في مصر انقسامٌ حاد، يرتد في جوهره إلى المسار الفكري الذي يقترحه كلُّ طرف، مع ارتداء الطرفين شعارات ومواقف سياسية خارجية غير متباعدة.
هذا الانقسام ينكشف في لحظات الحسم، واشتداد الصراع، ويسفر عن مرجعيات مختلفة، فالإخوان المسلمون، يريدون مصر، في المآل الأخير، إسلامية، وفي النهاية تنال ما يسمونه أستاذيةَ العالم، بالإسلام.

والجبهة المعارضة لهم، على اختلافها، تريد مصر مصريةً في المقام الأول، ولا يخلُّ بذلك حزبُ النور السلفي؛ لأن اختلافه مع الإخوان أقرب إلى التكتيكي، وفي التوقيت والتقدير..

هنا نرتد إلى الخلاف الذي بدأ ينشعب مع خضوع مصر للاحتلال البريطاني، حول فكرة الوطنية، ومفهومها، ففي حين رأتها بعض القوى المصرية لا تتنافى والارتباط بالدولة العثمانية، كالحزب الوطني، بقيادة مصطفى كامل، ثم محمد فريد، رأى آخرون في الوطنية متعارضة مع العثمانية، وحتى الإسلامية. كما كان أحمد لطفي السيد، وسلامة موسى اللذان دعَوَا إلى مصر الفرعونية.

ومع أن الإخوان المسلمين لا يتنصلون من مصريّتهم، ولا يُغفلِون أثرَ النجاح فيها على استكمال سائر المراحل، إلى العالميّة، إلا أن اللغة والتوجهات والصبغة لا تخفى، برغم البراغماتية التي تتيح لهم المراوحةَ بين الواقعية والأيديولوجية.

وهم من جهة البراغماتية والمقاصديّة يتوسعون حتى انتقاد القوى الليبرالية، كما في العلاقات الخارجية، ولا سيما بأمريكا وإسرائيل.
هذا هو الخلاف في عمقه، وليس ناشئا، عند التدقيق، من الملفات الخارجية، ولا حتى في الاقتصادية؛ لأن الطرفين يقبلان بالعلاقة مع أمريكا، بل يحرصان عليها، وعلى كسب تأييدها، وهم لا يختلفون على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأنَّ مصر ليست الآن، في وارد نقضها، والتنصل منها.

والسياسات الاقتصادية لا اختلافَ جوهريا عليها، في هذه المرحلة على الأقل، وإن كانت المنافسة السياسية تقتضي ادعاء كلِّ طرف القدرة والخبرة الأكبر للنهوض بأعباء مصر الاقتصادية المزمنة، والمتراكمة.

وأما الجانب الاجتماعي فهو قريب من بؤرة الخلاف؛ لأنه أوثق ربطا بالجانب الفكري العقدي، وهنا جانب الحرية، أو هامش الحرية الذي يثير الكثير من مخاوف غير المتدينين المسلمين.

وفي حالة الاضطرار إلى التوافق فإن الطرفين يطويان إلى حين هذا الخلاف الفكري، إلى حين القدرة على الحسم، وفي حال انفضاض الفرص الوفاقيّة، أو اعتقاد كل طرف أنه قادر على الحسم، كما هو الآن، مع أن هذا الحسم لا يظهر، حاليا، جليا، لصالح أي طرف، فلو حكم الإخوان، وحدهم، لن يكونوا قادرين، على حكم مريح...

وقد حصل شيء من هذا، إذ انفرد الإخوان وحلفاء لهم من التيار الإسلامي بالحكم؛ فلم يتمكنوا منه، فعلا؛ لأن أجهزة الدولة والمجتمع المدني لم تتعاون معهم إلا بالحد الأدنى، قد لا يكون ذلك نتيجة تآمر ما، قد يكون لأن تلك الأجهزة، كالشرطة، والجيش والإعلام، لم يتقبلوا قيادة الإخوان نفسيا، وواقعيا، وهم لم يُبنَوْا بناء إخوانيا، بل بناء مناقضا.

بالطبع ثمة أسباب أخرى، ولها تأثير على عامة الناس، وعلى خاصةٍ منهم، كذلك، من مثل استئثار الإخوان بالسلطة، أو ما يبدو ظاهريا، كذلك، وشخصية الرئيس، محمد مرسي التي لم تتمتع بقدرات قيادية واضحة، وكذلك تعثر الحياة اليومية، أو ازدياد تعثرها، بالأحرى، وهذا السبب الأخير كان الإخوان أحرصَ الناس على تفاديه، لكنهم لم يمتلكوا الأدوات الكافية لذلك، أو لم يُمكَّنوا منها، أما شخصية الرئيس فلم تكن هي اختيارَهم الأول، إنما اضطروا إليه، بعد أن أُجهض خيرت الشاطر، مرشحا للرئاسة.

لكن الصراع الدائر في مصر الآن، في حدته وعمقه، وتأجج العاطفة، لا ينبىء عن تنافسٍ سياسيٍّ، فقط، وإلا فإنَّ داخل الجبهة المعارضة خلافات سياسية، وتنافسات قوية.

[email protected]