لست من أنصار الهجوم على زميل صحافي أو وسيلة إعلامية تؤدي رسالتها بحيادية ومهنية رفيعة وحرية مسؤولة، لكنني لا أتجاوز هذه الحدود حين يكون الكلام عن قناة (الجزيرة) القطرية مقارنة مع تجاوزاتها المهنية والإعلامية والسياسية التي صارت سبّة على الاعلام كله وعارا على حرية الكلمة والموقف والرأي الذي لا تحترمه ولم تكن احترمته منذ بداياتها الأولى في التطاول على الجميع دولاً ومؤسسات وأشخاصاً معنويين سواء كانوا في الحكم أو المعارضة عبر العالم العربي.

الاحتجاجات الفلسطينية والمطالب بغلق مكتب (الجزيرة) في اليومين الأخيرين لها ما يبررها من وجهة نظري، فما صدر خلال برنامج حواري من أحد المتكلمين عامداً متعمداً بحق الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يبرر مثل هذه المطالب الشعبية الفلسطينية.
ليس دفاعاً عن الراحل عرفات ولو أن الرجل يستحق الدفاع عنه رغم ما يأخذه البعض من مناهضيه سواء في غيابه أو حين كان حاضراً بتصدر المشهد السياسي العام.
لا يحق لـ(الجزيرة) القطرية أن تسمح في برنامج (الاتجاه المعاكس) الذي أذاعته يوم الثلاثاء الماضي لأحد ضيوفها بنهش لحم الرئيس الراحل وقائد الثورة الفلسطينية في قبره واتهامه بـquot;الخيانةquot;، وهو موقف لا يحمل في مضامينه أبعاداً وطنية أو قومية بقدر ما هي انتهازية من الضيف ومقدم البرنامج سواء بسواء.
وإذا كان الراحل عرفات quot;خائناًquot; حين اقدم على توقيع اتفاق أوسلو وهو كان وحيداً في الميدان السياسي العربي حين تخلى الجميع عنه وعن القضية برمتها سواء بسواء، فماذا نقول عن من طعن عرفات والقضية في الظهر علانية وجهاراً نهاراً بفتح مكتب تمثيلي لإسرائيل في عاصمته التي تضم مكاتب (الجزيرة) وقاعدة (العديد) الأميركية.
وماذا نقول عن استثمارات وزيارات والمنزل الفخم لعرّاب (الجزيرة) حمد بن جاسم بن جبر الزائر الدائم لضاحية هرتزيليا والمضيف الكريم لكل الزوار الإسرائيليين للدوحة من شمعون بيريز حتى تسيبي ليفني والمستويات السياسية والاستخبارية والاقتصادية الأخرى.
قناة الجزيرة الملغومة الهوية والهدف والانتماء وهي بدأت تتكشف على وقع ما يسمى (الربيع العربي) جسدت نفسها نصيراً للإرهاب والتشدد وفتاوى الفتنة وبث الطائفية بلا منازع على مدى عامين أو أكثر.
وهنا أجد نفسي متفقاً في الرأي مع كثيرين كانوا أكدوا أن (الجزيرة) صارت وبشكل علني هي القناة الرسمية لتنظيم الإخوان المسلمين ومن أبواقها ينفث يوسف قرضاوي وهو أحد كبار منظري تنظيم الإخوان المعاصر سمومه الحزبية وأفكاره الإخوانية التحريضية، ومثل قرضاوي هناك العشرت الذين تستجلبهم القناة في برامجها وحواراتها وبرامجها التوثيقية وهي من التوثيق الصحيح الهادف براء !.
هؤلاء الضيوف لم يتركوا بلداً خليجياً أو عربياً أو سياسياً أو مفكراً أو حزباً أو كاتباً لا يتفق مع فكر (الإخوان) إلا واستنفذوا كل الأحقاد ضده عبر اتهامات شتى بدون مقص رقيب أو تدخل من مقدمي البرامج الحوارية الذين يحملون الهوية الإخوانية أو أن quot;لقمة العيش الحرامquot; اضطرتهم للتورط في تنفيذ مخطط قناة (الجزيرة) ومن يقف وراءها.
وحيث (الجزيرة) سادرة في نهجها وتصدير فكرها الأسود وإعلامها المبتور، فإنه لا بد هنا ن التذكير بأنها في ذلك تخالف ما كان صدر عن أمير قطر الجديد تميم بن حمد آل ثاني، إلا إذا كان quot;يراوغquot; في الكلام أو أنه تكلم في واد، و(الجزيرة) في وادٍ أو اتجاه معاكس آخر..
فالشيخ تميم قال في خطابه الرسمي يوم تسلم السلطة خلفاً لوالده: quot;نحن دولة وشعب ومجتمع متماسك ولسنا حزبا سياسيا ولهذا فنحن نسعى للحفاظ على علاقات مع الحكومات والدول كافة كما اننا نحترم جميع التيارات في السياسة المخلصة المؤثرة والفاعلة في المنطقة ولكننا لا نحسب على تيار ضد آخرquot;.
والشيخ تميم أكد رفض الطائفية والمذهبية في العالم العربي، وقال quot;نحن كمسلمين hellip; نحترم التنوع في المذاهب ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على اساس طائفي ومذهبي ذلك لان هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على اساس المواطنة بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفةquot;، واعتبر ان الانقسام الطائفي quot;يسمح لقوى خارجية بالتدخل بقضايا الدول العربية وتحقيق النفوذ فيهاquot;.
وهو أكد الشيخ تميم ان بلاده quot;تلتزم بالتضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله لنيل حقوقه المشروعة وتعتبر تحقيقها شرطا للسلام العادل الذي يشمل الانسحاب الاسرائيلي من جميع الاراضي العربية التي احتلت في 1967 بما في ذلك القدس الشرقية واقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية وعودة للاجئين ولا تسوية من دون سلام عادلquot;.