أما وقد أوشك الجيش المصري على تطهير سيناء من الإرهاب، على الحكومة الإسراع بتجهيز ملف تعمير هذه البقعة الغالية من أرض مصر، فلا مجال لتضيع الوقت، وترك الملفات الحيوية على الأرفف وقد أحاطها التراب من كل جانب، فكم من فرص ضاعت منذ الستينيات، ففي عهد الزعيم الراحل quot;جمال عبد الناصرquot; وقعت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد هزيمة 1967، في ذلك الحين نصح الإمام الراحل quot;محمد الغزاليquot; الرئيس quot;عبد الناصرquot; بأن يملأ سيناء بالبشر والحجر، والهدف تأمينها من أطماع إسرائيل، لاقت الفكرة استحسانا لكن للأسف، لم يكن هناك مجال لتطبيقها على أرض تحتلها إسرئيل.

أحيا انتصار مصر في حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام 1973 الفكرة من جديد، وكان الحديث يدور حول خطط قومية جاهزة لتعمير سيناء باعتبار ذلك مفتاح التقدم لمصر، خاصة وأن سيناء تمتلك عوامل ومقومات تقدمها من معادن، وسياحة، وأراض صالحة للزراعة، هذه المقومات يمكن أن تحول سيناء إلى مدينة رائعة مثل دبي أو هونغ كونغ، أو سنغافورة، نصح الخبراء الزعيم الراحل quot;أنور الساداتquot; بالمضي في خطط التعمير وفق دراسات علمية موجودة بالفعل على أن يشمل ذلك مدن القناة الإسماعيلية وبور سعيد والسويس، عاش أبناء سيناء حلم التعمير منذ ذلك الحين، طال الحلم وتحول مع مرور أربعة عقود إلى سراب.

في عهد الرئيس المخلوع quot;حسني مباركquot; أنشئت الدولة جهازا لتنمية وتعمير سيناء, وأعدت مشروعا لتوطين نحو ثلاثة ملايين مصري هناك، مرت ثلاثة عقود هي فترة حكم مبارك ولم يتحرك المشروع قيد أنمله، وحين وصل الرئيس الإخواني المعزول quot;محمد مرسيquot; إلي الحكم، فتح سيناء على مصراعيها للإرهابيين من كل بلدان العالم، وباتت سيناء مأوى ومرتع للجماعات الجهادية، والتنظيمات التكفيرية, أفرج المعزول عن المعتقلين من جماعات الإسلام السياسي، انتشرت هذه الجماعات في رفح والشيخ زويد وغيرها من قرى شمال شيناء، رفض المعزول خطة الجيش لهدم جبل الحلال وتطهير سيناء من الإرهاب، كان مرسي يظن أن الجهاديين هم سنده في تدمير الجيش المصري ومجابهة الأخطار المحدقة بحكمه، كشف الإرهاب عن وجهه الأسود, بعد عزل الرئيس مرسي، وعاث القتلة فسادا في أرض سيناء يقتلون رجال الجيش والشرطة والمواطنين، وامتدت يدهم الأثمة إلى محافظات القناة، والعاصمة، ولا يزالون يزرعون القنابل المحلية الصنع في شوارع القاهرة، لكن اصرار الشعب على الوقوف مع جيشه وشرطته لمكافحة الإرهابيين والخارجين عن القانون هزم القتلة وها هم يتساقطون واحدًا تلو أخر.

سيناء اليوم بحاجة إلى إرادة حقيقية، وعلى عكس ما يعتقد البعض ليس ثمة مشكلات تعترض تنفيذ خطط التعمير، فجميع المشاكل المطروحة تم وضع أنصاف حلول لها، فقد حفرت الحكومة quot;ترعة السلامquot; ويبقى توصيل مياه النيل إليها، ويقدر لها أن تروي نحو 135 ألف فدان في المرحلة الأولى، كما يمكن الإستفادة من مياه الأبار الجوفية المنتشرة بطول سيناء وعرضها، ومن السهل تغطية سيناء بشبكة من الكهرباء، ورصف الطرق، وإنشاء السكة الحديد حتى رفح وهو المشروع الذي بدأ ولم يكتمل، والأهم تمليك أهل سيناء للأراضي، وإقامة البنية التحتية لاستصلاح هذه الأراضي، وعمل مجتمعات عمرانية مستقرة خاصة للبدو الرحل، وتقديم تسهيلات للمستثمرين المصريين لإنشاء مشروعات توفر فرص عمل، وتقضي على البطالة بين الشباب حتى لا يتم استقطاب هؤلاء الشباب وتجنيدهم من جانب جماعات العنف.

مسألة تملك الاراضي في سيناء يجب أن تخضع للقانون بسبب طبيعة وحساسية هذه المنطقة، وحل الخلافات بين القبائل، كل قبيلة تقول إنها تمتلك مساحات شاسعة تريد تسقيعها وبيعها، ومنعا للصدام بين القبائل، يجب تقنين هذه الأوضاع بالقانون، ولا يجب أن تسمح الدولة المصرية أن تباع سيناء أرض الشهداء لأى جهة مشبوهة خصوصا بعض الدول التي تدور في فلك المخططات الصهيونية الأميركية في سيناء، لذا فإن التشدد فى مسألة تملك الأراضى أمر مطلوب.

حان وقت العمل، فقد كان من المفترض الانتهاء من خطة تعمير سيناء عام 2017 ولم يتم تنفيذ شيء يذكر من هذه الخطة، نحن بحاجة إلى روح جماعية لا نزعة فردية في خطط التعمير، وأن يكون رأس المال الوطني هو المسيطر لا رأس المال الأجنبي، بما يخدم الأمن القومي المصري، ويجذب الشباب للخروج من ضيق الودي الضيق الى سعة الصحراء، إن تنمية سيناء ليست مجرد فكرة تحتاج إلى دراسة، لكنها مشروع قومى واقعى يحتاج إلى تطبيق على الأرض، فالتنمية الحقيقية تأتى من خلال التنمية البشرية لسيناء وزراعتها بالبشر والحجر فهي المستقبل الواعد لمصر.

إعلامي مصري