1- البشر وكائنات السماء الأخرى في الكون المرئي : معضلة الاعتراف والإنكار؟

هل نحن وحيدون في هذا الكون؟ كان هذا السؤال هو عنوان لأحد فصول كتابي الأول الذي حمل عنوان: الكون: أصله ومصيره، ثم ذهبت إلى أبعد ما أمكنني في هذا الموضوع في كتابي الثاني الذي حمل عنوان: الكون الحي بين الفيزياء والميتافيزياء، وكان عنوان الفصل المخصص لهذا الموضوع هو : السر الكبير، وفيه تفاصيل عما تخفيه الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الغربية من حقائق عن الاتصالات بين سكان الأرض وسكان السماء أو الكائنات الفضائية الذكية، واليوم أعود مرة أخرى لمعالجة الموضوع نفسه من جذوره حتى آخر الاكتشافات والحقائق العلمية المتصلة به في فصل كامل من كتاب : الكون المطلق بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر تحت عنوان البشر وكائنات السماء الأخرى ومعضلة الاعتراف والإنكار وما يترتب عليهما من نتائج وتداعيات. ولنبدأ بالسؤال التالي: هل من المعقول أن يكون البشر من سكان الأرض هم الكائنات الحية الوحيدة العاقلة والذكية والمفكرة في هذا الكون المرئي أو المنظور والشاسع بما يحتويه من مليارات المليارات من الأكداس والحشود المجرية والمجرات والنجوم والكواكب التي تتواجد داخل هذا الحيز الزمكاني الشاسع اللامتناهي الأبعاد تقريباً؟ قلنا سابقاً ونكرر اليوم أن كل الأديان والشرائع والمعتقدات الدينية السماوية والأرضية أشارت إلى وجود مخلوقات أخرى غير البشر ووصفتهم بأنهم أرقى من البشر منتشرين في كافة الأركان الفسيحة لهذا الكون المرئي الرحب ووضعت لها أسماء وتسميات مختلفة، أقربها للذهن الإنساني والمخيلة البشرية هم الشياطين والعفاريت والجن وغير ذلك وكلهم أقوى وأرقى من الإنس رغم تفضيل الإله للإنس على باقي المخلوقات السماوية كما تقول الأساطير الدينية. لاننسى إن فكرة أننا نحن البشر لسنا وحيدين ولسنا المخلوقات الذكية والعاقلة والمفكرة في الكون المرئي ليست جديدة بل قديمة قدم الإنسان نفسه. لقد سبق لجون ميلتون John Milton أن قدر بأن تكون النجوم أو الكواكب أو الأقمار المحيطة بها مسكونة من قبل كائنات ومخلوقات فضائية، إما أن تكون لها نفس فسيولجية ومقومات وخصائص وصفات وماهيات ومكونات البشر الأرضيين أو تختلف عنهم اختلافاً جذرياً وجوهرياً وفي كل شيء تقريباً. ومن الطريف ذكره أن كتاب روايات الخيال العلمي من جول فيرن Jules Verne إلى إسحق آسيموف Isaac Asimov ومعهم مخرجي أفلام الخيال العلمي منذ نشأة السينما إلى اليوم، تخيلوا مختلف أصناف وأشكال الشخصيات والمخلوقات الفضائية أو اللابشرية، من الأكثر شبها بالبشر إلى الأكثر غرابة Les Extraterrestres التي عجت بها أفلام ومسلسلات شهيرة مثل حرب النجوم وستار تريك وبوابات النجوم وغيرها، لذلك لم تكن فكرة وجود مخلوقات تختلف عنا أو تشبهنا قادمة من الفضاء الخارجي غريبة بل يمكننا القول أنها باتت مألوفة بعض الشيء للكثيرين من سكان المعمورة المسماة الأرض.

