مازال القوم في ما يسمى بـquot;لجنة التوافقاتquot; بالمجلس الوطني التأسيسي التونسي quot;المعطلquot; يتصرفون وفقا لأهوائهم وكأن البلاد لم تحصل فيها اغتيالات ولم يذبح عناصر جيشها ويقتل رجال أمنها غدرا وغيلة، وكأن الإقتصاد الوطني في أفضل حالاته والبلاد بأيد أمينة يسيرها أكفاء تشير سيرهم الذاتية إلى عبقرية فذة وتفوق علمي ومعرفي على من سواهم من أبناء هذا الشعب، لم يتم تعيينهم على أساس الإنتماء أو القرب من عناصر ما كان يسمى بالأمس القريب بـquot;الترويكاquot; الحاكمة ومن يدور في فلكها من quot;الحُزيْبات الصغيرةquot;.
يتصرف القوم من نواب الموالاة براحة بال يحسدهم عليها من يتحسر ليل نهار على الحال التي وصلت إليها هذه الأرض الخضراء الطيبة مع حكم جهابذة السياسة في هذا العصر من جماعة حزبي النهضة والمؤتمر ومن والاهم. يتوافقون ويختلفون غير مبالين بزملائهم المنسحبين من نواب المعارضة ولا برئيس مجلسهم الذي لم يحسم بعد تموقعه بانتظار أن تتبلور موازين القوى خلال هذه المرحلة الجديدة المرتبطة أشد الإرتباط بالتوازنات الإقليمية والدولية والمتغيرات الحاصلة في المنطقة.
حين يطالع المرء ما يتم تداوله من أنباء عن لجنة التوافقات يصاب بالحيرة ولا يمنع نفسه من التساؤل، هل بلغ إلى علم هؤلاء أن بلادنا شهدت اغتيالات سياسية ثلاثة يؤكد الفريق الحاكم أن إثنين منها من صنع quot;أبنائنا الذين يمارسون الرياضة في جبل الشعانبيquot; (حين سئل رئيس الحكومة العريض حين كان وزيرا للداخلية عن حقيقة معسكرات تدريب quot;الجهاديينquot; في جبل الشعانبي رد بأن الأمر يتعلق بشباب يمارس الرياضة قبل أن تنكشف الحقيقة) وواحدة تحوم الشبهة في ارتكابها حول ميليشيات يدرك القاصي والداني ارتباطها الوثيق بحزبي النهضة والمؤتمر تدعى كذبا وبهتانا حمايتها للثورة؟ هل وصلت تقارير الخبراء والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية حول الوضع الإقتصادي في البلاد إلى هؤلاء النواب؟ هل هم على علم بالتصنيف الإئتماني الجديد لبلادنا الصادر عن وكالة ستاندار آند بورز؟ هل تطلع أحدهم ذات مرة، ومن باب الصدفة، على إحدى لوحات أسعار العملة في بنك ما أو في مركز بريد، ليدرك سعر الصرف الكارثي للدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية؟
ولعل أكثر ما يثير الإشمئزاز في سلوك أبناء هذه اللجنة هو استمرار الخلافات بين أعضائها حول مهام رئيسي الحكومة والجمهورية في مشروع الدستور. فهي ذات الخلافات بين نواب حركة النهضة من جهة ونواب المؤتمر ومشتقاته من جهة أخرى، تلك الخلافات التي جعلت كبار السن يتورطون في وقت سابق في صراع طفولي حول quot;كراس عجيبquot; كل يدعي ملكيته ما جعل نواب المجلس الموقر عرضة للسخرية والتندر على مواقع التواصل الإجتماعي وفي المجالس الخاصة وباتوا حديث الشارع الذي تفيد استطلاعات الرأي أن سواده الأعظم يخير العزوف عن الشأن العام بفعل هذه الطبقة السياسية التي لا هم لها سوى الإستحواذ على الكراسي والإستقتال للمحافظة عليها بشتى السبل.
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان حين يصر نواب حركة النهضة على تضمين صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة في مشروع الدستور الجديد، مقابل إصرار المؤتمريين ومشتقاتهم على منحها لرئيس الجمهورية، هو مدى ضمان الجانبين لاستمرار ممثليهم في ذات المواقع. بمعنى هل ضمن النهضويون أنهم سيسيطرون على القصبة (مقر رئاسة الحكومة) أبد الدهر لتكون من نصيب أمينهم العام أو من يليه في السلم الهرمي للحركة مثلما حصل مع الجبالي والعريض؟ وهل كتب لعرش قرطاج (مقر الرئاسة الأولى) أن يتربع عليه مؤتمري أو أحد توابعه حتى يستقتل نواب المؤتمر في الدفاع عن صلاحيات الرئيس؟ ألا يدرك الجماعة أن كل ماهو كائن اليوم هو مؤقت وأن كراسيهم مؤقتة وأن الكون برمته مؤقت؟
إن ما تسمى بـquot;لجنة التوافقاتquot; هي بامتياز لجنة الخلافات حتى بين حلفاء الحكم أنفسهم في غياب المعارضة التي خيرت الإنسحاب من المجلس. وقد كان من المفروض ومن منطلق أخلاقي بحت أن تجمد هذه اللجنة أعمالها كما هو حال المجلس إلى حين البت في المسائل العالقة بين المعارضة والموالاة والتي تبذل الرباعية الراعية للحوار جهدا في سبيل حلها. أما وقد اختارت هذه اللجنة مواصلة العمل متجاهلة الأزمة الخانقة على غرار النعامة التي تصم آذانها وتغض بصرها وشتى حواسها عن العالم الخارجي هروبا من الخطر الداهم، فإنها من حيث لا تدري ومما يتم نقله من أنباء عن إجتماعاتها تزيد من نقمة قطاع واسع من التونسيين على المجلس الوطني التأسيسي وتدعم المعسكر الراديكالي في المعارضة الداعي إلى حل المجلس وتضعف من حجة المدافعين على شعرة معاوية في بقائه محددا بالزمان والمهام. فالخلافات داخلها بين أبناء الموالاة أنفسهم تنبئ بأن الدستور المنتظر لن يكتب له أن يرى النور أبد الدهر مع هذه اللجنة، ومع غيرها من اللجان، ومع هؤلاء القوم الذين يتحمل نظام الإقتراع على القائمات سيء الذكر الذي تم اعتماده في انتخابات 23 أكتوبر قسطا وافرا في وصولهم إلى قبة باردو (مقر البرلمان التونسي).