بعد أشهرٍ من الفشل المتواصل، نجح quot;الإئتلاف الوطني السوريquot;، أخيراً في ضم quot;المجلس الوطني الكرديquot;، في الوقت الضائع، إلى صفوفه. الإتفاق الأخير بين الطرفين، أثار ردود أفعالٍ كثيرة ومتباينة، في الشارعين الكردي بخاصة، والسوري بعامة.

لعلّ النقطة الأساسية، التي كانت ولا تزال، قبل الإتفاق وبعده، مثار جدلٍ كبير، هو quot;التزام الإئتلاف بالاعتراف الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية، واعتبار القضية الكردية جزءً أساسياً من القضية الوطنية العامة في البلاد، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة سورية أرضاً وشعباًquot;، بالإضافة إلى إسقاط كلمة العربية من اسم الدولة لتكون quot;الجمهورية السوريةquot;.

والسؤال الذي يقفز بنفسه، ههنا، هو: هل هذا الإتفاق يعكس حقيقة quot;الإئتلافquot; على الأرض، خصوصاً في الداخل السوري، على مستوى quot;الجيش السوري الحرّquot;، الذراع العسكرية لquot;الثورة السوريةquot;، والكتائب الجهادية المتحالفة معه؟

هل quot;الإتفاقquot; هو quot;استراتيجية وطنيةquot; لفتح صفحة سورية جديدة مع الأكراد وكلّ مكوّناتها، أم هو quot;تكتيك مرحليquot;، لإقناع الغرب وعلى رأسه أميركا، بأنّ سوريا الجديدة، ستكون سوريا quot;ديمقراطية تعددية، مدنية، لكلّ السوريين، تعترف دستورياً، بالحقوق المشروعة لكلّ قومياتها، وكافة دياناتها، وطوائفها، ضمن إطار وطني ديمقراطي، وعلى أساس الشراكة المتكافئة في الوطنquot;، كما جاء في بنود هذا الإتفاق؟

على الرغم من المعارضة الشديدة من لدن بعضٍ غير قليل من quot;صقورquot; الإئتلاف، لهذا الإتفاق، إلاّ أنها تبقى محاولة لكسر الجليد بين المعارضة السورية وبعض أكرادها، وتقريب وجهات نظر الطرفين، حول مستقبل سوريا وقادمها، الذي لا يزال محكوماً بأكثر من مجهول.

لكنّ العبرة كما يُقال هو في الأفعال لا في الأقوال. والسؤال المهم، هنا، هو:
هل quot;الإتفاقquot;، كquot;مشروع وطنيquot;، هو بالفعل بداية لفتح صفحة جديدة، بين السوريين بمختلف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم، في quot;سوريا جديدةquot; قادمة، أم هو بداية لفصل سوري جديد، من لعب المعارضة السورية، في الملعب الإقليمي، بأوراق جديدة، لم تسمح لها الظروف اللعب بها من قبل؟

بحسب معارضي quot;الإتفاقquot; من داخلquot;الإئتلافquot; نفسه (بلغ عددهم أكثر من 47 إسماً بين معارضٍ ومتحفظ)، ما كان لهذه quot;الصفقةquot;، كما وصفوها، بين quot;المجلس الوطني الكرديquot; وquot;الإئتلافquot; لتتم، لولا quot;انصياعquot; هذا الأخير quot;للإملاءات الأميركيةquot;، على حدّ قول د. كمال اللبواني، الذي وصف توقيع quot;الإئتلافquot; على الإتفاق، quot;توقيعاً على وثيقة تقسيم سورياquot;.

اللبواني، الذي يمكن اعتباره، في هذا المسعى الرافض للإتفاق بشدة، quot;مفرداً بصيغة الجمعquot; (والتعبير لأدونيس)، يعتقد أن الإتفاق هو ليس إلا quot;محاولة لتقسيم سوريا، كما حصل في العراقquot;، الأمر الذي quot;قد يؤسس لحرب أهلية بين العرب والأكرادquot;، مشدداً على أن quot;الائتلاف الوطني هو هيئة معينة وليست منتخبة، مما يعني أنه غير مخوّل بالتوقيع على اتفاق من هذا الحجم سيؤثر على مستقبل سورياquot;، بحسب قوله.

