هو عن الناس في كلّ مكان، أي عن مشاكل تربط بين دول العالم بعضها اقتصادي وبعضها الآخر سياسي.
ربط quot;المنتدى الاقتصادي العالميquot; بين السياسي والاقتصادي. وفّرت الدورة التي انعقدت على الضفة الاردنية من البحر الميت فرصة لاعادة الحياة الى عملية السلام الفلسطينية- الاسرائيلية.
للمرّة الاولى في تاريخ النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي، هناك ممثلون للمجتمع المدني الفلسطيني والاسرائيلي ورجال اعمال كبار يبلغ عددهم نحو خمسمئة يطلقون صيحة من أجل السلام على اساس quot;حلّ الدولتينquot;. لا شكّ أن الاردن لعبت دورا اساسيا في دعم هذه المبادرة التي يقف خلفها في الجانب الفلسطيني السيّد منيب المصري. ألقى منيب المصري في البحر الميت كلمة مؤثرة، كانت أقرب الى شهادة تسامح صادرة عن انسان ناجح من نابلس يؤمن بالسلام عرف quot;النكبةquot; وعرف quot;النكسةquot; واصيب عائليا وكان حاضرا في كلّ جهود السلام قبل اتفاق اوسلو وبعده.
لم يتردد وزير الخارجية الاميركي جون كيري في دعم المبادرة الفلسطينية- الاسرائيلية التي باركها أيضا الرئيس الفلسطيني السيّد محمود عبّاس (أبو مازن) والرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس.
لدى التمعّن في كلمات quot;أبو مازنquot; وكيري وبيريس، تظهر ملامح توفّر بعض الامل، خصوصا أن وزير الخارجية الاميركي أخذ علما بالامكانات الكبيرة التي في فلسطين ووعد بتوفير اربعة مليار دولار من أجل استنهاض الوضع في الضفة الغربية. لم يتردد كيري أيضا في الاشارة الى أهمّية البعد السياسي لأي حل، علما بأنّه لم يشر صراحة الى حدود 1967 كمرجعية لأيّ مفاوضات سلام يمكن أن تؤدي الى قيام دولة فلسطينية مستقلّة.
لكنّ بيريس كان في غاية الغموض لدى تطرقه الى المشكلة المتمثلة في ضرورة قيام دولة فلسطينية استنادا الى حدود 1967. كانت هناك عبارتان مفيدتان وحيدتان في كلمة الرئيس الاسرائيلي. تحدّث بايجابية عن quot;ابومازنquot; قائلا: انت شريكنا ونحن شركاؤكquot;. واشاد في الوقت ذاته بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت في العام 2002 بمبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
بعد ما يزيد على عشر سنوات، هناك اعتراف اسرائيلي بمبادرة السلام العربية وبأهمّيتها. هل تلك اشارة الى أن هناك اجواء جديدة في اسرائيل...أم أن ما يقوله بيريس مجرد كلام للاستهلاك الاميركي لا يحظى بالضرورة بموافقة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي هو في واقع الحال الشخص الذي يتحكّم بالقرار الاسرائيلي؟
في كلّ الاحوال، أكّدت دورة quot;المنتدى الاقتصادي العالميquot; أن هناك أملا في احياء عملية السلام انطلاقا من البحر الميّت. انها مصلحة اردنية وعربية نظرا الى أن الهدف الاسرائيلي يتمثّل في جعل العالم ينسى أن هناك قضية اسمها القضية الفلسطينية وهي قضيّة شعب قبل أي شيء آخر.
وسط كلّ ما جرى ويجري، لا يمكن تجاهل الدور الاردني. للاردن مصلحة في عدم طي صفحة القضية الفلسطينية. ولذلك ساهم في اعادة الحياة اليها انطلاقا من البحر الميت. هناك، للمرّة الاولى منذ فترة طويلة تصميم أميركي على التركيز مجددا على القضية التي كانت الى ما قبل فترة قصيرة قضية العرب الاولى، بل القضيّة الاهمّ في المنطقة قبل أن يطغى عليها الحدث العراقي الذي كان زلزالا هز المنطقة كلّها...ثم أحداث quot;الربيع العربيquot;.
تكمن أهمّية الاردن في أنها استطاعت توفير دفع لعملية السلام انطلاقا من quot;الربيع العربيquot; بدل أن يكون هذا الربيع مقبرة للقضية الفلسطينية.
في النهاية لا يمكن الاستهانة بعبدالله الثاني ابن الحسين، أي بمن هو قادر على جعل البحر الميت مصدرا للحياة!