لقد تصدى في الآونة الأخيرة علماء مرموقين وعلى مستوى عالي من الجدية والصرامة العلمية لهذه الأطروحة، وانتقل أكثرهم من مرحلة التجاهل والتردد إلى مرحلة القناعة والاهتمام وراحوا يبحثون عن الكواكب المأهولة بالسكان او القابلة لاحتضان الحياة فيها سواء في شكلها الخليوي البدائي الأولي أو في شكلها المتطور. بل إن بعض العلماء قدر عدد الحضارات الفضائية المتطورة بأكثر من مليون حضارة في مجرتنا وحدها وهي مجرة درب التبانة.

بدأت مقاربة العلماء لموضوع الحضارات الفضائية أو الكونية الذكية والمتطور تتغير بين أعوام 1959 و 1962 وتحولوا من اللامبالاة والاحتقار إلى الاهتمام والبحث العلمي الجدي وفق تنامي تطور العلوم والتقنيات في كافة المجالات. كانت أول إشارة على هذا التحول في 19 أيلول سبتمبر 1959 وهو تاريخ ظهور مقال في مجلة الطبيعة Nature العلمية الجادة الإنجليزية Natur ذائعة الصيت والمعروفة بجديتها وصرامتها وكان المقال تحت عنوان : بحثاً عن إمكانية للاتصالات ما بين النجمية agrave; la recherche de communications interstellaires وبالإنجليزية Searching for interstellar communications وبتوقيع عالمين معروفين ومرموقين هما فيليب موريسون philip morrison و هو أستاذ الفيزياء في معهد ماسوشوسيت للتكنولوجيا Massachusetts Institut of Technology والمعروف بــ MIT وغيوسيب كوكوني Giuseppe Cocconi العالم الفيزيائي والباحث في المركز الأوروبي للأبحاث النووية Centre europeacute;en de la recherches Nucleacute;aire المعروف باسم سيرن CERN بالقرب من جنيف على الحدود الفرنسية السويسرية، ولقد ورد في فحوى المقال حرفياً التساؤل التالي: لو وجدت في مجرتنا درب التبانة حضارات فضائية متطورة ومتقدمة تكنولوجياً، وإنها ترغب في الاتصال بنا أو بمجتمعات أخرى على الأرض أو خارج المجموعة الشمسية فمن المحتمل أنها ستقوم بإرسال إشارات كهرو راديوية أو إشعاعات كهربائية Radio eacute;lectriques وعلى طول موجة معروفة ومنتشرة في الكون المرئي ألا وهي طول موجة الهيدروجين المحايد الذري eacute;mission radio de Lrsquo; Hydrogegrave;ne neutre atomique بتردد 21 سم. وهي التقنية التي كانت معروفة سنة 1959 لذلك اختارها العلماء كوسيلة للتواصل والاتصال المحتمل والممكن مع الحضارات الفضائية الذكية المتطورة وليس الاكتفاء بالتخمينات بشأنها. وهكذا ولد مشروع أوزما projet ozma وفي نفس تلك الفترة الزمنية كان هناك عالم آخر معروف هو فرانك دريك Frank Drak يتابع في مرصد ناشنيونال راديو الفلكي في غرين بنك National Radio Astronomy observatory of Green Bank نفس الجهود خاصة بعد نصب أول تلسكوب راديوي عملاق على تلال فرجينيا الغربية حيث أعتقد العالم دريك أن من السهولة استخدام هذه الآلة للالتقاط أو تلقي إشارات إشعاعية راديوية من النجوم القريبة. وفي أعقاب الاهتمام الذي أثاره مقال موريس وكوكوني ومساهمة دريك شرعت الأوساط العلمية للمرة الأولى سنة 1960، وفي إطار مشروع أوزما، بمحاولة للالتقاط إشارات تدل على وجود أشكال من الحياة المتطورة في الفضاء الخارجي قد ترسل لنا عمدا أو على نحو غير مباشر وغير مقصود إشارات تشعرنا بوجودهم أي أن البشرية كانت متيقنة بوجود تلك الحضارات وإلا ما أنفقت كل تلك الأموال والأجهزة والعلماء بغية إجراء الاتصالات معها. قام الفريق العلمي المكلف بالمهمة بنصب التلسكوب الراديوي العملاق وتوجيهه نحو نجم توستي Tau Ceti وهو نجم قريب إلينا ويشبه نجمنا الشمس. واستمر فريق دريك إلى يومنا هذا بالبحث عن الإشارات الفضائية، وكانت أول جولة قد استغرقت ثلاثة أشهر من العمل المتواصل والدؤوب ولكن لم يستطع الفريق التقاط أية إشارة صريحة أو مشفرة من الفضاء الخارجي من الحضارات الفضائية المتقدمة. وتوسع البحث حيث شمل نجم إبسلون إيردان Epsilon Eridane وهو أيضاً قريب ويشبه الشمس كذلك. وبعد جهد كبير تم تلقي إشارة واضحة ومنتظمة صناعية وليست طبيعية إلا أن التحليل المعمق للإشارة بين أنها جاءت من طائرة كانت تحلق فوق المنطقة. ومنذ العام 1960 انطلقت برامج أبحاث أخرى عديدة في هذا المجال إلى جانب مشروع أوزماOzma بيد أن نتائجها كانت سلبية مما عرضها لتقليص التمويلات المالية التي كانت مخصصة لها.

