عند زيارة هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق للصين سأله ماوتسي تونج رئيس الصين الأسبق قائلاً quot;ماذا تريد مناquot; فأجاب كيسنجر بلغة دبلوماسية quot;أننا لا نريد أي شيء ولكننا نريد الصداقةquot;، فرد عليه تونج quot;إذا كنت لا تريد شيئًا ما كنت أتيت إلى هنا، وإذا لم أكن أريد شيء منك ما كنت جئت إلى هناquot;.

هل سُحبت السجادة من تحت قدميك بدون أن تدري؟ أتريد الخروج بنتيجة طيبة من النقاش؟ نعم... فمهارة التفاوض هي إحدى مهارات quot;الذكاء الاجتماعيquot; التي ينبغي إجادتها.
هل تعرف ياعزيزي أن التفاوض ليس حرب بين طرفين لابد من فوز أحدهما وهزيمة الطرف الآخر، بل على العكس من ذلك فإن التفاوض يتضمن فوز كلا الطرفين، ولكن ليس بالضرورة تساوي الأنصبة.

سيربط معظم الأشخاص كلمة التفاوض بعالم المال والأعمال.. ولكنها كلمة لها نفس الأهمية في حياتنا اليومية والعائلية والهدف من أية مفاوضات هي الانتهاء إلى اتفاق بين جميع الأطراف المشتركة حتى يسعد الجميع بالمحصلة النهائية. وينطبق هذا الأمر تمامًا على العلاقات المتوترة بين الأباء والمراهقين حول تحديد موعد تأخرهم خارج البيت تمامًا مثل التفاوض حول شروط الدفع والعمل بين الاتحادات والإدارة ويشمل الذكاء الاجتماعي نفس الأمر وإليك هذه المواقف المدهشة عن التفاوض.

هل ذهبت يومًا لشراء حذاء من أحد محلات بيع الأحذية فيقوم البائع بتقديم العديد من الموديلات ذهابًا وإيابًا (تقديم معروف) مفترضًا أنه بتقديم مثل هذه الخدمات سيجعلك تقوم الشراء (رد الدين).
هل تعرف ماذا يسمى هذا الأسلوب؟

إنه أسلوب تبادل المنفعة وهو ما يعني quot;أنه إذا قدم أحد إلينا معروفًا فإننا سنشعر بأنه من الواجب علينا أن نرد الدينquot;
من منا لم يشترى أشياء ليس في حاجة إليها؟

ماذا لو قمت بشراء البدلة أولاً ثم القميص؟
الإجابة أن ذلك سوف يجعلك تدفع في القميص أكثر مما كنت تنوى دفعه إذا عرض عليك شراء القميص أولاً.
دعني أسوق لك المثال التالي:
ماذا لو عرض عليك شيئين مختلفين في نفس الوقت؟ الإجابة أنك ستدركهما على أنهما أكثر اختلافًا (مبدأ التضاد الإدراكي)، فإذا رفعنا شيء ثقيل الوزن بعد شيء خفيف الوزن فأننا سندرك الشيء الثقيل أكثر ثقلاً. وبالتالي فالبائع الماهر هو الذي يعرض عليك البدلة أولاً ويلي ذلك القميص الأقل قيمة وبذلك يجعلك تدفع في القميص أكثر مما كنت تنوى دفعه إذا عرض عليك شراء القميص أولاً.
لعلك فهمك ما أريد.... إذا كنت أنت المشتري هل ستقوم بشراء البدلة أولاً؟

هل تعرضت يومًا لهذا الموقف؟
يقول لك مدير صيانة السيارات أن تكلفة إصلاح السيارة 100 جنيهًا منها 5 جنيهات تكلفة قطعة الغيار و 95 جنيهًا تكلفة التركيب، فترد عليه قائلاً كيف يعقل أن تكون تكلفة الغيار 5 جنيهات وتكلفة التركيب 95، فيرد مدير المركز قائلاً أنني أحس بما تشعر به وفي واقع الأمر فإن العديد من الأشخاص - في نفس ذات الموقف- قد ذكروا نفس الشيء ولكن عندما وضحت لهم كم العمل الذى قمت به وأنني قمت بتفكيك كل أجزاء المحرك اقتنعوا بالتكلفة. هل تعرف ماذا يسمى هذا المبدأ؟ إنه مبدأ الدلائل والبراهين الاجتماعية حيث أن ذلك يعني أن ما يفعله ويفكر فيه الأخرين يعتبر موجه لتصرفاتنا وسلوكنا. إننا نعتقد أن سلوكنا يعتبر سليمًا عندما نرى الأخرين يفعلون نفس الشيء. والأفراد الذين يحبون بعضهم البعض يكونون أكثر احتمالاً للخضوع لبعضهم وهو ما يعرف بمبدأ المحبة.

عزيزي القاريء عندما تجلس على مائدة المفاوضات مع شخص ما فإنه يتعين عليك أن ترى هذا الشخص على أنه مثلك له مشاعره ورغباته ومخاوفه، كما أنه يرغب مثلك في تحقيق شيء ذات قيمة من المفاوضات.
من منا لم يسمع عن quot;ضاربة الودع أو قارئة الفنجانndash; قبل أن تقرأ الودع ndash; قائلة quot;أرمي بياضك يا شابهquot; قبل كشف المستور طبعًا هذه السيدة تعلم أنها إذا كشفت المستور قبل الحصول على المعلوم فإنها قد تحصل على أقل القليل. إن ضاربة الودع بهذا التصرف تعلم أن قيمة الخدمات تنخفض بمرور الوقت.

ألم يكن من الأجدى عند قيام ثورة 11 فبراير 2011 أن يقوم النظام السابق بالتفاوض مع هؤلاء الشباب حول مطالبهم الشرعية ولاسيما أنها كانت مطالب بسيطة وهي عيش، حرية، عدالة اجتماعية؟ ولكن لسوء تقدير الموقف وعدم الاعتراف بالتفاوض آنذاك وإغفال مطالب الشباب ارتفع سقف المطالب وأريقت الدماء.

عزيزي القارىء هل أدركت إذًا أهمية التفاوض في حياتك العملية؟
أما إذا كنت عاقدًا العزم على فرض الحل الذي قدمته أنت فلا يعد هذا من قبيل التفاوض بل من قبيل الديكتاتورية، وإذا كان موقفك قويًا ومؤثرًا فإنك سوف تتمكن من فرض حلولك ولكن يمكنك التأكد من أن الجانب الآخر لن يسعد بها وربما يبذل ما في وسعه لإحباطك في المستقبل.

عزيزي القاريء
-كن شديدًا على المشكلة وحنونًا على الأشخاص.
-كن مبدعًا ومبتكرًا عند بحثك عن بدائل للحلول.
أ.د شوقي الغيطاني ndash; المفاوض المحترف

[email protected]