اغتيال حلم بعربة مفخخة!

قصدت مدينة الصدر (التي أطلق عليها الثورة كوني من عُشّاق مؤسسها الزعيم عبد الكريم قاسم) برفقة الاصدقاء لتعزية احد معارفنا الذي فقد احد احبته في انفجار سيارة مفخخة في بغداد.
دخلنا الخيمة المقوسة بخطوات متثاقلة والألم يتعصر قلوبنا حين ننظر إلى بكاء الاقرباء ونحيب النساء و أنكسار الخواطر. الوجوه شاحبة ومصفرة والعنف الدموي لم يُخلّف في دواخلنا سوى قوة الصبر وعزيمة المواصلة رغماً عن انوف الوحوش.

ما ان وطئت اقدمنا عتبة الخيمة المقوسة حتى دوى انفجار عنيف تناثرت جراءهُ الجثث من حولي وحاصرتني نيران حمراء سرعان ما ألتهمت الكراسي وقطع القماش وكل شيء امامها بما فيها الجثث! اجساد حية اخرى اشتعلت امامي وهي تنتظر الانقاذ المستحيل او طلقة الرحمة، نهضت كي انقذ ما تبقى من ارواح حية وأذا بي لا اقو على الحركة، نظرت الى قدمي فوجدتها على بُعد مترين الى الامام،خاوية وتنفض ما تبقى فيها من حياة فيما جسدي مخضب بالدماء. اغمي عليّ فوراً ولم اجد نفسي الا في غرفتي المتواضعة. كان كابوساً فضيعاً تلى تفجير مدينة الصدر بساعات، تعدى ما شاهدته من وقائع ارهابية مجرمة. نهضت! شربت الماء ثم قبلتُ قدمي وأنتابني حزن شديد على ضحايا مدينة الصدر الذين تفحمت اجسادهم ونظراءهم في الدورة والأعظمية. فكرت ملياً بكيفية القضاء على العربات المفخخة فتوصلت الى عدة استنتاجات كان اولها ضرورة الاجابة عن التساؤل الاتي :- هل لدينا رغبة فعلية-صادقة تهدف الى ايقاف المفخخات؟ كم نسبتها؟

بداية يُقال في قواعد المنظومة الامنية للدولة ان الأمن الداخلي لايقع على عاتق الأجهزة الأمنية فحسب، بل هي ثقافة وطنية يتحمل كل فرد مسؤولية صونها والحفاظ عليها من الإجرام. فاذا ما شوهدت تحركات مشبهوة فعلى المواطن الإبلاغ عنها فوراً والإبتعاد عن الكسل والخمول والتضامن مع القوات الامنية وضرورة خلق ثقة متبادلة بينها وبين المواطن العراقي


طريق حكمة لا قوة
علينا الاعتراف مسبقاً بان الدولة العراقية تستنزف جزءاً كبيراً من ميزانيتها السنوية لصالح القوى الامنية فقد بلغت في السنة الأخيرة وحدها اكثر من (26) مليار دولار موزعة على رواتب منتسبي القوى الامنية ومؤناتهم وذخائرهم وأحتياجاتهم الأخرى، لكنها لم تتوفق في مهامتها ونحن ندخل أعتاب عقدنا الثاني على الإطاحة بالنظام السابق 2003، ذلك لأن طرائق الإرهاب وأساليبه لايمكن السيطرة عليها بالمعدات العسكرية التقليدية او النقاط العسكرية المتنقلة التي تخنق الشوارع. علينا الإنتقال من الحرب العلنية إلى السرية ضمن خطة كبيرة ندعم من خلالها جهاز الإستخبارات المركزي العراقي استناداً الى استخدام التكنلوجيا في توجيه ضربات إستباقية للإرهاب ومصادر تمويله وفضح من يقف وراءه بالأدلة القاطعة وتقديم الجناة للعدالة!

اولاً علينا تحديد اساليب التفجيرات الارهابية الشائعة التي تستهدف الابرياء :-
1.العربات المفخخة :- اكثر من 90% من التفجيرات التي تستهدف الابرياء يكون مصدرها السيارات المفخخة، وذلك بسبب تحركها السهل ولنيلها اهداف المسبقة في حصد اكبر عدد ممكن من ارواح الناس.

2. العبوات الناسفة وقذائف الهاون والانتحاريون وعمليات الاغتيال والخطف وقطّاع الطُرق quot;صناع الموتquot; : وتشكل حوالي 10% من عمليات القتل المنظم الارهابي لصعوبة تأدية اهدافها مقارنة بالعربات المفخخة. فزارع العبوات الناسفة معرض للوقوع بمصيدة القوى الامنية وكذلك الحال بالنسبة لمطلق قذائف الهاون واصحاب الاغتيالات المنظمة. ثم ان هذه الوسائل لا توقع اعداد ضحايا كثيرة كما يريد لنا الارهابيون الجبناء.
وبعد ان حددنا اساليب التفجيرات علينا الإنتقال إلى كيفية التصدي لها.

