لست مصريا و لا احب ان اكون، و لست معنيا بالكتابة في الشأن المصري و لم اكتب في حياتي سوى مقالات ثلاث عن هذا البلد مع بعض التعليقات السياسية للتلفزة الكردية العراقية مؤخرا.
لكن ما جرى قبل ايام بحق المتظاهرين العزل المسالمين في ميداني رابعة العدوية و النهضة من حرق جثث و اصطياد النساء و الاطفال بالقناص و التنكيل بهم بالايادي و الارجل حز في القلب حرقة و في المآقي دمعة.. ولاشك ان حزازات الوجع و الالم غيمت في سموات قلوب الضمائر الحية بغض النطر عن الدين و المعتقد و الطائفة و القومية.
الاخوان منذ نشوئهم في عشرينيات القرن المنصرم مروا باوقات عصيبة و مريرة قاربتهم من الفناء و الزوال، لكن في كل مرة مثل طائر الفينيق يبعثون من الرماد، و السر في هذا لجوئهم للمبدأ الحسيني الكربلائي الذي يعتمد على المظلومية و النصر بعيد الامد.
الحسين بن علي عندما توجه الى الكوفة كان يدرك جيدا انه ميت لا محال، ذهب و هو اعزل من كل سلاح و من كل نية مسبقة للقتال، كان بصحبته اهله و ذويه من اطفال و نساء، و حدث له ما حدث، وقتها تصور قاتل الحسين انه فاز و انتصر عليه و لم يك يدرك ان التاريخ سيخلد انتصار الحسين بمظلوميته و يخلد خسارته (قاتل الحسين ) باجرامه.
بمماثلة حسينية استطاع الاخوان في عهد الملك فاروق و عهد جمال عبد الناصر و عصر السادات و عصر مبارك و في كل انتكاسة كانت تواجههم ان يصوروا انفسهم مظلومين و يعودوا منتصرين من جديد بصورة اقوى من سابقتها، ذهب الملك و ذهب ناصر و ذهب السادات و ذهب مبارك، فنيت مبادئهم و كشفت مثالبهم و مساوئهم، بقى الاخوان و بقيت مبادئهم و قيمهم،جيدة كانت ام سيئة.
محط التامل ان ما ارتكبه الجيش المصري في عهد السيسي بحق الاخوان لم يجرؤ على ارتكابه في عصور الروؤساء المصريين السابقين لذا كان هذا الجيش يحظ بقدر لا بأس به من الاحترام و المهابة، لكن اليوم و بعد مجازر رابعة و النهضة فقد هذا الجيش قدرا كبيرا من الاحترام المحلي و الاقليمي و الدولي، و يعتبر الكثير من المراقبين و المحللين السياسيين المحايدين ان ما قام به هذا الجيش هو ارهاب دولة داخلي... و حسب المواثيق و القوانين الدولية ايضا ما قام به هذا الجيش يشابه عمل مليشيات مدرجة حاليا في لائحة الفرق و المنظمات الارهابية.
ما قام به عسكر الجيش بحق العزل و الابرياء و المساكين يدفعني للقول بتغيير اسمه و حذف المصري و احلال السيسي مكانه، عليه يكون الجيش السيسي لا الجيش المصري.
لا اتصور ان السيسي اذكى من سالفيه و هو يسير على خطاهم و سبلهم، انقلب السيسي و اباد الاخوان و هو الان يتنفس مزهوا بانتصاره المؤقت، و لا ادري مصير من سيلاقي بعد حين، هل سيتم نفيه مثل الملك فاروق، ام يموت و العار يلاحقه مثل جمال عبدالناصر، ام يتم اغتياله مثل السادات، ام يلقى وراء القضبان و يقبع في غياهب السجون مثل مبارك، الذي استشفه من المستقبل ان مصير السيسي لن يكون احسن من مصير هؤلاء و سيكون مأساويا، و هذا ليس تحاملا مني عليه بل رؤية قد اكون صادقا فيها و قد اكون مخطئا و هذا ما اتركه للايام القادمة كي تفصل فيه... و لك صديقي القارئ ان تستقرئ سير رجالات الماضي من اشباه السيسي في دول العالم المختلفة و ما آل اليه مآلهم المأساوي.
لست اخوانيا و لا اسلاميا و سطوري هذه لا تاتي تعاطفا مع الاخوان، بل حقيقة تأريخية حاضرية ارتأيتها من واقع مواطنين ابرياء تم الغدر بهم و ابادتهم و احراقهم و اضطهادهم... و اظن ان الضمير الحي يقشعر من الظلم و الجور حتى لو كان المتعرض له عدوه.
و ليكن الله في عون المصريين خلال السنوات و الشهور و الايام المظلمة التي سيعانونها تحت وطأة حكم العسكر الذي سيزول عاجلا كان ام اجلا.