يصر بعض قادة حركة النهضة الإخوانية الحاكمة في تونس على اعتبار حزبهم امتدادا للحركة الإصلاحية التونسية ويبحثون بداخل هذه الحركة عن رموز يمكن نسبة ما quot;يُبشرون بهquot;، إليهم. وفي هذا الإطار يتحدث بعضهم على أن فكرهم هو امتداد لما جاء به الشيخان عبد العزيز الثعالبي والفاضل بن عاشور رحمهما الله، وفي ذلك خطأ ومغالطة كبرى للرأي العام الوطني وخصوصا لشريحة الشباب التي لم يتعمق جل أبنائها في دراسة تاريخ الحركتين الوطنية والإصلاحية للبلاد التونسية.
فالشيخ عبد العزيز الثعالبي، إبن حركة الشباب التونسي التي تعتبر امتدادا لفكر مصلحي الخضراء في القرن التاسع عشر من أمثال خير الدين التونسي وأحمد بن أبي الضياف ومحمد بيرم الخامس وسالم بوحاجب وغيرهم، هو مؤسس الحركة الدستورية سنة 1920 تحت مسمى الحزب الحر الدستوري. فكيف يتحول quot;أب الدساترةquot; وباني حركتهم التي تؤمن بالذاتية التونسية إلى مرجع لحركة تعادي الدساترة وتشيطنهم وتسعى لإقصائهم وإبعادهم عن الحياة السياسية بشتى السبل ولا تؤمن بالذاتية التونسية التي أسسوا لها؟ وللتاريخ، فإن المتدينين المتشددين أصحاب الفهم الضيق لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف من أمثال الكثيرين في حركة النهضة، على غرار من اعتبروا ختان البنات يصنف في خانة التجميل ومن دعوا إلى قطع أيدي و أرجل المتظاهرين من خلاف، قد حاربوا في وقت سابق فكر الشيخ الثعالبي المستنير وعانى الرجل منهم الويلات شأنه شأن الطاهر الحداد صاحب كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع والذي دنس المتشددون قبره مؤخرا.
أما الشيخ الفاضل بن عاشور، إبن جامعة الزيتونة العريقة وأحد أهم مشائخها ورموزها والذي ذاع صيته خارج حدود الوطن بفعل أفكاره المجددة في الدين، فقد كان عضو ديوان سياسي في الحزب الحر الدستوري، حزب الثعالبي وبورقيبة، الذي يعاديه النهضويون، كما كان من مؤسسي الإتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب الزعيم الرمز فرحات حشاد. هذا الإتحاد الذي ألقيت الزبالة والقاذورات على مقراته في quot;عصر النهضة السعيدquot; والذي أراد البعض اقتحام معقله في ساحة محمد علي بالعاصمة التونسية والإنقلاب على قيادته الشرعية المنتخبة، والذي أريد له أن لا يتدخل في الحياة السياسية بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 وأن يقتصر دوره على الضغط لتحقيق مطالب العمال. فكيف يكون الشيخ الفاضل بن عاشور مرجعا لحركة النهضة وهي التي تستعدي حزبه واتحاده العمالي؟
إن مرجعية حركة النهضة ليست في أرض الخضراء، وإنما هناك ..في أرض الكنانة حيث تأسس التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، مرجعيتهم الفكرية في كتابات حسن البنا وسيد قطب وليس فيما تركه الثعالبي وبن عاشور من آثار. هم جزء من تنظيم الإخوان العالمي وولاؤهم للمرشد العام، وتونس أو قرطاج أو إفريقية هي خطأ تاريخي بالنسبة إليهم، حتى أن بعضهم يعتبرها إحدى أهم نتائج إتفاقية سايكس بيكو رغم أن القاصي والداني يدركان بأن هذه الإتفاقية طالت أقطار المشرق ولا علاقة لها ببلاد المغرب.
كما أن روح الفكر الوهابي المستمدة من طبيعة نجد القاسية تتجلى في تصريحات وسلوكيات بعضهم. فذلك الكم الهائل من دعاة الوهابية الذين تقاطروا على بلادنا خلال عهدهم السعيد لم يكن من باب الصدفة وإنما رغبة من بعض قادتهم، الذين يعرفهم التونسيون حق المعرفة، في نشر هذا الفكر الذي يؤمنون به. كما أنه ليس من باب الصدفة أن يتم استهداف مقامات الأولياء الصالحين بالحرق والنهب والعبث بالمحتويات خلال فترة حكمهم. وإذا اعتبرنا مثلما يدعون بأن الأمر دُبر بليل لتشويه إخوان تونس وحلفائهم الوهابيين من قبل quot;جماعة الثورة المضادةquot;. فهل أن هذه الأشباح التي تقود الثورة المضادة في تونس هي التي ارتكبت ذات الأفعال (أي تدمير مقامات الأولياء) في ليبيا وفي إقليم الأزواد الطوارقي شمال مالي وتحديدا في تمبكتو أهم معقل للتصوف في الصحراء الكبرى الإفريقية؟ أم أنه فكرهم المعادي للتصوف ولأهله أبناء هذه الأرض الذين وحدوا تاريخيا بلاد المغرب ودافعوا عن ثغورها وحصونها ورباطاتها بوجه الغزاة والمستعمرين سواء أكانوا إسبانا أو برتغاليين أو فرنسيين وغيرهم؟
وبذلك فإن بحث النهضويين عن جذور لهم ومرجعية ورموز في هذه البلاد وفي فكر أبنائها وموروثهم التاريخي والثقافي والحضاري، غير ذي جدوى، لأنهم باختصار حملة فكر غريب عن هذه الديار، فكرٌ نشأ في غير هذه الأرض ونما وترعرع بعيدا عنها، أرادوا إسقاطه على واقع تونسي له خصوصياته ومختلف تمام الإختلاف عن أقاصي بلاد النيل التي نحب ونجل ونحترم أهلها وبيننا وبينهم أكثر من رابط. فالإدعاء بأن النهضة تستمد جذورها من أفكار الشيخين الثعالبي و ابن عاشور هو عملية سطو على رموز الآخرين و تزييف لحقائق التاريخ وهروب من حركة النهضة الإخوانية إلى الأمام من خلال عدم الإعتراف بضرورة القيام بمراجعات فكرية تجعلها تقطع مع تنظيم الإخوان العالمي ومع الفكر الوهابي quot;الهدامquot; لتصبح تونسية صرفة تستلهم فكرها الإسلامي من موروث بلاد المغرب الذي نشأ في القيروان التونسية وامتد إلى الأندلس مرورا بالزيتونة في تونس والقرويين في فاس المغربية.