وكانت ذروة تلك الجهود الحثيثة في مجال البحث عن الحضارات الفضائية قد تكللت بتنظيم مؤتمر دولي حول الموضوع في نوفمبر 1961 في مرصد غرين بنك Green Bank شارك فيه أحد عشر من فطاحل علماء الفيزياء والفلك للبحث في مسألة الحياة الذكية خارج الأرض La vie Extraterrestre intelligente وقدمت في ذلك المؤتمر أبحاث علمية في غاية الأهمية.

كان من بين المشاركين فرانك دريك وكارل ساغان Carl Sagan اللذين صاغا معادلة رياضياتية غدت شهيرة في جميع أنحاء العالم عن العدد المحتمل للحضارات العاقلة والمتطورة التي يمكن ان تكون موجودة في مجرتنا درب التبانة وعرفت تلك المعادلة بمعادلة دريك ساغان Lrsquo;eacute;quation Drak-Sagan أو المعادلة الجوهرية Lrsquo;eacute;quation fondamentale.

كما عرفت تلك المعادلة العلمية أيضاً بإسم معادلة غرين بانك Lrsquo;eacute;quation de Green Bank والتي شارك في وضعها العالم الحائز على جائزة نوبل ملفين كالفن Melvin Calvin برفقة علماء معروفين ممن يتمتعون بمكانة علمية رفيعة مثل كارل ساغان Carl Sagan و أوتو ستروف Otto Struve و فيليب موريسون Philip Morrison و سو شو هيونغ Su Shu Huang وكانت غايتها أن تحسب الحد الأقصى والأدنى للحضارات الكونية التي تحوي حياة عاقلة وذكية متطورة ومتقدمة تكنولوجياً وقدرت تلك المعادلة العدد الأدنى بـ4 آلاف والعدد الأقصى بـ 50 مليون في مجرتنا درب التبانة وحدها حسب نتيجة هذه المعادلة N = R*x Fp x Ne x Fl x Fi x Fc x L حيث يرمز كل عنصر من عناصر المعادلة إلى مايلي:

N: يشير إلى عدد الحضارات القادرة على الإتصال.
R*: يشير لمتوسط عدد النجوم المشابهة والمعادلة لشمسنا التي تولد كل سنة في مجرتنا (يعتقد ان عدد النجوم في المجرة يقارب من125 إلى 200 مليار).
Fp: ويشير إلى عدد النجوم القابلة لاحتواء كائنات حية.أي عدد النجوم التي حولها كواكب(التعداد الحالي يضع النسبة بين 20% و 50%).
Ne: يشير لمتوسط عدد الكواكب التي تدور في فلك شموسها والتي توفرت فيها الشروط اللازمة لنشوء وتطور الحياة فوقها. طبعاً الحياة كما نعرفها وندركها نحن البشر على الأرض.

