اندفعت الجماهير العربية نتيجة فائض الفقروالأضطهاد والمكبوتات نحو الحراك الثوري بأتجاه.التغييرفي عواصف متلاحقة، واذا كانت تونس مثابة انطلاقتها الأولى، فلن تكون سوريا محطتها الأخيرة.

أرسى هذا الحراك قناعات يقينية بأمكانية انتصاره بعد ان اشتق له قانون القدرة على اسقاط الدكتاتوريات الأثرية الجاثمة على انفاس وافكار واجساد الشعوب، لكن الثمن الذي دفعته هذه الجماهير في فواتير الدماء والأرواح والخسائر الهائلة هل حقق عوائده في محيط هالة الأحلام والتطلعات لحياة جديدة..؟ ام وجد القراصنة بأنتظاره قراصنة الأسلام السياسي بأحزابه وتياراته، نصبت مقصلة لأحلام الأحتجاج الشعبي وصادرت سفن التغيير وماتحمله من انجازات الحراك والثورة بعد اجتيازها بحر المخاطر، وهنا نعثر على ترجمة واقعية لجملة جيفارا الشهيرة، التغيير يقوم به الثوار والشجعان ويحصد ثماره الجبناء والأنتهازيون.

تمظهرات الخيبة تتبدى الآن بوضوح في الحوادث والمآسي التي تخوضها قطاعات ونخب جماهيرية عديدة الحراك في حرب مفتوحة ضد احزاب الأسلام السياسي التي قفزت الى سدة الحكم مستفيدة من مناخ الأمية الشعبية التي اعطى لها فوزا كبيرا في الأنتخابات القفز الى السلطة جعلها تعيد انتاج دكتاتوريات جديدة ونمط حكم استبدادي تحت يافطة الديمقراطية، وهو مايتكشف جليا في العراق ومصر وتونس وربما تعيشه سوريا بعد سقوط الأسد، وبهذا فأن الشعوب الزاحفة على مدارج النار والرصاص لبلوغ (اليوتوبيا) المدينة الفاضلة، سرعان ماتجد نفسها في عمق المدينة الراذلة.

الأشكالية التي اقترحت هذه المفارقة التاريخية بين الحراك الشعبي والمعطيات المتحققة من جرائه، تكمن في غياب قوانين ضابطة وموجهة قادرة على رسم خطوط بيانية له تجنبه السقوط على رصيف الخسارة، بمعنى آخر ضعف البنى الفوقية المنظمة والقائدة لهذا الحراك مع غياب المنهج والرؤية الواضحة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية. اضافة لغياب العدالة الأجتماعية والتشريعات التي تأتي بالتغيير الفعلي لواقع الجماهير التي دفعت ثمن المعركة في حوار الدماء والرصاص وكل انواع الهتك، وهكذا تجد ان الجموع الشعبية تعيش لحظة هيجان طارئ اشبه بالثأرللصمت الطويل، واستنفار ثوري مفاجئ يطيح بالأنظمة الدكتاتورية ويطلق كل مخبوءات الأنتقام، في ردة فعل تستهدف الدولة ومنشآتها التي تستباح في اشتهاء تدميري يترجم لحظة مازوشية يعانقها الثائرون بنشوة جنونية تنتقم بتحدي شرس هيمنة المخاوف ومشاعر الأضطهاد التي سجنته سنين طوال، تلك هي لحظة تفجر المكبوتات.

غياب الثقافة الديمقراطية وروح المواطنة والمؤسسات التي تأخذ على عاتقها بناء وعي الفرد والمجتمع، ونقصد بذلك مؤسسات المجتمع المدني والمعاهد والأحزاب المتمرسة بالسلوك الديمقراطي وثقافة التسامح والتشارك تنعكس بآثار واضحة في مظاهر الفوضى التي تسود بعد التغير..

وهنا تنفتح الآفاق لأحزاب الأسلام السياسي في بسط نفوذها واطلاق تشكيلاتها الهاجعة في المؤسسة الدينية التي تحظى بدعم لوجستي وقدرة تنظيمية كبيرة لاتخضع للمراقبة او العقاب من قبل الأنظمة الدكتاتورية السابقة للتغيير، ولهذا تجد نفسها حاصدة للثمار الطالعة من عواصف التغيير في انتهازية دور يشتغل على اصطياد فرص النجاح التي يحققها الآخرون، ومن هنا ينبغي ان تدرك مرتكزات الحراك الجماهيري هذا المفصل الحيوي وتتدرب على كفاءة التأهيل لقيادة المجتمع والدولة في اطوار منهجية تأهيلية وتحول مرحلي مكتسب لشروطه وشرعيته القانونية زمنيا، والنضج الذاتي للبنى الفوقية والقوى الأجتماعية الجديدة، وليس القفز المياشر نحو الديمقراطية بمشاعر المراهقة السياسية وبهذا تصنع بأيديها دكتاتوريات جديدة تحت سطوة اللحى والعمائم والتعاليم الظلامية في استبداد تتشارك فيه فتاوى غرائزية واخرى قمعية تنتحل صفة تعاليم السماء، دكتاتورية تصادر كل السلطات وتضعها بيد المرشد وبموافقة ( الجماهير) ورضاها ولم يخطئ ماريا فارغاس حينما قال ؛ الدكتاتور لايأتي الا اذا استدعيناه.

[email protected]