أعتقد أنّ اللبواني ومعه كل المعارضين لهذا الإتفاق )بحسب اللبواني نفسه، هناك 25 إسماً صوتوا بالضد من الإتفاق إلى جانب 22 إسماً تحفظ عليه)، بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف مع رأيهم، هم صادقون مع أنفسهم، ومع الحالة quot;الثوريةquot; السورية الرافضة، عربياً، حتى اللحظة، لأي اتفاق، أو توجه منفتح على الآخر، من هذا القبيل، الآن وبعده، خصوصاً في ظلّ صعود الإسلاميين المتشددين والجهاديين في سوريا، الذين يقاتلون من أجل quot;سوريا دينيةquot;، وباتوا quot;يشكلّون تقريباً نصف عديد المعارضة السوريةquot;، بحسب آخر دراسة أجراها المعهد البريطاني للدفاع (آي إتش إس جاينز).

تصريحات قادة quot;الإئتلافquot; أنفسهم، وعلى رأسهم أحمد عاصي الجربا، الذي صرّح قبل إسبوعين ونيف، بأن quot;سورية عربية وستبقى عربيةquot;، تعكس quot;حقيقة سوريةquot; مفادُها أنّ من الصعب جداً، في الحالة السورية الطائفية الراهنة، والتجاذبات والإحتقانات والتوترات الإقليمية الحاصلة في المنطقة، ترجمة اتفاقٍ كهذا، على الأرض، يقضي بمحو كلمة العربية من قاموس quot;الجمهورية السوريةquot;، ومنح الأكراد بإعتبارهم شعباً يقيم على أرضه التاريخية، حقوقهم القومية، في القادم القريب من quot;سوريا الجديدةquot;.

جلّ بنود quot;الإتفاقquot; لا تُلزم quot;الإئتلافquot; بتنفيذها، بقدر ما أنّ هذا الأخير quot;سيعملquot; عليها، ثمّ لا ننسى كونه quot;إئتلافاً معيّناًquot; غير منتخباً، سينتهي مفعوله، حال انتقال سوريا من مرحلة quot;الشرعية الثوريةquot; إلى quot;الشرعية الدستوريةquot;. عليه فإالإعتراف الدستوري لquot;الإئتلافquot; ككيان مؤقت، يمثل قوى الثورة المعارضة ب quot;بهوية الشعب الكردي القومية، واعتبار القضية الكردية جزءً أساسياً من القضية الوطنية العامة في البلاد، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة سورية أرضاً وشعباًquot;، لا يعني البتة اعتراف الدستور القادم لquot;سوريا الجديدةquot; بذات الهوية لذات الشعب الكردي، وبحقوقه القومية ذاتها. هذه الحقيقة، عبرّ عنها قادة المعارضة السورية ورموزها مراراً، وذلك من خلال تأكيدهم الدائم على ضرورة التمسك بquot;شرعية الأغلبيةquot;، كثابت من ثوابتها، وأحقيتها في تحديد هوية ودين سوريا ما بعد الأسد ورسم ملامح مستبقلها.

quot;الإتفاقquot; جاء على ما يبدو، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة المعارضة السورية بالدرجة الأساس، التي تسعى جاهدةً لكسب ثقة الأميركيين والأوروبيين الذين لا يزالون يشتكون من تشتتها ويتخوفون من الفوضى في المرحلة المقبلة ومن بديل الأسد. يأتي كلّ ذلك في أعقاب الإتفاق الروسي الأميركي، الذي يؤكد من جديد أن quot;لا حلّ في سوريا سوى الحلّ السياسيquot;، ما يعني فتح الطريق جنيف أخرى، والضغط على جميع الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات. هذا على مستوى الخارج.

أما على مستوى الداخل السوري، كردياً، فقد استفاد quot;الإئتلافquot; من تشتت المعارضة الكردية وأنقسامها بين مجلسين بإستراتيجيتَين ومرجعيتَين مختلفتين: quot;مجلس غربي كردستانquot; التابع للإتحاد الديمقراطي (PYD)، ذات المرجعية الأوجلانية، المتمسك بquot;الخيار الثالثquot;، الذي تقوم استراتيجيته على أساس سياسة quot;النأي بالنفسquot;، وتحييد المناطق الكردية عن دائرة الصراع الدائر بين الجيشين quot;النظاميquot; وquot;الحرّquot;. وquot;المجلس الوطني السوريquot;، بأحزابه ال16، التابعة في أغلبها للمرجعية البارزانية، إلى جانب أقلية تابعة للمرجعية الطالبانية (نسبةً إلى رئيس الجمهورية االعراقية، جلال طالباني). ما يعني أن quot;الإتفاقquot; سيكون بداية لشقاق كردي، لا بل ربما لصراع كردي كردي، يتجاوز حدود quot;الإقليم الكردي السوريquot;، لينتقل إلى الكردستانات الأخرى.

