الى اليوم، والتدخل الأمي المستمر من رجال الدين المتطرفين لتغيير شكل الدولة ونظامها السياسي، يذكّرني بكارل ماركس منظر الشيوعية وقوله بأن quot; الدين أفيون الشعوب quot;. وبلا شك، ومع التطور الحضاري والتقدم العلمي في العالم، نرى أن رجال الدين المتطرفين يطعمون شعوبهمquot; قسراً quot; سموم المخدرات المذهبية الذي تباركه هيئاتهم الدينية ويحثوها بغباء على حمل سلاح والقتل والأرهاب والتفجير للجهاد في أرض الله ودخول الجنة. هذا التدخل المُخيف تذكير لنا على صحة قوله تعالى ( أِن اللهَ لايُغيّرُ ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم) وصحة زيادة الأمية بين مدعيّ علماء الكذب على أختلاف مذاهبهم.

كما أنه تذكير أبن خلدون الذي أعتبرنا أبعد الناس عن الحضارة وبأننا quot; أمة بدوية وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلة، وكان عندهم ملذوذ لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد لسياسة وهذه الطبيعة منافية للعمرانquot;.

وشكل الحديث عن الدولة العراقية يدور بين عشائر ورجال دين وسياسة،عمن له أحقية حكم العراق، وتتداوله الأوساط العراقية والعربية كموضوع خاضع بالضرورة الى رغبات القوى الأقليمية والدولية وقبول عراقي تترجمه لغة التفجيرات والتهديدات اليومية لرجال الدين والسياسة.

المعقولية والمنطق والتفسير والحديث عمن يجب أن يحكم العراق وشكل تركيبته يدور الى اليوم بين العراقيين، شعباً وحكومة !! وسيكون تصنيفي الطبيعي من بعض القراء التسقيط وسياقة الأوصاف المحببة لعقولهم : مجوسي صفوي فارسي رافضي طائفي أضافة الى ألصاق تهم أخرى حسب مايدور في خلد القارئ وثقافته، طالما يتطرق حديثي الى أمراء دول الأوهام : طالبان وداعش والقاعدة والدول الأسلامية الموعودة وأمرائها من السلفية والأخوان المسلمين.

أرتباط أحداث الأعتصام والقبض على النائب الهارب أحمد العلواني وخطبة العلامة الديني عبد المالك السعدي وماسبقته من أحداث وادي حوران في الأنبار، تضيف الرعب الى نية البعض في صناعة جيش طائفي مسلح بعقيدة الأسلام لقتال عقيدة أسلام مضادة، وخاصةً بعد مقتل قائد الفرقة السابعة اللواء الركن محمد الكروي ومساعده قائد اللواء الاول في الفرقة العميد نومان محمد، وأثنين من أُمراء ألالوية وأربعة عقداء وضباط آخرين وأصابة أكثر من 35 جندياً عراقياً، فضلا عن إصابة 35 عسكرياً معظمهم جنود، ومقتل 5 صحفيين عراقيين في هجوم مسلح على مقر قناة تلفزيونية في تكريت، وأستمرار الهجوم على مراكز الشرطة في الفلوجة والتفجيرات في مناطق سكنية من بغداد مع أحتفال العالم ببداية السنة الجديدة. هذه الأحداث تدل على عدم قدرة حكومة نوري المالكي في شد ومد قبضتها لؤد قوى الأرهاب السياسي والديني المتطرف، ويدل على خضوع الدولة العراقية لأمتحان ميداني دبرته ومازالت تدبره القوى الأقليمية ودخول اليد الخارجية الى مراكز الأعتصام والعصيان والتمرد المسلح المتخفي تحت غطاء الدين وبأسناد منه.

الدولة العراقية وحديث الأحقية الشرعية لمن يحكمه أخذ طابعه التاريخي المحزن بعد وفاة الرسول الأعظم عام 632 وأيام خلافة الخلفاء الراشدين ودول الخلافة الأموية والعباسية وتخطاها الى القرن الحادي والعشرين الحالي.والحديث العربي عنها يدور بحدة وجنون لشكل الدولة المطلوبة، ويتجاوزه الى دعوات الغزو والحروب والفتوحات المقترحة لأرسائها.

لاغرابة بل أنها خرافة الحديث عن دولة العبيد ودولة الأسياد، دولة المذهب الباغية ودولة المذهب الواعية، دولة قومية عنصرية، ودولة تضم أعراق ومعتقدات، دولة الشريعة الأسلامية، ودولة القوانين الوضعية....كلها تدخل في أوهام الدولة النموذجية وتملأ الأذهان وتدور بحدة بين علماء دين ومنظرو سياسة وعلماء أجتماع وتاريخ، ويأخذ هذا الحديث مجراه في دول متحضرة ودول متأخرة.