ان التصدي للعربات المفخخة الحاصدة لأرواح الناس ل ايتطلب قوى امنية كبيرة او سيطرات هائلة والتي اثبتت عدم جدواها لاكثر من عشر سنوات بل تتطلب مسؤولية فعلية وحس وطني عالٍ من قبل المواطن قبل المسؤول فالعلاقة طردية بامتياز بمعنى كلما خلقنا ثقافة امنية مخلصة كلما بسطنا امننا بصورة اكثر فعالية.

خمسة عشر خطوة نحو بغداد بلا عربات مفخخة
قبل الخوض بتفاصيل الخطوات ادناه والتي تعد استراتيجية بامتياز، علينا التذكير بمراجعة ملفين هامين والذين لايختلفان كثيراً عن الإرهاب وهما : البطالة في المجتمع والفساد المالي في الدولة! بدون القضاء عليهما لا يمكن التحدث بالمرة عن إيقاف الإرهاب مهما صُرفت من اموال و بُذلت من جهود!

اهم الخطوات :-

1. ايقاف فوري للعربات الخصوصية قدر الممكن والاستعاضة عنها بباصات نقل يوفرها مجلس محافظة بغداد وبالتعاون مع وزارة النقل والموصلات حيث ان المواطن يستقل سيارته الخصوصية لعدم وجود خطوط موصلات وطنية.

2. التقيد باتباع اجراءات امنية صارمة تكمن في التفتيش الدقيق للمواطنين قبل ركوبهم الباص.

3. التقيد بوضع علامة مسجلة على الباصات تستخدم التكنلوجيا الحديثة فيها بحيث يصعب تزويرها او التلاعب بيها.

4. وضع علامات مسجلة من قبل وزارة النقل والمواصلات على سيارات الاجرة داخل بغداد وأخذ البيانات الشخصية الكاملة لاصحاب عربات الاجرة قبل وضع العلامات المسجلة عليها.

5. تعريض اصحاب اي مركبة غير حاملة علامة مسجلة معتمدة من قبل وزارة النقل والموصلات معرضة للإيقاف والمساءلة والغرامة المالية واحيانا لاطلاق النار من قبل القوات الامنية ان تطلب الامر quot;تهديد الامن القوميquot;.

6.نشر ثقافة الدراجات الهوائية بين الشباب واستغلال التقنيات التكنلوجية فيها حيث تنتشر في مدن اوروبا منظمومة كاملة للدراجات الهوائية. ويفضل ان تلتزم شركة استثمارية خاصة هذا المشروع عن طريق توفير الدراجات في جميع احياء العاصمة وكذلك ترسيم شوارع خاصة بسيرها بعيدة عن مخاطر السيارات المسرعة والتجاوزات المرورية.

7. الموظفون في دوائر الدولة ومؤسساتها تقلهم عربات حكومية خاصة معروفة لدى المؤسسات ومسجلة رسمياً وتحمل علامات غير قابلة للتزوير او التلاعب وتحمل بطاقات حكومية خاصة.
8. اصحاب المطاعم والمحلات التجارية الكبيرة يجري تسجيل سياراتهم وأخذ بياناتهم وكذلك استخدام تقنية العلامات التكنلوجية الحديثة في مقدمتها.

9. المواكب الحكومية معرضة دائما للتفتيش من قبل الاجهزة الحكومية الامنية ويفضل ان تعطى صلاحيات كبيرة في هذه المجال.

10.الشروع بتنفيذ مترو بغداد باسرع وقت وكذلك خط الترام (القطار الكهربائي الداخلي).

11.سحب اعداد كبيرة من الجيش العراقي من الشوارع والتركيز على الحدود بين الدول التي يعتقد انها تشكل حواضن للارهاب.

12. عزل المؤسسة العسكرية عن العمل السياسي وجعلها غير تابعة بالمرة لاي جهة سياسية.

13. الاماكن المكتظة بالسكان يستحسن ان تشكل فيها قوى شعبية تتعاون مع القوى الامنية في التعريف على الاغراب الداخلين والخارجين من و إلى احياءهم. ويفضل شمولهم برواتب شهرية.

14. الإلتزام بوضع كامرات مراقبة دائمية في الشوارع المكتظة بالناس والأحياء التي يشك انها حواضن للارهاب وكذلك مراقبة اصحاب كراجات العرابات وورش تصليحها حيث يعتقد ان العربات يجري تفخيخها من تلك الاماكن كونها تحتوي على جميع المستلزمات الخاصة لذلك، إضافة لقربها من الاماكن المزدحمة.

15. مراقبة المواد الكيماوية التي تدخل في صناعة المتفجرات وتحجيم استيرادها ويستحسن ان تشكل لجنة خبراء توصل هذه المواد لمن يحتاجها فقط.

قد يبدو للمتابع العادي او المسؤول الأمني ان هذه الخطوات صعبة المنال لكنها غير مستحيلة التطبيق فنزيف الدم العراقي يتطلب اجراءات صارمة. فلنتحمل بمسؤولية عالية وهمة وطنية عواقبها الآنية.