انضمام quot;المجلس الوطني الكرديquot; إلى quot;الإئتلافquot;، يعني عملياً الإنتقال من جبهة quot;الهيئة الكردية العلياquot; وquot;قوات الحماية الشعبيةquot; (YPG)، التي اتخذت من استراتيجية quot;الدفاع عن النفسquot; في المناطق الكردية، quot;خياراً ثالثاًquot; لها، إلى جبهة quot;المعارضة السوريةquot; وquot;الجيش السوريّ الحرّquot;، الذي اتخذ من المناطق الكردية هدفاً استراتيجياً لهجماته، منذ أكثر من سنة. الأمر الذي قد يؤدي إلى اقتتال كردي كردي، لن يُحمد عقباه، على غرار ما حدث في كردستان العراق بين حزبي رئيس الإقليم مسعود بارزاني، ورئيس العراق جلال طالباني، في الفترة ما بين 1994 إلى 1996.

ربما يساعد هذا الإتفاق على تحسين صورة quot;الإئتلافquot; لدى الغرب، ويعيد بعضاً من ثقة هذا الأخير به، وإن ظاهرياً، إلا أنه سيبقى، على الأرجح، اتفاقاً فيه من الحبر الممكن على الورق، أكثر من التنفيذ الممكن على الأرض، لسبب واضح، وهو أن كلا الطرفين، لا يملكان ما يكفي من القرار في الداخل السوري. من له القوة الحقيقية على الأرض، وله اليد الطولى في اتخاذ القرار، فعلياً، على مستوى المعارضتين، العربية والكردية، هما quot;الجيش السوري الحرّquot; إلى جانب الكتائب الإسلامية المتشددة المتحالفة معه، وquot;قوات حماية الشعبquot;، الذراع العسكرية لquot;الإتحاد الديمقراطيquot;.

quot;الإتفاقquot; الأخير بين أهل quot;الجمهورية السوريةquot;، بعربها وأكرادها، التي فيها من الحلم أكثر من الواقع، ومن النظرية أكثر من التطبيق، والتي تحوّلت بفعل صِدام الهويات، إلى كرة من نارٍ يتقاذفها أهل النظام وأهل quot;الثورةquot;، كان من الممكن أن يكون quot;اتفاقاً منقذاًquot; لشعبين (أو حتى لشعوب) بسوريا واحدة، أو لسوريا واحدة بشعبين، لو كان الطرفان يملكان على الأرض بالفعل، مفاتيح العبور إلى quot;الجمهورية السوريةquot;، جمهوريةً ديمقراطيةً، مدنيةً، تعدديةً، واحدةً، لكلّ مكوناتها الإثنية والعرقية واللغوية والدينية والطائفية. هذا ناهيك عن أنّ quot;الإتفاقquot; هو وسيلة عاجلة للعبور العاجل إلى قادم سوريا عاجلة، أكثر من كونه غايةً أو هدفاً بحدّ ذاته.

quot;الإتفاقquot;، بغض النظر عن إمكانية تحقيقه من عدمه، فيه على الأرجح، من الإتفاق على حاضر سوريا أكثر من الإتفاق على مستقبلها، ومن اللعب الممكن على أكراد سوريا بquot;خارج سورياquot;، أكثر من اللعب معهم داخل سوريا، ومن الماكيافيلية أكثر من البراغماتية.

ربما ينجح quot;الإئتلافquot; وأكراد(ه)، الآن، طبقاً لهذا الإتفاق، في رسم quot;دولة ديمقراطية، مدنية، تعدديةquot; إسمها quot;الجمهورية السوريةquot; على الورق، لكنّ السؤال الأهم، ههنا، هو:
هل سينجحون، مستقبلاً، في رسم الجمهورية ذاتها، وسوريا ذاتها، لكلّ السوريين، على الأرض؟

[email protected]