وهو يشير إلى عدد الكواكب الممكن تواجد حياة عليها(لكل نجم ذي مجموعة كوكبية يمكن ان يتراوح عدد الكواكب الداعمة للحياة بين كوكب واحد و 5 كواكب).
Fl: ويشير إلى متوسط عدد الكواكب التي يمكن أن تتطور فيها الحياة. (النسبة تتراوح بين 100% وتتدنى إلى أعلى من 0% بقليل).
Fi: ويشير لمتوسط عدد الكواكب التي يعيش فيها أقوام وكائنات ذكية بلغت حداً من الاستقلالية في الفعل والعمل (التعداد يتراوح بين 100% ويتدنى إلى أعلى من 0% بقليل).
Fc: ويرمز لقسم من الكواكب التي تحتوي على شعوب متطورة توصلت إلى مرحلة متقدمة وحضارة تقنية رفيعة والراغبة أو القادرة على الإتصال بغيرها.

L: ويشير إلى متوسط عمر حضارة، نظراً إلى أن حضارتين متشابهتين ومتعادلتين لاتمتلكان أية فرصة للتلاقي والاتصال فيما بينها بسبب المسافات الكونية الهائلة التي تفصل بينهما ـأي أن هذا الحرف يرمز إلى الفترة الزمنية التي خلالها يكون للحضارة الذكية القدرة على إرسال إشارات في الكون قبل أن تفنى (يمكن أن تكون الإجابة جزء في مليار من حياة الكوكب المتواجدة عليه تلك الحضارة و يمكن أن يكون جزء في المليون). كانت المشكلة تكمن في الأعداد والأرقام التي توضع بدل الحروف لمعرفة التقديرات والاحتمالات لذلك لجأ العلماء لمبدأ البساطة أو التبسيط principe de simpliciteacute; في اختيار الأبسط والأسهل وليس الأصعب والأكثر تعقيداً. وكانت النتائج تقريبية قابلة للتقليل أو الزيادة.

وكان فيرنر فون براون Warner Von Braun مخترع القنبلة الذرية وعالم الفيزياء النووية الشهير قد أعرب في كتاب quot; وجود الكائنات الفضائية عن وجهة نظره بهذا الصدد قائلاًquot; أننا لا يمكن أن نكون المخلوقات الوحيدة العاقلة في هذا الكون ولا يمكن أن يكون هذا الكون الشاسع خالي من الحياة الذكية عدا ما هو موجود في كوكب الأرض الذي لا يمثل أكثر من ذرة غبار في صحاري الأرض مقارنة بعظمة وحجم الكون وبالتالي لا يمكن أن يكون الكون عبثياً ومجرد أكسسوار للأرض والحياة البدائية فيها وإنما يحتوي بكل تأكيد على حيوات عاقلة وذكية ومتطورة جداً وتسبقنا بملايين السنينquot; ويقول علماء آخرون أن تلك الحضارات الكونية المتقدمة تراقب كوكبنا وترعاه عن بعد وتسجل كل ما يجري فيه من تطورات وأحداث على مر الزمن وتقوم بأرشفة تاريخه، وسوف تعرض علينا تلك الوثائق Documentations السمعية البصرية والمجسمة لتكشف لنا كل شيء بما في ذلك سر الحياة وأصل المادة ومصير الوجود ولكن بعد أن ينضج الإنسان بما فيه الكفاية ويصبح عقله جاهزاً لتقبل الحقائق كما هي لا كما وردت إليه بأقلام البشر والمنتفعين وأصحاب المصالح وعقولهم القاصرة، والذين قاموا بتشويه ومسخ حقيقة ما جرى منذ ملايين السنين إلى يوم الناس هذا. فالحضارات الكونية العديدة التي زارت الأرض منذ ملايين السنين وحتى عصرنا الحاضر تكتفي بالمراقبة عن بعد وبالاتصالات المحدودة والمنتقاة بعناية فائقة مع نخبة من البشر، من العباقرة والعلماء والمفكرين، والتدخل لإنقاذ الإنسانية من تدمير نفسها بنفسها في حالات الضرورة القصوى ولكن بصورة خفية وغير معلنة. يتبع