يعتقد البعض أن الديمقراطية هي تغيير الأنظمة وتبادل السلطة بين الأحزاب من خلال صندوق الإنتخابات، وهؤلاء يشبهون من يقرأوا كتابا مكتفين بعنوان الكتاب، ويظنون أنهم قد استوعبوا محتوي الكتاب كله، والحقيقة غير ذلك فالديمقراطية كالهرم قاعدته الشعب وأوسطه مؤسسات الدولة وقمته السلطات الحاكمة في الدولة.

من السهل جدا تغيير نظام دولة وتغيير السلطة وإحلال نظام بدلا من آخر، فهل يعني ذلك أننا أمام دولة ديمقراطية؟؟، أساس الديمقراطية هي الشعب ولكي يكون لديك شعب ديموقراطي حر تحتاج علي الأقل لثلاث أجيال، ليتعلم فيها الشعب أحترام حرية الغير واحترام الآخر، يتعلم حقوقه وواجباته واحترام القانون.

أما المؤسسات فهي التي تحمل علي عاتقها كل أنواع العمل في الدولة، ومصر التي نحلم بها أن تكون دولة مؤسسات، ونحن لن نخترع نظاما فكل دول العالم الحر تسير علي نهج يتشابه وأحيانا يتطابق في طريقة عمل المؤسسات واستقلالها عن النظام، فتجد مؤسسة للصحة وأخري للتعليم وثالثة للخدمات وهذه المؤسسات تؤدي عملها وفق قواعد ونظم ثابته، لا تتأثر كثيرا بالنظام الحاكم ولا بمن يحكم، فالسلطة لا تستطيع أن تغير سياسة العمل في مؤسسات الدولة إلا في حدود ضيقة، في بلادنا دائما الشرطة في خدمة النظام وفي الدول الغربية الشرطة مؤسسة مستقلة تحافظ علي الأمن والنظام وفق للقانون وعملها لا يتغير بتغيير النظام.

أما قمة الهرم فهي السلطة التي تتداول بين المؤسسات من خلال الانتخابات وكما تكلمنا قبل ذلك أن العملية الانتخابية الديمقراطية لا تعني صندوق الانتخابات، فهي سلسلة من الإجراءات والصندوق مجرد مرحلة من مراحلها التي تسبق عملية فرز الأصوات وإعلان النتائج.

عمل المؤسسات والفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية يحدده الدستور.

ونحن الآن بصدد وضوع دستور جديد للبلاد، وحسنا فعلت لجنة الخمسين عندما أعلنت أنها بصدد عمل دستور جديد، فلا فائدة في ترقيع دستور 2012 فهو لا يصلح ولا يحقق حلم المصريين في دولة عصرية، تستطيع أن تنطلق بهم لتلحق مصر بالدول المتقدمة.

وعندما كنا نسأل من الغربيين لماذا أنتم قلقون من حكم الإخوان وهم يحكمون تركيا، واستطاعوا تحقيق تقدم اقتصادي لتركيا، كان ردنا أن تركيا بها نظام إسلامي يحكم وفق دستور علماني... ولكن الإخوان نظام إسلامي يحكم وفق دستور إسلامي.. تركيا دولة مؤسسات ونحن في مرحلة إعادة بناء للدولة بعد انهيار كل مؤسساتها برحيل نظام مبارك.

إذا مصر التي نحلم بها هي دولة المؤسسات، ودولة المؤسسات تتحقق من خلال دستور عصري ونحن أمام فرصة تاريخية، لنصنع دستورا عصريا وهو ليس بالمهمة الثقيلة علي المصريين فالدستور التركي نفسه شارك في إعداده وصياغته مصريون، ولنا باع طويل في كتابة الدساتير لدرجة أن المصريين هم من كتبوا معظم دساتير دول المنطقة.

نريد دستورا يبني مؤسسات الدولة العصرية، وعندها سيزول الخوف لدينا من إعتلاء أي فرد او جزب للسلطة، لأن الدستور قد بني مؤسسات ووضع قواعد عملها والنظام لا يستطيع أن يغير شيئا في طريقة عملها، فلا يهم من يحكم ولا لأي أيديولوجية ينتمي، لأنه لن يستطيع ان يغير شئ غير في حدود ضيقة جدا.

أمامنا فرصة تاريخية لعزل المؤسسة الأمنية عن السلطة التنفيذية ونمنع استغلال الأمن في خدمة الحاكم والفتك بمعارضي الحاكم، أمامنا فرصة تاريخية لفصل المؤسسة القضائية ولنوقف استغلال النيابة للعصف بالمعارضين واستخدام منصة القضاء لسجن المعارضين كما حدث في كل العصور بما فيهم عصر ما بعد ثورة 30 يونيو!!!.

مصر التي نحلم بها أن تكون وطنا لكل المصريين، أن يسود فيها القانون والقانون وحدة يحدد علاقة الدولة بالمواطنين والمواطنيين ببعضهم البعض. الشعب المصري يستحق دولة عصرية والدولة العصرية لا يمكن أن تقوم بغير دستور عصري فهل يفعلها عمرو موسي ورفاقه ويحققوا حلم المصريين؟؟