الغزل الاميرکي مع النظام الايراني، کان حلما بالنسبة لهذا النظام ولاسيما بعد أن تفاقمت أزماته و مشاکله و بات يشعر بالوهن و التراخي في مواجهة الامور و التصدي لها، ولئن کان النظام الايراني في أيام عافيته يعني تماما کل مايقوله ضد واشنطن، فإنه اليوم مضطر أيما إضطرار لکي يضع نفسه في هکذا موقفquot;لاحسquot;لمواقفه المبدأية و الايديولوجية السابقة، لکنه و تبعا لتلاعبه بالنصوص الفقهية و إباحة کل الذي يجوز و مالايجوز من أجل بقاءه، يجب الاعتراف بمهارته الکاملة في إستغلال الدين(وليس إستخدامه فقط) من أجل أهداف سياسية محضة لاعلاقة لها بالدين لامن قريب ولامن بعيد.

عودة الرئيس روحاني الى طهران و إستقباله و کأنه قيصر روماني حقق فتوحات و إنتصارات باهرة للشعب الايراني، يمکن إعتباره مفترقا مميزا جدا في تأريخ هذا النظام و يضعه أمام بداية مرحلة بالغة الحساسية، حيث إما يصبح أردوغانا آخرا للغرب او انه يلقي بکل کراته في السلة الغربية و إنتظار الفرمانات و الاوامر الصادرة إليه من هناك في مواجهة أية تطورات او تغييرات، تماما کما حدث مع نظام الشاه محمد رضا بهلوي.

رد جناح المحافظين(المحدود)و(المقنن)، ضد زيارة روحاني و ماتداعى عنها، يثبت و بصورة تامة أنه قد ذهب الى نيويورك بناء على توجيهات خاصة من خامنئي نفسه، وان عملية ذهابه لم تکن مجرد زيارة عقائدية کما کان يفعل سلفه نجاد، وانما کانت زيارة إستعراضية حيث عرض روحانيquot;من حيث المبدأquot;، مالذي يمکن أن يجدوه في جعبته مستقبلا شريطة إبعاد سيف ديموقليس أي العقوبات الاقتصادية القاسية عن رأس النظام و بالتالي عودة شئ من الامن و الاطمئنان و الثقة الى جبهته الداخلية المهتزة حاليا أقوى إهتزاز.

نجاح رئيس الجمهورية في الامم المتحدة نصر الهي! هذا ماقاله هاشمي رفسنجاني بخصوص زيارة روحاني لنيويورك، وهو کلام لم يطلقه العمود الرئيسي الثاني للنظام الايراني إعتباطا، وانما لغاية تصول و تجول في أعماقه و يجد أن فرصتها قد باتت مواتية في هذه المرحلة الحرجة و الحساسة من تأريخ نظامه و المنطقة برمتها، والملفت للنظر ان رفسنجاني يحاول العبث و اللعب بالحقائق و ليس الکلمات فقط عندما يقول في إشادة مقصودة من أجل هدف يضمره في نفسه:(نرى أن السيد اوباما عندما يطلب من رئيس جمهوريتنا اللقاء، لکن رئيس جمهوريتنا يقول بأن وقت ذلك لم يحن بعد و دع حتى يتم تنفيد الامور المطلوبة لهذا اللقاء.)، لکن و الحق الذي يجب أن يقال و يعلمه رفسنجاني قبل غيره جيدا بأن اوباما لم يطلب لقاءا من روحاني بل أن الاخير کان متلهفا و متهافتا عليها، لکن لعب و عبث رفسنجاني بالحقيقة هنا يمکن ربطه لما جاء من کلام آخرquot;غريب من نوعهquot; في سياق خطابه هذا، إذ أن رفسنجاني الذي تحدث بإسهاب عن فترة الحرب العراقية الايرانية و سلط الاضواء على دوره المحوري فيها و کذلك علاقته الخاصة بخميني نفسه، أزاح الستارة مرة أخرى عن دوره في عملية إقناع خميني بوقف إطلاق النار و التي کان الاخير يرفضها جملة و تفصيلا وهو القائل:(لامعنى للسلام بين الاسلام و الکفر)، لکن و بعد أن وافق أخيرا و إعتبر موافقته بمثابة إجتراع کأس من السم، فإن رفسنجاني يذيع سرا غريبا من أمره عندما يذکر بأن خميني و بعد فترة قال لي:( رغم أن کأس السم في تلك الفترة کان مرا، لکنه اليوم کالشهد لأننا أنجزنا عملنا على أفضل مايکون.)، خميني يناقض نفسه!

هذا هو تماما معنى هذا الکلام و خلاصة تفسيره، لکن رفسنجاني الذي لايتکلم إعتباطا و ليس من النوع الذي يلقي الکلام على عواهنه فإنه و عندما يکشف النقاب فجأة عن هکذا سرquot;غريبquot;، فإن الامر مرتبط کما نرى بزيارة روحاني لنيويورك المهمة الحاسمة التي ذهب من أجلها، إذ ان من الواضح أن مربط الفرس في مسك ختام أي مفاوضات أمريکية إيرانية حاسمة ستکون عند الخيمة النووية للنظام والتي يعلم رفسنجاني و النظام کله أن اوباما او أي رئيس آخر يريدها کلها أي الجمل بما حمل، ومن هنا فإن خطاب رفسنجاني من إذاعة هذا السر هو خامنئي نفسه، إذ انه يدعوه لتجرع کأس سم ثاني يصبح فيما بعد شهدا، لکن قطعا فإنه من الواضح أن خامنئي غير خميني، وان إقدام خامنئي على مثل هذه الخطوة ستکون کما لو أن يقوم أحدهم بالمقامرة في لحظة يأس بکل مايملك على حصان آماله بالفوز معدومة او قليلة جدا في أفضل الاحوال.