الاتفاق الذي تم توقيعه بين روسيا وأميركا بخصوص سلاح الأسد الكيماوي يشكل صفقة الحد الممكن والمتاح في هذه الظروف الدولية. الرابحون الواضحون في هذه الصفقة هم إسرائيل وبشار، فبالنسبة للأولى لا يضرها بقاء أسد منزوع السلاح الكيماوي وجريح في ميادين سورية يصرف ما تبقى من قدرة البلد في محاربة إسلاميين قد يشكلون في يوم خطر على إسرائيل.

بالنسبة لبشار، لا تشكل الأسلحة سوى ورقة من أوراق تفاوضه على البقاء في السلطة، تاريخ العائلة مليئ بالأمثلة على ذلك، كل شيئ قابل للتحول إلى أوراق تفاوض في خدمة الهدف الأساسي وهو البقاء في السلطة، اوجلان كان يوماً حليفاً وصار ورقة، وكذا لبنان، وفلسطين دائماً، وكل الأوراق تصبح قابلة للصرف حين يحين موعدها.
لا شك أن تأجيل إسقاط بشار يفتح جرح سورية على مزيد من الالتهاب، ويحمل وعداً بألام أكبر لشعب سورية، حيث أن الأزمة بدأت تتخطى نتائجها المباشرة من موت ودمار ونزوح إلى تدمير ما هو أخطر.الخطر الأكبر اليوم بات يتهدد مصير الجغرافية السورية ومصير سورية كوطن للسوريين أجمعين، والواضح أن نظام بشار الأسد وأخطاء المعارضة، قد قسمت البلد إلى قسمين واضحين، الأكثرية مقابل الأقليات، فلم يعد من مجال لإخفاء هذه المسألة أو اللعب عليها.
ومن شأن استمرار بشار بشخصه ونظامه إكمال عملية الفرز هذه، بحيث يصبح مستحيلاً بعد فترة من الزمن إصلاح هذا العطب الحاصل في النسيج الوطني. وهذا الأمر ستتكفل بإكمال مترتباته صفقة الكيماوي التي ستؤدي إلى فتح بطن الدولة السورية على مصراعيها أمام العبث العالمي، حيث سيستدعي دخول الغربيين مزيداً من التدخل الروسي والإيراني في صلب الدولة السورية.
الواضح أن العالم المنقسم داخلياً وخارجياً إزاء الأزمة انزاح بعيداً عن خوض الحروب العسكرية التي تتطلب موافقة ممثلي الشعوب في البرلمانات والتي ظهر أنها ملت الحروب ، وهذا العالم يتجه إلى حروب المخابرات المسموح خوضها دون اللجوء إلى الرأي العام، إذ يعرف المختصون بالسياسة أن حروب المخابرات في العادة لا تهتم كثيراً باعتبارات الشعوب ومصالحها ولا تعنيها الاعتبارات السياسية، فإنها في الغالب تنتهي إلى كوارث مفجعة، تعتبرها انتصارات مؤزرة، لا شك بأن تاريخ المنطقة مليئ بهذا النمط من الحروب وأغلب التشوهات التي تعيشها منطقتنا هي بسبب تلك الحروب ونتيجة لها.
اوباما وبوتين اتفقا على مقاربة جديدة للأزمة السورية تقوم على قاعدة الإدارة المشتركة للأزمة، لكنهما سلما إدارة الملف للأجهزة الإستخبارية، وهذا يجعل سورية على موعد مع الخراب المستمر، ولن يكون مصير بشار الأسد أو ثورة الشعب السوري مهمة كثيراً في هذه الحرب إلا بمقدار ما يوفران فرصاً لنجاح مخططات الاستخبارات التي تعمل دائماً على تطوير أهدافها انطلاقا من حزمة المعطيات المتوفرة والممكنة.
مثلما جرى اختزال قضية سورية بالكيماوي، سيجري التعامل مع الأزمة بعين مخابراتية، سورية بلد حيوي في هذا المجال فنظام الأسدين أوجد فيها حقلاً واسعاً من الأنشطة الإستخبارية التي عانت منها كل دول الجوار، وأغلب هذه الأطراف اليوم مدعوة لحل ألغاز وكشف أسرار حقبة زمنية مرت وتشكلت فيها الكثير من المعطيات الأمنية والتجسسيية والتخريبة، ويشكل تواجد الإسلاميين على الساحة السورية إغراءً ومبرراً للعمل الإستخباراتي العالمي، وخاصة وأن هذه التنظيمات تشكل صيحة العالم الإستخباراتية في هذه المرحلة.
الملف السوري ينتهي ملفاً إستخباراتياً، قد لا يكون في الأمر غرابة، فالبلد الذي تحكمت به أجهزة المخابرات طوال أربعين عاماً، وشكلت مصنعاً ومختبراً لكل أزمات المنطقة، تستدعي اليوم كل مخابرات الدنيا لتفكيك هذا الإرث وتقاسم ثرواته.