أحقية حكم العراق وتبريرها تتم وفق وتيرة تاريخية دينية تربوية تبنتها بيئتنا و مدارسنا وشيوخنا وعلماء مؤسسات وهيئات ومرجعيات دينية لاأحترام لها للأنسان ومعتقداته وتصوغ للأنسان عقله قبل أن يبلغ سن الرشد وتملأه بالكراهية والحقد والأنتقام، وينمو في بيئة الأنحطاط الأخلاقي لرقص الغجر والكاولية، ودولة القبول المجتمعي بالدكتاتورية في دولة حمل سلاح القتل قبل أن تصل أليه أُسرة وثقافة الدولة وقبل أن يتبنى المجتمع المدني رعايته وتهذيبه وتعليمه. ولو سمحت لك الظروف للجلوس مع نائب عراقي لايحمل سلاح الأرهاب أمامك( وتفترضُ خدمته العامة للمجتمع) فأنك ستسمع الكلمات السلسة الوردية لحبه للعراق وأهله وتفانيه لخدمتهم بعد أدخال أحقية الشيعة أو أحقية السنة أو أحقية الأكراد القومية في شكل الدولة المقترحة ونظم توزيع الحصص المالية والثروة، نظراً للظلم والجحف الذي أصابهم دون غيرهم منذ الفتح العربي الأسلامي لأرض الرافدين، وليس مستغرباً أن يشير بألأسماء الى نواب أخرين داخل قبة المجلس، بأنهم مع صفوف الأرهاب الأيراني أو ألأرهاب العربي الوهابي أو التركي أو البعثي القاعدي أو الأمريكي، ثم تخرج دون نتيجة. فلنتطلع سوية الى ثلاث مفارقات حدثت مؤخراً ونزن قيمتها للأنسان المدرك.

بتاريخ 30 تشرين أول أكتوير 2013، كشف قائد الفرقة الخاصة اللواء فاضل برواري، لصحيفة المدى، أن أكثر من لأربعة ألآف انتحاري من الجنسيات العربية فجروا انفسهم في العراق، وأشار بمرارة وحزن إلى إنجازات السلفية من quot;أخوتنا العربquot; في قتل النساء والأطفال والشيوخ بـquot;إبادة جماعيةquot;، وفيما أكد بتهكم أن هذه الإرقام تبين بأننا quot;أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدةquot;، في (إشارة إلى شعار حزب البعث ) أن العرب سيحررون فلسطين quot;لتخليصها من اليهود quot; بهذه الطريقة.

بالمقارنة،العلامة الديني عبد المالك السعدي، فاجأ العالم العربي وألأسلامي بخروجه عن خط الأسلام المألوف في خطابه بتاريخ 29 كانون أول 2013، وأوحي للمسلمين في محافظة الأنبار شكل الدولة المطلوبة، وحذر نصاً ومضموناً القوات المسلَّحة العراقية quot;بعدم الاستجابة لأوامرَ تزُجُّكم في أُتُون الحرب، والموتِ على غير مِلَّة الإسلام؛ لأن المهاجم هو الخاسر في الدنيا والآخرة، ومصيره النار، وإيَّاكم أن تدخلوا النار لحماية حاكم ظالم لم يُقدِّم إلى شعبه أيَّ خير، بل قدَّم الشر والنزاع والطائفية والفقر والجوع، ويجب عليكم الانسحاب والوقوف مع أهلكمquot;. وقال quot;أمَّا المُدافع عن عقيدته وعرضه وأهله وأرضه فإنَّه شهيد عند الله تعالىquot;. هذه المفاجأة التي رأها المراقبون ورفضها أهالي الأنبار وأعيانهم،أزاحتْ القناع عن الثقافة الدينية في رعاية الأرهاب ومباركته بنفس لحن الوعد والوعيد، التهديد والترغيب التي أتبعها قبله القرضاوي والعرعور ومقتدى التي لاتدلل على أي أهتمام أنساني لمن يَقتل ومن يُقتل.

لم يعد مُستغرباً أن كارل ماركس و كتيباته عن نشوء الدولة، لعن الفكر الديني المتطرف ووصفه بالأفيون. ثم، وبمناسبة رأس السنة لم يمنع الرئيس الروسي نفسه من تهنئة الشعب الروسي بالسنة الجديدة وتعهده نصا بقوله (أيها الأصدقاء الأعزاء، إننا نحني رؤوسنا أمام ضحايا الأعمال الإرهابية الوحشية. أنا على يقين باننا سنواصل التصدي للإرهابيين بصرامة وبلا هوادة حتى القضاء عليهم).)

لقد ظهر مؤخراً في ليبيا ومصر وسوريا وولبنان والعراق رجال دين أميون، يقفون ويحوطون أنفسهم بمسلحين وقتلة، وبلا كرامة، أبدوا أستعدادهم لمناصرة الشيطان ومؤازرة الأرهاب بالخطاب الديني.

أما العراق،فهو ليس دولة ديموقراطية مدنية محكومة بسلطة الدستور، القانون،أو القضاء كما هو مفترض. ومؤسساتها تخضع بالكامل لمليشيات عسكرية ملتزمة بقيادات مذهبية وشيوخ عشائر ونفوذ قومي مستقل ومنفصل عن حرفية الدولة المدنية المتحضرة والبناء الفدرالي السليم. في العراق مشكلة رجال الدين تربوية. وقد ظلَّ علماء المسلمين طريقهم وتركو أيمانهم الروحي في توجيه المسلمين الى الخير والرحمة والمحبة والسلام وأدخلوهم في ظلمات الجهل وتأجيج الحروب الدينية.

ويأتي في قمة ألأخطاء الجسيمة، تسليم الحكومة الفدرالية أمور محافظات عراقية وسكانها المرتعبين الى قيادات محلية تعمل بأتاوات ورشاوي مع تنظيمات مسلحة من زمر الأسلام السياسي التي تقوم بهجمات منظمة ضد المدن والقرى والقوات العراقية المسلحة. كلمة المالكي المتلفزة ودعوته الجيش الى الانسحاب من المدن وتسليم مهمة أدارة المدن الى الشرطة، أساءة معنوية للقوات المسلحة العراقية وأرباك لواجباتها المهنية وخطأ أستراتيجي لايغتفر، أنه نجاج تام لمعارضيه السياسيين المشاركين في السلطة الشيعية والسنية الهزيلة التي جمعت مجموعات من الأنتهازيين واللصوص تحت راية خدمة العراق.

كاتب وباحث سياسي