نالت مفردة quot;الشرفquot; في مبادرة الخزاعي من السخرية ما يكفي.

لنفترض ان السخرية لم تكن في محلها، كما يقول صديق يطالب بان تدرس المبادرة ووثيقتها، ولنبني على ان النوايا طيبة والجدية متوفرة ونائب رئيس الجمهورية يريد الحل... فهل ان المبادرة ومؤتمرها يخلقان حلا او يمثلان مسارا سليما؟!.
بجردة سريعة للبنود التي طرحتها المبادرة نجد اننا امام عموميات نص عليها الدستور، وتوفرت في أهم المرجعيات المدونة لهذه العملية السياسية. اغلب ما طرح لم يكن سوى اعادة صياغة لنقاط يفترض انها مسلمات، وهي إطار عام تتحرك فيه الحياة السياسية، أكثر من كونها آليات لإيجاد الحل.
على سبيل المثال، هذه المبادرة جاءت بعد ثلاثة أعوام من اتفاق أربيل، الذي تضمن الكثير مما تضمنته الوثيقة. الدستور، وهو اعلى مرجعية، نص في المادة 142 على ضرورة تعديله في فترة معينة، رغم هذا ما زال التعديل مجرد لجنة مشكلة داخل مجلس النواب منذ سبعة أعوام، دون ان نعرف اين وصلت وماذا حققت.
المشكلة المركزية في العملية السياسية ليست الوثائق والمبادرات، انما تنفيذ الالتزامات والواجبات السياسية والحكومية. الكل يؤكد رفضه للفساد، وهناك عدة تشريعات تكافحه، الا ان الامر يبقى مجرد كلمات مكتوبة لا قيمة تنفيذية لها، وان نفذت تخضع للمعايير السياسية.
الالتزام بالدستور لا تحدد وثائق عامة كهذه بل مبادرات تفعل عمل المؤسسات المعنية بحمايته وتنفيذه، السياقات الراهنة تدل على ان الأطراف الرئيسية افرغت السلطات من محتواها، واعادت انتاجها عبر رغبات سياسية معينة. اما النصوص الهلامية على طريقة الخطاب الانشائي، مهما اتجهت وذهبت وتحولت، لا تشكل اهمية تذكر لتحقيق السلم وبناء الدولة.
فما هي قيمة البند الخامس الذي يقول quot; الحرص على السلم الاجتماعي وتطوير العملية السياسية عبر تكريس المزيد من الديمقراطية والالتزام بالدستور واستكمال بناء مؤسسات الدولة والعمل على تقويتها واعتماد مبدا الفصل بين السلطاتquot;...؟
البند الثامن مثلا يقول quot; مواجهة ظاهرة الارهاب والميليشيات بكل ابعادها وتحديد سبل القضاء عليها نهائيا من خلال تجفيف منابعها والقضاء على عوامل تحفيزها ودواعي وجودها وحصر السلاح بيد الجهات الامنية الرسمية المخولة وبمسؤولية تضامنية يتحلى بها الجميعquot;. بينما من المعروف ان هذا بند دستوري، ولا يحتاج لوثيقة شرف.
البنود الاخرى عدا تشكيل لجنة برئاسة خضير الخزاعي، كلها على هذا المنوال، شعارات ومقولات عريضة، وبنود مبهمة التفصيلات.
من جانب اخر تبدو مقاطعة الصدريين وأكثر من نصف العراقية للمؤتمر وغياب مسعود البرزاني عنه، عوامل تقلل من فرص تحقيقه لمبادرة واسعة تشارك فيها كل وجهات النظر. تأتي هذه المقاطعة لتكريس غياب الثقة او لتحقيق المكاسب الانتخابية التي تخلقها امام شارع منقسم.
كما ان من غير الواضح اتجاه هذه المبادرة فيما يتعلق بالمشكلات الرئيسية الثلاثة؛ الكارثة الامنية وانعدام الثقة السياسية والفشل الخدمي والعمراني. الوثيقة خلطت بين المشكلات الثلاثة بطريقة ارتجالية، صحيح ان الحل متداخل، لكن هناك وجه خاص لكل مشكلة، ومعالجاتها لا تكون بهذه الطريقة السيئة الادارة.
التداخل بين المليشياوي والسياسي والفساد وسوء الادارة والارهابي... في الحياة السياسية العراقية تستدعي مشروعا اوسع وأكثر عملية ودقة وتفصيلا، ان تحدد الاسباب الكامنة وراء كل ما يجري، وتوضع لكل ازمة علاجاتها الخاصة، ومن جانب اخر تنطلق من رؤية موسعة للازمات والحلول تمس التفصيلات كافة. اما البنود الموجودة فهي لا تصلح للصلح بين الاخوان المتخاصمين، فضلا عن خلق دولة تؤدي اللازم الملح عليها في الوقت الراهن.
التقارب الشكلي بين رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية لا ينتج تعاونا حقيقيا... ولا الحديث عن الاجندات الخارجية يلغي ان القاعة غصت بالموالين للخارج. احالة المؤتمرين اغلب المشكلات لدور وسائل الاعلام انطلاقا من شماعة التحريض، اتجاه معاكس لما يجب ان تكون عليه الامور. الحديث عن ضرورة مكافحة السلاح خارج السلطة لا ينفي ان بعض الحضور او كثيرا منه مرتبط بالمليشيات. الكل تحدث عن الفساد، وهذا الكل يمتلك المسؤولين من وزراء وأدنى وأكثر، فهل الموظف البسيط هو الفاسد؟!. اذا كانت القوانين معطلة، فالمسؤول هو الجميع، تارة هذا واخرى ذاك.
يكفي المسؤول يمينه، كي يحافظ على استقلال العراق وامن شعبه وسلامة امواله، وان حنث فما فائدة وثائق الشرف؟!.
ومادام ان الكل مصر على القول بان الاجندات الخارجية هي التي تؤزم الوضع، فلا حاجة لاتفاق داخلي بين عاجزين، ليطلب العراقيون ذلك من القوى الاقليمية والدولية، ما دام حالهم الداخلية بيد العجزة.